عودة المهجرين الإجبارية من الساحل السوري


أجبر النازحون في مدينة اللاذقية من مدن أخرى (حلب وإدلب وغيرهما) "للعودة" أو التهجير مرة أخرى، كما جرى مع السيد أبو عدنان، "محمد البكلي" الذي أجبر على العودة إلى حلب لأنها "تحررت من الإرهاب" وفق رواية النظام الذي فكك مخيم المدينة الجامعية في اللاذقية وغيره في منطقة الساحل السوري. بالمقابل يخشى المهجرون خارجا من العودة خوفا من انتقام النظام، فإلى أين يعود السوريون الراغبون بالعودة حقا؟

06 كانون الأول 2018

(منزل مدمر في قرية جورين/ تصوير حازم مصطفى بتاريخ 10 تموز 2018/ خاص حكاية ما انحكت)
حازم مصطفى (اسم مستعار)

كاتب وصحفي سوري مقيم في اللاذقية

(اللاذقية)، للشهر الثاني على التوالي تحاول "رانيا" المنفية اختياراً وعائلتها العودة دون جرأة على عبور معبر كسب الحدودي، وهو المعبر الوحيد الذي يربط شمال اللاذقية ومنطقة لواء إسكندرون (هاتاي التركية حالياُ)، وهو مغلق منذ العام 2015 ويمنع الاقتراب منه من كل الجهات.

ليس فقط لأن هناك من ينتظر أن يفتح عليها أبواب جهنم مرة ثانية، بل لأنه خلافاً لمعابر افتتحها الروس في مناطق مختلفة على الحدود السورية مع البلدان المجاورة، فإنهم لم يقوموا بأي حركة على الحدود مع تركيا. في الوقت نفسه أجبر النازحون في مدينة اللاذقية من مدن أخرى (حلب وإدلب وغيرهما) "للعودة" أو التهجير مرة أخرى، كما جرى مع السيد أبو عدنان، "محمد البكلي" الذي أجبر على العودة إلى حلب لأنها "تحررت من الإرهاب" وفق رواية النظام الذي فكك مخيم المدينة الجامعية في اللاذقية وغيره في منطقة الساحل السوري.

معبر كسب مغلق للآن

تحاول رانيا العبور بشكل رسمي، فهذا أفضل لها كما تقول، رغم أنه لا وجود لعبور رسمي أو غير رسمي، ومن يحاول العبور تهريباً، فإن الجنود الأتراك مخولين إطلاق النار عليه دون مساءلة.

هذا المعبر حديث نسبياً، إذ يعود تاريخ بناءه إلى ما بعد العام 1939، وهو تاريخ ضم لواء إسكندرون إلى تركيا. ذاك الزمن شهد تدفق عشرات آلاف العرب الهاربين من السلطة التركية، إلا أنه اليوم هادئ ويكتفي الحراس على الجانبين بعمل وشرب الشاي والمراقبة.

وخلافاً أيضاً، لأيام ما قبل الأزمة السورية، فإن المعبر الأساسي (معبر كسب)، ما يزال مغلقاً من الجانبين، وإن كان الحائط الإسمنتي الذي تبنيه تركيا بعمق الأراضي السورية يتطاول بارتفاع عشرة أمتار ويتمدد على طول المنطقة المخطط الوصول إليها دون أي احتجاج سوري، ويمنع هذا الحائط أي محاولة انتقال عبر الغابات التي تملأ المنطقة، خاصة بوجود الجندرمة التركية التي تطلق النار على أي متسلل من الجهتين.

خرجت "رانيا" من بلدتها "الحفة" (شمال شرق اللاذقية 25 كم) قبل ثلاث سنوات بعد أن قضت في الاعتقال ستة شهور في قبصة الأمن العسكري برفقة أختها الصغرى (9 سنوات) على خلفية مشاركتها في إحدى التظاهرات التي وثقها أحد المتعاملين مع الأمن عن طريق الفيديو من البلدة. في ذلك اليوم بتاريخ 9 آب 2012، اعتقلت مع أختها، ونقلت من البلدة إلى فرع الأمن العسكري في اللاذقية ثم أحيلت إلى الأمن السياسي فالسجن المدني بتهمة الإرهاب.

تتحدث "رانيا لولو" (اسم حقيقي، 26 عاماً، خريجة كلية التربية): "خرجت من السجن بتبادل مع آخرين في 9 كانون الأول يناير 2013، عرفت فيما بعد أنهم كانوا من الميلشيات الشيعية المعتقلين لدى إحدى الجماعات المسلحة في منطقة الباب بحلب. خرجت وأختي وعدت إلى "الحفة" حيث بدأ مسلسل المضايقات من الجميع، من الأمن الذي سيطر على المدينة ككل، وهي مدينة صغيرة بالأصل، ومن الناس الذين ينظرون إليّ نظرات غير مريحة. المهم، خرجت وأخي باتجاه إدلب ومنها إلى "أنطاكيا" حيث فتح أخي مغسلة سيارات، وعشنا هناك مع أبي وأمي وأختي سنتين، حتى جاء الأمن التركي وطلب ترخيص المكان، ولأن الترخيص مكلف جداً أغلقنا المكان".

(جانب من قرية قسطل معاف في ريف اللاذقية/ تصوير حازم مصطفى بتاريخ 10 تموز2018/ خاص حكاية ما انحكت)

على أثر ذلك ساءت أمور العائلة الاقتصادية كثيراً، و"صرنا ننتظر المساعدات من هذه الجهة أو تلك". وتضيف رانيا قائلة "لم نعد نتحمل تكاليف الحياة هنا في تركيا، فالمال قليل والأسعار نار، وكل يوم هناك تغيرات في الأحوال الاقتصادية، ولذلك لما سمعنا بالدعوة الروسية للعودة للبلاد، قلنا لعل الفرج قد أتى، بالنسبة لنا كان قرار الهجرة قراراً مؤقتاً كما قلت لك، ولا أحد يهتم من المعارضة أو من غيرها بموضوع المهجرين إلا بما يخدم مصالحه، والروس كذلك، ولكن المهم لنا أن نعود".

حاولت رانيا الوصول إلى معبر كسب للدخول منه إلى اللاذقية، إلا أن حرس الحدود والموظفين في المركز التركي نصحوها بعدم الدخول عن طريق المعبر، معتبرين أنها تلقي بنفسها إلى أحضان الأمن السوري الذي يتواجد على عدة حواجز على طول الطريق من المعبر إلى المدينة (مخابرات جوية، وأمن عسكري، وأمن سياسي، والفرقة الرابعة)، ولدى اتصالها بقيادة الشرطة في اللاذقية لم تلق أذناً صاغية من أحد فالمشكلة مشكلتها ولا علاقة لهم بها.

حاولت الصبية الاتصال بقاعدة حميميم على الرقم المعلن على صفحتهم على الفيسبوك وعلى منصات أخرى للسؤال والاستفهام عن الإمكانية، ولم تلق أيضاً أي رد حتى الوقت الحاضر.

الخطة الروسية لا تتضمن الساحل!

بدأت الطروحات الروسية بشأن عودة المهجرين منتصف تموز الماضي عبر خطة أعلنتها وزارة الدفاع الروسية، وهي أول خطوة عملية تتعلق بمسألة عودة اللاجئين منذ انطلقت موجات اللجوء 2011، ولم تكن الخطة مجرد كلام فقد انتقلت روسيا فوراً إلى حشد تأييد دولي عبر التقدم بطلبات إلى 45 دولة للحصول على أرقام وبيانات تتعلق باللاجئين السوريين على أراضي تلك الدول، فيما استجابت 11 دولة وأرسلت بياناتها، موضحةً أنّ هناك تطابقاً بين هذه الأرقام وأرقام المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة. ووفقاً للأخيرة، فإنّ عدد اللاجئين هو 6 ملايين، ولكن المساعي الروسية، التي استغلت كل المناسبات الدولية لتسويق أثقل مشروع في ملف الأزمة السورية، تركت غموضاً لجهة ربط ملف اللاجئين بملفي إعادة الإعمار والعملية السياسية في المنطقة، وهو أمر جعل أوروبا تقف موقف الحذر من محاولات روسيا استخدام الملف لغاياتها.

وتتركز مهام مراكز الإيواء هذه على مراقبة عودة اللاجئين من الدول الأجنبية إلى سوريا، وتقديم المساعدات اللازمة لهم، ثم فرزهم على مناطق إقامتهم الدائمة، وإبقاء الأشخاص الذين لا مأوى لهم في مراكز الإيواء. وفي إطار تنسيق عمل تلك المراكز، أسست وزارة الدفاع الروسية مكتباً في موسكو بالاشتراك مع وزارة خارجيتها، بغاية تنسيق عمل مراكز الإيواء وتنفيذ الفعاليات المخطط لها. ولكن كل هذا لم يقلل مخاوف اللاجئين، خاصة الذكور من مغبات التفكير في العودة، ولأسباب باتت معروفة لدى كل السوريين وأولها احتمال الاعتقال بسبب وبدونه، خاصة مع وجود سوابق حيث دخل الأمن إلى هذه المراكز معتقلاً أشخاصاً، بعضهم لم يعرف مصيره حتى الآن.

ومن أصل 76 مركزاً تتسع لأكثر من 336 ألف لاجئ موزعة على محافظات ريف دمشق وحلب وحمص ودير الزور وحماة والقلمون، أعلنت الدفاع الروسية إنشاءها وحدها ثم بالتنسيق مع الجانب الحكومي السوري الذي أسس هو الآخر هيئة "التنسيق لعودة المهجرين السوريين في الخارج"، فإنه كان ملاحظاً وغريباً في هذه الخطة عدم لحظ وجود أو بناء أو افتتاح أي مركز روسي في الساحل السوري الذي يمتلك حدوداً مع تركيا تقدر بعشرات الكيلومترات، ولديه معابر رسمية موزعة على كسب ورأس البسيط، وغيابها كذلك عن محافظة طرطوس التي لديها هي الأخرى معبر دولي رسمي مع لبنان، مع أن المنطقة الساحلية تخضع للسيطرة الروسية، وسيكون من المناسب للروس الإعلان عن دورهم في هذه المنطقة أيضاً.

جولة على مناطق الريف الشمالي

غياب هذه المراكز عن الحدود السورية التركية يعزوه "خالد" أخ "رانيا" (خريج لغة إنكليزية جامعة تشرين) المقيم كذلك في أنطاكيا إلى أن لتركيا موقفاً مختلفاً بشأن عودة اللاجئين يختلف عن موقف روسيا، مضيفاً: "لتركيا مصالحها المرتبطة بالملف، خاصة في الشمال السوري، وهي إذ تحتضن قرابة ثلاثة ملايين لاجئ ونصف المليون، فإن جزءاً منهم من مناطق الساحل، وهؤلاء يخضعون للسياسة التركية بالضرورة، وعلى ما يبدو، فإن لعبة القط والفأر التي تتبادلها كلاً من موسكو وأنقرة بشأن هذا الملف تتضح في غياب هذه النقاط، مع ملاحظة أنه لم يتم القول بالتفكير بإنشاء نقاط مستقبلاً".

يتابع خالد حديثه فيقول: "بالنسبة للمنطقة التي أتينا منها، فإن الريف في الساحل، وبالتحديد في مناطق شمال اللاذقية وشرقها الشمالي، هو في الغالب من المناطق التي طالها التهجير نتيجة الأزمة، حيث كانت تقطنها أغلبية سنية يبلغ تعدادها أكثر من مئة ألف شخص، انضم جزء كبير منها إلى الحراك، فسكان ربيعة وقسطل معاف انضموا إلى المقاتلين في جبل الأكراد، وهؤلاء تعرّضوا للتهجير، وقسم منهم لجأ إلى تركيا وأخرين لجأوا إلى أقربائهم في اللاذقية، وبعض من اللاجئين في تركيا يرغبون بالعودة إلى مناطقهم التي تركوها نهباً للسرقة والتعفيش والنهب، ولكنهم ليسوا على ثقة أن عودتهم مضمونة ولن يتعرضوا للاعتقال أو التصفية حتى لمن لم يشارك بالعمليات العسكرية".

(جانب من قرية قسطل معاف في ريف اللاذقية/ تصوير حازم مصطفى بتاريخ 10تموز2018/ خاص حكاية ما انحكت)

في جولة قمنا بها على هذه القرى (قسطل معاف، وسلمى، وربيعة)، فإن الملاحظ أن قسماً من السكان ممن كانوا مهجرين داخل اللاذقية، ويقدر عددهم بقرابة خمسين ألفاً قد عادوا إلى ديارهم في سلمى المدمرة وبشكل أقل في ربيعة. أما في قسطل معاف فلا أحد عاد إلا الجهات الرسمية، وجميع من غادر إلى تركيا ما يزال هناك. وقد حاول البعض العودة عن طريق منافذ إدلب إلا أنّ محاولاتهم باءت بالفشل.

يتحدث "أحمد آغا" ( موظف حكومي مستأجر حالياً في حارة "علي جمال"، 45 عاماُ)  من بلدة "سلمى" فيقول: "بعد انتهاء الأعمال العسكرية في المنطقة لصالح الجيش، تبين لنا أن منزلنا ما زال صالحاً للحياة مع بعض الترميم، ولأننا ندفع حوالي 25 ألف ليرة سورية (50 دولار) أجار منزل في اللاذقية فقد حاولنا العودة إلى منزلنا، إلا أننا لم نتمكن، فعدا عن أن البيت تم تعفيشه من الأبواب إلى أسلاك الكهرباء في الحيطان، فإن الحاجز الأمني على مدخل بلدتنا (سلمى)، أخبرنا أنه لا يضمن سلامتنا من أي تفجير قد يحدث بسبب الألغام أو المتفجرات أو حتى القذائف التي من الممكن أن تنزل على المنطقة". منعت هذه الحجة أحمد وغيره من الدخول إلى البلدة حتى الوقت الحاضر.

من نفس المنطقة، فإن آخرين، مثل "آدم سيفو" ( 26عاماً) المقيم حالياً في تركيا، لا يستطيع العودة لأنه نشر صوراً له على صفحته الشخصية على الفيسبوك وهو يحمل السلاح، رغم أنه لم يكن مقاتلاً في أي فصيل معارض، ورغم وجود عفو مفترض فإن تجارب آخرين سقطوا ضحية هذا الفخ غير مشجعة، يقول آدم: "ليس هناك ثقة بأي جهاز من أجهزة النظام السوري، فعندما تعود إلى داخل الحدود سيكون هناك عشرات القصص التي تنتظرك، فأنت متهم بمجرد أنك خرجت من منطقتك أو من بيتك تحت تأثير القصف أو التهجير القسري لأجل التعفيش أو لأجل أي شيء آخر، أنا لن أعود حتى يكون هناك ضمان حقيقي لعودتي ولو مت هنا من الجوع".

اللاجئون في الساحل عودة إجبارية

قامت السلطات السورية بإجلاء إجباري وتفكيك لكل المخيمات الموجودة في مدينة اللاذقية باستثناء مخيم يقع في المنطقة الصناعية الجديدة، وكان أول هذه المخيمات مخيم المدينة الرياضية الذي تأسس شتاء 2013. كان يسع قرابة ستة آلاف شخص، ولم يبق فيه سوى عدد قليل من عائلات محافظة إدلب (بالعشرات ويعلمون في الزراعة في المدينة ورعاية الحدائق) بعد أن تم ترحيل العائلات الحلبية التي قطنت المكان منذ العام 2012 حتى العام 2017. وبالمثل، تم إخلاء جميع الوحدات العسكرية من المدينة الرياضية.

بعد مراجعة لإحدى الهيئات الأممية والحصول على بعض أسماء المغادرين إجبارياً، تمكنا من الحديث مع السيد أبو عدنان، "محمد البكلي" (56 عاماً، من مدينة حلب، الباب، ميكانيكي) عبر الهاتف فقال: "لا نعرف ماذا جرى بالضبط، فقط تلقينا إنذاراً بالإخلاء من موقع سكننا في المدينة الرياضية مطلع شتاء العام الماضي، وحين طلبنا تفسيراً من الشرطة، قالوا لنا أن إدارة المدينة الرياضية تريد استعادة نشاطاتها في صيف العام 2018، وهي تريد إجراء ترميم وعلينا أن نتدبر رؤوسنا، والأهم أنّ علينا مغادرة اللاذقية إلى حلب لأنه غير مسموح لنا البقاء فيها فحلب، "تحررت من الأرهاب" وصار ممكنا لنا العودة".

وفي الوقت الذي تقول فيه السلطات السورية، بأنها أقامت في اللاذقية عدداً من نقاط استقبال اللاجئين من خارج البلاد، فإنها تستمر في ترحيل المهجرين داخلاً والذين قدر عددهم الإجمالي بقرابة نصف مليون شخص باتجاه محافظاتهم، وتحتل حلب المرتبة الأولى في عدد المهجرين داخلاً إلى الساحل، وقبل أقل من شهر تم إخلاء موقع شاليهات العمال في منطقة البسيط من نازحيها الحلبيين المقدر عددهم بحوالي 2.5 ألف شخص، بعد صدور قرار من قبل نقابة العمال بضرورة إخلائها بشكل طوعي، وبعد معركة وإطلاق نار مع الشرطة وفقاً لإحدى الشبكات الموالية فقد تم الإخلاء دون وقوع ضحايا، وقد عاد بعض هذه العائلات إلى حلب فيما فضل آخرون الاستئجار في مناطق أخرى.

أبو عدنان لديه خمسة أولاد، أكبرهم أصبح الآن في ألمانيا بعد أن تمكن من الهرب من داعش قبل عامين، وهو الآن في ألمانيا يحاول العثور على عمل، ولكنه لن يعود لأنه مطلوب إلى الاحتياط. يعيش الرجل حالياً في مدينة حلب الشرقية، ويعمل في صنعته القديمة (تمديد الكهرباء)، يضيف: "قضينا خمس سنوات تقريباً هناك، ذقنا المرار، لست مزعوجاً لأنهم أرجعوني إلى حلب، لكن آخرين ممن كانوا معنا تم ترحيلهم، وهم من إدلب ولا يستطيعون العودة إليها لأن الأوضاع الأمنية هناك سيئة، إضافة إلى اتهامهم بأنهم عملاء للنظام وهم من أبسط الناس ولا علاقة لهم بالسياسة ولا بأي شيء".

لاجئو إدلب أجبروا مع الحلبيين على الذهاب إلى حلب، كانت تلك هجرتهم الرابعة كما يقول أبو عدنان: "أول مرة إلى حماة، ثم إلى حمص فاللاذقية ومن ثم إلى حلب، أجبروهم على أخذ كل شيء معهم ودفع أجور الانتقال التي تحكموا فيها، أجرة الشاحنة الصغيرة بلغت إلى حلب أكثر من 20 ألف ليرة (45 دولار) وهم من المعدمين الذين لا يملكون ما يأكلون حتى".

لم يكن مخيم المدينة الرياضية وحده الذي تم إخلاؤه، فهناك عدة مدارس كانت تستخدم كمراكز إيواء أُفرغت من سكانها منذ صيف العام 2016، واليوم لم تبق هناك أية مدرسة تستخدم كمركز للإيواء، والإخلاء الثاني الأكبر كان لكلية التربية القديمة على الكورنيش الجنوبي في اللاذقية التي كانت تضم أكثر من مئتي عائلة، أما مركز الجنديرية الذي كان يضم مهجري ريف اللاذقية ويقدر عددهم بحوالي مئة عائلة، فقد تم هو الآخر إخلاؤه وإعادته إلى وضعه الأصلي كتجمّع مدارس.

الترويج لعودة اللاجئين... تبيض الصورة

حتى الآن، فإن الجمعيات الأممية والدولية تنصح بعدم عودة اللاجئين، والتجارب السيئة التي تعرّض لها الذين غامروا بالعودة، تؤيد هذا الرأي. فالنظام السياسي السوري ما زال ينظر إلى كل من خرج من البلاد على أنه "متآمر عليه" ولديه التهم الجاهزة له. يقول الناشط "طلال حسن" ( اسم مستعار 46 عاماً، مدرس في جامعة تشرين): "إن نظرية المؤامرة تنطبق على كل من يخالف طروحات النظام في أي شيء".

قبل أيام اعتقلت المخابرات السورية مواطناً أردنيا أمام أعين والدته كما نقل الإعلام، وقبله اثني عشر شخصاً سورياً، يضيف الرجل قائلاً: "هناك العديد من القصص المتداولة عن هذه العمليات، من الواضح أن العقلية التي تعاملت مع ما جرى في سوريا من منطق الإقصاء والمؤامرة الكونية لن تنتج سوى ما يحصل في ظل دعم دولي واضح للممارسات التي يقوم بها النظام السوري، دعك من قصة حقوق الإنسان والعلاك الذي تقدمه وسائل الإعلام. الحقيقة أن النظام يتعامل منذ الآن بمنطق المنتصر على الكل، في ظل رعاية روسية شديدة الوطأة، وفي ظل شبه اتفاق دولي على تبييض صورة النظام، تمت دعوة اللاجئين للعودة".

غير أن الأمر في الساحل، كما يقول الرجل، ربما يتحمل مواقفاً مختلفة قليلاً، "الحصيلة في مناطق سيطرة النظام واحدة، هي أنه لا بد من تصفية الحسابات مع كل من شارك أو حتى خرج خارج البلاد لأن منزله تدمر أو لأن أحداً من أقرباءه شارك في مظاهرة أو حمل سلاحاً، الكل مدان ومطلوب رأسه إلا مارحم ربي".

العدد الباقي من هؤلاء المهجرين غير معروف، والذين بقوا في الساحل (وأمكنة أخرى) محكومون بالترحيل في أوقات قادمة، خاصة الموظفين في القطاع العام (مدرّسين وعمال وموظفيين إداريين) والذين لم يتكمنوا من شراء سكن لهم أو إيجاد عمل، وهؤلاء يشكلون نسبة جيدة من إجمالي المهجرين، أما إلى أين سيعودون، وهم الذين تدمرت منازلهم ومناطقهم، فهذا ليس من شأن من يدفعهم لتهجير جديد، ولو داخل الوطن.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد