المرأة السورية وبناء التغيير (1)


22 أيار 2016

ميليا عيدموني

صحفية سورية، والمديرة الإقليمية لشبكة الصحفيات السوريات.

استطاعت المرأة السورية منذ بدء الثورة وحتى اليوم تخطي الكثير من الظروف الصعبة بمختلف أشكالها وظهر دورها في عدة مجالات منها الإعلامي والإغاثي والإنساني. ولم تقف عند هذا الحد بل بدأت بتأسيس شبكات ومنصات لمجموعات نسائية في محاولة للاستفادة من كل الإمكانيات المتاحة وتوفير الدعم والتمكين اللازم لمن بقي في الداخل السوري المحاصر أو المحرر منه. ومع تصاعد موجة العنف وعسكرة الثورة لم تيأس النساء في سوريا من محاولة إيجاد حلول ونشاطات بديلة في سبيل محاربة هذا العنف ورد التعديات في كثير من المناطق.

وعلى الرغم من الضغوط النفسية وموجات النزوح المستمرة في الداخل السوري ما زالت المرأة السورية قادرة على خلق تغيير إيجابي في مجتمعها من خلال تفاصيل حياتها اليومية. ولعل مراكز مثل "النساء الآن" و"حراس" و"مؤسسة بدائل" ، و "مزايا" و"مركز توثيق الانتهاكات" و"شبكة الصحفيات السوريات" وغيرها من المؤسسات العاملة في الشأن النسوي والشأن السوري العام على حد سواء، خير أمثلة على الدور المهم الذي تلعبه  المرأة  في سوريا اليوم.

النساء الآن: مساحة آمنة لإطلاق الأفكار وخلق التغيير

أمضت "مزنة الجندي"، ٢٩ عاما، سنتين متواصلتين في منزلها من دون عمل أو متابعة دراسة لماجستير عقب التخرج من الجامعة العام ٢٠١١، نتيجة انتشار الحواجز العسكرية.  ومع افتتاح أول مركز لـ"النساء الآن" في معرة النعمان ساهمت مزنة من خلال انضمامها لهن في منع تكرار ما حصل معها مع نساء منطقتها: "وفر المركز مساحة لي ولغيري من النساء للخروج من المنزل أولا، والبدء بتنفيذ مشاريعنا وإقامة نشاطات في ظل ظروف قاسية، وهو أول تغيير حقيقي على الصعيد الشخصي شعرت به" تقول مزنة.

توضح "ريم كنجو"، مديرة مركز "النساء الآن" في  سراقب، أن هذه المراكز تساهم في دعم وتمكين النساء في مجالات عدة تختلف من منطقة لأخرى، مع التركيز على احتياجات النساء أولا، ومن ثم استثمار وقتهن في المناطق المحاصرة بأمور مفيدة لتحسين ظروف حياتهن، والظروف المحيطة بهن من خلال "الدعم النفسي والتمكين الاجتماعي. يتم استهداف الفتيات اللواتي تركن مقاعد الدراسة نتيجة الظروف الأمنية والأرامل المحتاجات للعمل لتأمين مصروف أولادهن و بيوتهن ."

تتفق ليلى مع مزنة بالقول أن النساء بعد الثورة اكتسبن قوة وصلابة، وأصبحن قادرات على إبداء الرأي بصراحة وبدون خوف، ثقتهن بنفسهن ازدادت، وظهر ذلك جليا في طريقة تربيتهن لأطفالهن وتعاملهن مع أزواجهن والمجتمع، مشيرة إلى خروج نساء الغوطة في مظاهرة ضد ممارسات إحدى الكتائب المسلحة المسيطرة على المنطقة، بعد محاولتهم فرض لباس محدد على المرأة بقوة السلاح. وتقول "ليلى" مديرة مركز "النساء الآن" في حزة، أن النساء في المركز - وبعد جلسة خاصة بموضوع العنف الذي تتعرض له المرأة، والأحكام المسبقة التي يطلقها المجتمع عليها- وقفن ضد النظرة السلبية للمرأة المعتقلة، وتوجيه الاتهام لها بأنها تعرضت للاغتصاب داخل المعتقل، مؤكدات أن من حقها أن تعيش بكرامة، وناقشن القضية لأول مرة علانية مع عائلاتهن وأزواجهن. كما تضيف ليلى أن جلسات التوعية بحقوق المرأة ساهمت في زيادة عدد النساء اللواتي اتخذن قرار التصويت في انتخابات المجالس المحلية في الغوطة الشرقية.

تعتبر ليلى أن "النساء السوريات بعد الثورة أصبحن فضوليات لمعرفة الأوضاع السياسية، وتكوين رأي حول ما يجري حولهن من خلال تحليل الأخبار، وساهمت الثورة بفتح أفق جديد للنساء السوريات وأصبحن أكثر حبا للتعلم واكتساب مهارات جديدة".

تقول "لبنى قنواتي"، مديرة برامج سوريا في مركز النساء الآن "بلغ عدد النساء المستفيدات من نشاطات وخدمات المراكز داخل سورية خلال العام  2015 ما يقارب 7000 سيدة وطفل". وعن ازدياد عدد المنظمات والجمعيات التي توفر الدعم والتمكين النفسي والاجتماعي للنساء في سورية، تقول لبنى "الحاجة اليوم لهذه التدريبات وورشات العمل كبيرة، والدليل رغبة النساء المستمرة بمتابعة وحضور ورشات الدعم النفسي والتمكين بجميع أشكاله، الاقتصادي والمهني والتعليمي والاجتماعي والسياسي. ولا مانع لدينا من التعاون مع أي جهة أو مؤسسة".

حارسات حراس:

التهديد الأمني والخوف من الاعتقال مع انتشار الحواجز والاعتقال على الهوية، ساهم بدوره في توقف "هبة" من دوما عن متابعة سنتها الرابعة في كلية العمارة بجامعة دمشق والبقاء في البيت لخمسة أشهر متتالية: "نشاطي في مجال دعم الأطفال والحد من المخاطر التي تواجههم عبر الانضمام لعدة مبادرات في الغوطة الشرقية منها فريق شبكة حراس، ساهم في تطوير مهاراتي في مجال إدارة المشاريع، وهو ما لن توفره لي الدراسة الجامعية. الثورة أو الانتفاضة استطاعت كسر بعض الضوابط المجتمعية لدفع المرأة للتأثير في المجتمع بشكل مباشر".

يعمل فريق حراس بشكل مباشر على تدريب أمهات الأطفال على التعامل مع أطفالهن خلال الطوارىء وتعريفهن بكيفية اكتشاف وجود صدمة عند الطفل، واتخاذ الاجراءات اللازمة. كما لدى الفريق برنامج خاص بدعم المدارس العاملة في مناطق تواجده في الغوطة وإدلب، يقوم فيه بمساعدة الكوادر على تضمين الاعتبارات النفسية والتربوية لظروف الحرب ضمن المنهاج وآلية العمل. حتى أنه ساعد بتقديم نموذج جديد للعمل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وضمهم ضمن صفوف المدارس العامة وهو ما لا يتوفر حتى في المدراس الحكومية السورية من قبل الثورة. يركز الفريق في عمله على الدعم النفسي للطفل معنويا أيضا من خلال مجلة "طيارة ورق"، وهي مجلة تعنى بتنمية القدرات التعليمية للطفل، إضافة للدعم القانوني عبر رفع تقارير للمنظمات الدولية المختصة بحقوق الطفل، كما سبق لشبكة حراس أن أدانت الحملات الإغاثية والإنسانية التي تستغل صور الأطفال في عملها.

مانديلا القامشلي:

تعمل "ليلى خلف" مدرسة لقواعد اللغة الكوردية  ومسؤولة إدارية في بيت مانديلا، وهو مركز شبابي مستقل يقدم خدماته لمنظمات المجتمع المدني على اختلاف أنواعها في مدينة القامشلي ليكون حاضنة لكل النشاطات المدنية التي تساهم في حالة السلم الاهلي، والعيش المشترك بين جميع الطوائف ومكونات المجتمع السوري وترسيخ قيم الحرية والديمقراطية.  ترى "ليلى" أن عملها منذ بداية الثورة في الجانب الإعلامي والإغاثي إضافة لنشاطها السياسي ما هو إلا واجبها كمواطنة وجزء من بصمتها كامرأة صانعة للتغير في المجتمع، مؤكدة أن المرأة الكردية أثبتت حضورها في كافة المجالات سواء الاجتماعية أو السياسية وأظهرت قوتها الجسدية جنبا إلى جنب مع الرجل من خلال حملها السلاح خاصة خلال الثورة التي ساهمت في إعادة طرح  قضايا المرأة الكردية للنقاش العلني، على حد تعبيرها، مضيفة أن هذا الطرح مازال يعاني من التحريف كحال القضية الكردية.

التعاون والتشبيك، دراسة بدائل:

ضمن التوصيات التي طرحتها دراسة مؤسسة "بدائل" الأخيرة حول حراك النساء في بناء السلام في سوريا كان التركيز على أهمية التعاون والتشبيك بين المجموعات النسائية السورية بارزا، وتشير الدراسة أن هذه المجموعات النسائية أظهرت مجاًلا كبيرا للتطور على المسـتوى التنظيمي أو لجهـة بناء العلاقات، وهذا سيمكنهن من تحقيق نتائج أفضل ووصوٍل أوسع.

بدائل - وهي  مؤسسة غير حكومية - تعمل على تمكين التجمعات المدنية السورية للعمل بهدف بناء السلام عن طريق الترويج للاعنف وتطبيق نشاطات للتخفيف من حدة النزاع. بدأت الفكرة لدى مؤسستها "علا رمضان" الحائزة على جائزة "لاعدالة، لا سلام" الإيطالية، من السؤال الذي طرح مع بداية الثورة في العام 2011: ما هو البديل؟

بدأ نشاط "علا" السياسي باكرا أيام ربيع دمشق حين كانت لاتزال في 19 من العمر، بدأت أولى مواجهاتها مع النظام نتيجة مشاركتها بمنتديات الربيع في محافظتها طرطوس ومنعت نتيجتها من السفر لمدة سنتين، وأخذ عملها نتيجة القمع الحكومي طابعا حقوقيا. عملت مع الأمم المتحدة في برنامج دعم لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في الشرق الاوسط، واستمرت فيه حتى اضطرت لمغادرة سوريا أواخر عام 2012.  اتجهت بعدها للدراسة في أكاديمية تحويل النزاعات conflict transformationفي مدينة كولن الالمانية لمدة 3 أشهر عادت بعدها إلى المناطق المحررة لتجري بحثا مع عدد من النشطاء البارزين هناك لتقييم الاحتياجات وتحديد الأولويات. توصلت المجموعة بعد ذلك لفكرة بمشروع بدائل:

"بدأ المشروع في حزيران عام 2013 وكان تجريبيا لمدة 6 أشهر. كانت حينها المناطق المحررة فعلا محررة، والمجتمع المدني ناشط بكثافة ولديه تعطش لنشاطاتنا، مما أدى لنجاح المشروع وتمديده لسنة أخرى. فكرنا بعدها بخطة استدامة أطول فتحول المشروع لمؤسسة تستفيد من تراكم الخبرات والعلاقات وتطوير الأدوات وخطط العمل بشكل مستدام".

تعمل اليوم مؤسسة "بدائل" على ثلاثة برامج رئيسية، وهي برنامج بناء قدرات المجتمع المدني عبر التدريب على مواضيع مثل  المقاومة اللاعنفية، حل وتحويل النزاعات، العدالة الانتقالية كأداة لتحقيق السلام المستدام، العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي في النزاعات، بالإضافة لتقديم الاستشارة ودعم مبادرات السلام المحلية. لدى مؤسسة بدائل برنامج للدراسات والأبحاث في السلام والنزاعات وبرنامج للمناصرة من خلال زيادة وعي الفاعلين وصانعي القرار المحليين والدوليين بالحاجات والاستراتيجيات وديناميكيات النزاع الجاري للوصول الى بدائل وحلول.

 أما عن أكبر التحديات التي واجهت عملها، تقول علا: "الإدارة في ظل النزاعات عمل صعب جدا. التعامل مع فريق كله معرض للخطر هو أكبر تحدي مهني وشخصي. نحن في المنظمة كالعائلة، وعلينا التعامل يوميا مع تعرض أحد ما للخطف تارة أو الإصابة بالقصف تارة أخرى، أو النجاة من البراميل بأعجوبة وغيرها من المخاطر. حتى إداريا يصعب التعامل مع كل التحديات اللوجستية لانهيار البنية التحتية خاصة لدى اضطرارنا لممارسة الإدارة عن بعض في أغلب الأوقات."

المقال نتاج تعاون بين خمس منظمات إعلامية سورية بهدف تسليط الضوء على الحكايات السورية بطريقة عميقة، وهي:حكاية ما انحكت، مؤسسة أريح للصحافة الاستقصائية، راديو روزنة، سيريا ديبلي، مركز توثيق الانتهاكات في سورية.

المشروع بدعم من مؤسسةIMS، وستنشر المقالات بصيغة مختصرة باللغة الانكليزية على وكالة UPI

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد