من "الشعب يريد" إلى "الطوائف والأديان والإثنيات تريد"... السياسة بين النسب والانتساب


نظمت منظمة مدى للتنمية الثقافية والفكرية في برلين، بالتعاون مع اتحاد المنظمات الألمانية السورية، سلسلة منتديات أو ندوات تحت عنوان "الصندوق الأسود السوري- التركيز على التنوع السوري". الأكاديمي والباحث، حسام الدين درويش، ينتقد في نصه هذا "الأساس النظري الذي تقوم عليه هذه الندوات، كما يظهر في نصوص الإعلان عنها".

23 تشرين الأول 2018

( خريطة لسورية تم نشرها مع الإعلان عن ندوات "الصندوق الأسود السوري" التي نظمتها منظمة مدى للتنمية الثقافية والفكرية في برلين، والصورة مأخوذة من صفحة المنظمة على الفيسبوك وهي تنشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظة لأصحابها)
د: حسام الدين درويش

أكاديمي وباحث في الفلسفة الغربية والفكر العربي والإسلامي

نظمت منظمة مدى للتنمية الثقافية والفكرية في برلين، بالتعاون مع اتحاد المنظمات الألمانية السورية، سلسلة منتديات أو ندوات تحت عنوان "الصندوق الأسود السوري- التركيز على التنوع السوري". وكان البرنامج الزمني للندوات يمتد من 1 أيلول حتى 6 تشرين الأول، لكن أُضيفت لاحقًا ندوة جديدةً بعد الندوة التي كان معلنًا أنها الأخيرة في سلسلة تلك الندوات، وعقدت في 20 تشرين الأول. أود فيما يلي أن أقدّم عرضًا نقديًّا للفكرة التي تقوم عليها هذه الندوات، وفقًا لنص الإعلان عنها. وأشدّد هنا على أنني لا أسعى إلى مناقشة ما دار في هذه الندوات أو تقييمه، فأنا لم أكن حاضرًا في هذه الندوات، وإنما أسعى إلى نقد الأساس النظري الذي تقوم عليه هذه الندوات، كما يظهر في نصوص الإعلان عنها.

تنطلق فكرة الندوات من فكرة أنّ "سوريا، كغيرها من دول العالم، دولة متعددة الإثنيات والعقائد الدينية وأنماط الحياة"، وأنّ "هذا التنوع السوري لم يحظَ بالبحث العلمي الرصين والتغطية الإعلامية الكافية خلال الحرب"، وأنّ "الاعتراف بهذا التنوع في سوريا قد يكون مفتاحاً لتحقيق القيم والمبادئ الديمقراطية". ولذلك، "يجب البدء بحوار خلاق ونقاشات عامة بين مختلف الجماعات، لكي تتفهم كلّ جماعة مواقف الجماعات الأخرى واحتياجاتها وتوقعاتها". وهذه الندوات هي إحدى تجسدات هذا الحوار المنشود من وجهة نظر منظمة مدى. و"الأسئلة التالية التي يتمحور حولها المخطط العام لفكرة الندوات هي: "ماذا يعني لك شخصيًّا أنك نشأت في سوريا "ككردي، أو كأرمني أو كشركسي .... إلخ" ؟ بماذا كنت تأمل في بداية المظاهرات عام 2011؟ هل بوسعك تقدير موقف الجماعة التي تنتمي إليها بالولادة من الحرب الحالية، وما هي نظرتها العامة إلى لما آلت إليه سوريا اليوم؟ برأيك، ما هي المطالب السياسية الأساسية للبيئة الاجتماعية والثقافية، التي تنتمي إليها، من أجل بناء الدولة السورية؟"

يبدو واضحًا سعي المنظمين إلى تقديم أشخاص من كل المكونات الدينية والعرقية والطائفية... إلخ المختلفة في سورية، فهناك مسيحيون وأكراد ويزيديون وأرمن وشركس وعلويون واسماعيليون وتركمان... إلخ. لكن المثير للانتباه، هو أنّ برنامج سلسلة الندوات، اقتصر في البداية، على تناول الأقليات فقط، مع غياب أو تغييب كامل للحديث عن "العرب" وهم المكوّن الإثني الأكبر، وعن "السنة" وهم المكون الطائفي الأكبر. وقد أثار هذا الغياب أو التغييب دهشة الكثيرين. فكيف يتم تنظيم ندوات تتناول التنوع السكاني في سورية، ويتم تغييب الحديث عن العرب الذين يشكلون أكثر من 85% من السوريين؟!

وفي تفسير عدم وجود من "يمثِّل" السنة والعرب ويتحدث عنهم، قيل لي "إنّ المنظمين لم يجدوا بالسرعة المنشودة من لديه الرغبة أو الجرأة في أن يتحدث باسم هذا المكون ويتحمّل مسؤولية طرحه". وقد أعربت عن سعادتي بعدم القدرة على العثور بسهولة على من يقبل بالتحدث عن "العرب السنة" بوصفهم جماعة سياسية، لكن المنظمين قد وجدوا، بعد عناءِ، من يمثِّل "المكون العربي السني" ويتحدث عنه، ولهذا أضافوا ندوة هي عمليًّا "الندوة بعد الأخيرة" في سلسلة هذه الندوات.

العروبة بين السنة والأقليات

يبدو أنّ الارتباط بين العروبة والسنية قويًّا في أذهان القائمين على هذه الندوات؛ ففي كلّ سلسلة الندوات لم يتم الربط بين أيّ إثنية ودين أو طائفة. فعلى سبيل المثال، لم يتم الإشارة إلى عروبة العلويين والإسماعيليين والمسيحيين؛ كما لم يتم ربط إثنية الأكراد والتركمان بأيّ دين أو طائفة، بل تمّ التركيز حصريًّا على ما يميّز الأقليات الدينية والطائفية والإثنية عن الأغلبية "العربية السنية"، وتجاهل الروابط الإثنية و/أو الدينية و/أو الطائفية التي تجمع بين هذه المجموعات المختلفة. فعلى سبيل المثال عند الحديث عن العرب، كان من الممكن ومن الضروري الحديث عن كون معظم أفراد الأقليات الدينية (الإسماعيلية والدروز والعلوية ... إلخ) هم عرب أيضًا. وعند الحديث عن السنة كان من الممكن والضروري الإشارة إلى أنّ ثمة الكثير من أفراد إثنيات عديدة من غير العرب، الأكراد والتركمان مثلًا، هم من "السنة" أيضًا.

خطأ صادم

قد يُظن أنّ هذا الأمر ناتج عن سهوٍ أو عدم انتباه أو ما شابه، لكن الاطلاع على ما تضمنته الخريطة التي وُضِعت دائمًا برفقة الإعلان عن الندوات، يبيِّن إلى أي حدٍّ كان ذلك الخطأ مقصودًا وصادمًا في الوقت نفسه.

هذه النقلة من الثقافي/الاجتماعي/الديني إلى السياسي هي إحدى أخطر و/أو أسوأ السمات التي يتسم بها الخطاب النظري المؤسس لسلسلة ندوات منظمة مدى.

تسعى الخريطة المذكورة إلى توضيح خريطة التركيب الإثني والديني والطائفي للسكان في سورية. ووفقًا لهذه الخريطة، فإن العرب (المسلمين السنة) يشكلون 59.1 من السكان في سورية، ماذا عن عرب الأديان والطوائف الأخرى؟ هنا تأتي المفاجأة المذهلة: وفقًا لهذه الخريطة المعتمدة من منظمة مدى ومن منظمي هذه الندوات، فإنّ العلويين والمسيحيين والإسماعيليين والدروز وغيرهم من الأقليات الطائفية والدينية ليسوا عربًا، وإنّما مجرد ناطقين باللغة العربية (Arabic speaking). لا أعرف الأساس العلمي أو حتى الأيديولوجي الذي استند إليه واضعو هذه الخريطة والتصنيفات لنفي عروبة الأقليات الدينية والطائفية في سورية وجعلها مجرد جماعات ناطقة باللغة العربية. ما أعرفه هو أنّ هذا الهوس بالاختلافات الدينية والطائفية والإثنية بين السوريين، وإقصاء أو إهمال أو تجاهل ما هو أساسي ومشترك فيما بينهم، لا يتصف لا بالموضوعية المعرفية ولا بالإيجابية الأخلاقية أو السياسية؛ لكونه يتناقض مع أي توّجه سياسي وأخلاقي نحو الديمقراطية ودولة المواطنة، وهو التوّجه الذي تقول منظمة مدى إنها تتبناه وتتطلع إلى الإسهام في تحقيقه أو تحققه.

المسألة ليست الحديث عن الطائفية بل كيفية الحديث عنها

الحديث عن الجماعات و/أو الانتماءات الدينية والإثنية والطائفية أمر مهم وضروري بلا شك، من حيث المبدأ، وفيه كسر لتابو سوري مهم ويستحق الكسر بالتاكيد. لكن ما سبق لا يعني أنّ كل تناولٍ لهذا التابو أو خوضٍ في هذا الموضوع هو أمرٌ إيجابيٌّ بالضرورة. فتسليط الضوء على هذه التصنيفات والانتماءات "الضيقة" وإعطاؤها الأولوية أو الصدارة على حساب الانتماءات أو التصنيفات الاخرى (كالتوجه السياسي والموقف من الديمقراطية مثلًا) ما هو إلا اختزالٌ للسوريين إلى نسبهم اللاإرادي الإثني أو الديني أو الطائفي، وغضٌّ للنظر عن انتسابهم إلى أفكار وقيم واتجاهات سياسية وفكرية وأخلاقية مختلفة عن تلك الانتماءات الأولية الضيقة. فلماذا هذا التركيز على النسب، أي على الانتماء اللا إرادي أو بالولادة لجماعة ما، وليس على الانتساب، أي على الانتماء الإرادي والاختياري والواعي؟ وهل يمكن أو ينبغي فهم السياسة أو تأسيسها على أساس نسبنا أو انتمائنا اللا-إرادي إلى هذه الجماعة الدينية أو الطائفية أو الإثنية أو تلك؟

كان يمكن للحديث عن هذه الأمور أن يكون مفيدًا فكريًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا لو أنه لم يتضمن تحويل الجماعات الدينية والطائفية والإثنية إلى جماعات سياسية لها رؤية خاصة ومتمايزة في خصوص مسائل سياسية كالدستور والمبادئ الديمقراطية وما شابه.

هذه النقلة من الثقافي/الاجتماعي/الديني إلى السياسي هي إحدى أخطر و/أو أسوأ السمات التي يتسم بها الخطاب النظري المؤسس لسلسلة ندوات منظمة مدى.

أحد الأصدقاء قال لي: "قسم كبير من الجماعات العرقية والدينية في سورية ينطلق مشروعه السياسي من منظور الإثنية أو الطائفية. وبغض النظر عن كون ذلك الأمر قديمًا أو جديدًا، لا أعتقد أن الحديث الصريح عن هذه التوجهات، ووضعها على طاولة الحوار سيزيد الأمر سوءًا. على العكس من ذلك تمامًا. نحن بحاجة إلى الكف عن "الضحك على بعضنا" والادّعاء بأن سورية هي أولويتنا. في ناس بسوريا أولويتها الطائفة أو الإثنية. خلينا نحكي مع الكل بصراحة ونشوف إذا فينا نتفق أو لأ، وإذا فينا نراضي كل الأطراف أو لأ، وإذا فينا نلاقي حلول وسط أو لأ".

لن أناقش مدى واقعية هذا الطرح، في السياق الحالي، لأن منظمي هذه الندوات لا يقولون بأنّ أولوياتهم  أو أولويات المشاركين فيها هي الطائفة أو الدين أو الإثنية، بل يتحدثون عن المبادئ الديمقراطية لسورية المنشودة مستقبلًا. وهنا يبرز ما يبدو لي أنه التناقض الرئيس في خطاب منظمي هذه الندوات. فمن جهةٍ أولى، هناك تشديد على المبادئ الديمقراطية القائمة على المساواة والمواطنة؛ ومن جهةٍ ثانيةٍ، هناك تحويل للجماعات الطائفية والدينية والإثنية إلى جماعات سياسية يمكن و/ أو ينبغي أن يكون لها مطالب محددة ومتميزة في خصوص الدستور والمبادئ الديمقراطية لسورية المستقبل؟ فهل ثمة فعلًا مواقف أو احتياجات أو توقعات واضحة ومحدّدة للجماعات الدينية والطائفية والإثنية المختلفة؟ وهل هناك فعلًا، ومسبقًا، مشروع سياسي لتلك الجماعات في سورية، أم أنّ هذه الندوات تسعى إلى الإسهام  في وضع هذه المشاريع وبلورتها في إطار محاولتها وضع "حجر الزاوية في بناء سوريا المستقبل"؟ وهل سورية الديمقرطية المنشودة بحاجة حقًّا إلى أن تصبح الكيانات الدينية والطائفية والإثنية الموجودة فيها كيانات سياسيةً، لها مشاريعها السياسية المختلفة والمتمايزة؟

دولة ديمقراطية أم محاصصات طائفية؟

ينبغي لنا، نحن السوريين، أن نحسم أمرنا، نظريًّا ومن حيث المبدأ على الأقل: هل نريد ديمقراطية دولة المواطنة، أم نريد محاصصات طائفية ودينية وإثنية بين الجماعات العضوية المختلفة؟

يتأرجح منظمو هذه الندوات بين هذين القطبين المتناقضين اللذين لا يمكن التوفيق بينهما: من جهةٍ أولى، يتحدثون عن تطلعهم إلى قيام دولة المبادئ الديمقراطية، ومن ناحية أخرى يودون تحويل الانتماء الثقافي إلى الانتماء الديني أو الطائفي إلى انتماء سياسي.

قد لا يكون السوريون شعبًا بالمعنى الدقيق والصارم للكلمة، لكنهم بالتأكيد ليسوا، لا أساسًا ولا بالدرجة الأولى، مجموعة طوائف وإثنيات متمايزة

يتضمن السؤال الثالث، من الأسئلة الأساسية التي تتناولها الندوات، تحولًا جذريًّا في الخطاب السياسي المرافق لمرحلة ما بعد الربيع الربيع. وفي كل ندوة، يتعلّق السؤال تحديدًا بما الذي تريده جماعة دينية (المسيحيون مثلًا) أو طائفية (الدروز مثلًا) أو إثنية (الأكراد مثلًا) في خصوص الدستور السوري وبناء الدولة السورية. ويتمثل هذا التحول الجذري في الانتقال من مبدأ "الشعب يريد ..." وهو الشعار الأكثر تعبيرًا عن فكرة الربيع العربي، إلى مبدأ "الأرمن يريدون ..."، "العلوية يريدون ..."، "التركمان يريدون ..." إلخ. وقد يتصف هذا الخطاب النكوصي بالطائفية و/أو العنصرية، بقدر ما يعطي الأولوية للنسب على الانتساب، أو للانتماءات الدينية/ الطائفية أو الإثنية على حساب الانتماءات الأعلى أو الأوسع.

قد لا يكون السوريون شعبًا بالمعنى الدقيق والصارم للكلمة، لكنهم بالتأكيد ليسوا، لا أساسًا ولا بالدرجة الأولى، مجموعة طوائف وإثنيات متمايزة. وحتى في حال كانوا كذلك لا ينبغي تحويل هذه الطوائف والإثنيات إلى جماعات سياسية تحدّد كيفية بناء سوريا المستقبل والمبادئ الديمقراطية لهذه الدولة ولدستورها. فما هكذا يتم البحث عن "مفتاح تحقيق القيم والمبادئ الديمقراطية" بوصفها "حجر الزاوية في بناء سوريا المستقبل".

(رسم يوضح نظرة الطوائف والأقوام لبعضها البعض/ خاص حكاية ما انحكت)

ما يغيب عن ذهن الكثيرين أنّ العمل السياسي الديمقراطي يرتبط، أو ينبغي أن يرتبط، بانتساب المرء لا بنسبه، وبالمستقبل الذي يتوجه أو يتطلع إليه، وليس بالبيئة الثقافية والاجتماعية والدينية التي وُلد و/أو نشأ فيها.

لا تتضمن الانتقادات السابقة لخطاب منظمي هذه الندوات أي حكم على نيّات الأشخاص المتبنين لهذا الخطاب و/أو المشاركين في تنظيم هذه الندوات و/أو المشاركين فيها.

وبعيدًا عن محاكمة النوايا، استغرب بل واستهجن الكثيرون، وأنا منهم، قبول بعض الأشخاص أو الشخصيات المعروفة بعدم انسجامها مع الأفكار المؤسسة لهذه الندوات المشاركة في هذه الندوات. ومن الصعب العثور على تفسير كامل لهذه المفارقة، لكن حديثي مع بعض الأشخاص المذكورين، بيّن لي أنّ أحد أسباب مشاركتهم يكمن، إما في عدم قراءتهم لنص الإعلان عن الندوات، وبالتالي جهلهم للأفكار الأساسية المؤسسة لهذه الندوات، أو لأنّ من وجّه الدعوة لهم هو شخص "موضع ثقة" ولم يكن متوقعًا أن يكون له يد في مثل هذا النوع من الندوات، السيئة المضمون، للأسباب المذكورة آنفًا.

كل ذلك وما يماثله يمكن أن يسهم في "صناعة الطائفية"، على الرغم من الاعتقاد بأنّ دوره يقتصر على التعبير عما هو موجود مسبقًا.

من الواضح أنّ التفسيرات السابقة لا تبرّر قبول المشاركة في مثل هذه الندوات التي تتقاطع رؤيتها النظرية مع بعض أسوأ الأفكار التي تمثِّل الرؤية الشائعة المنسوبة، جزئيًّا ونسبيًّا، إلى الاستشراق، بالمعنى السلبي للكلمة. ولا ينبغي لنا أن نستبطن هذه النظرة الاستشراقية السلبية، كما ينبغي لنا الحذر من الخضوع لرغبة الجهات الأجنبية في هذا الخصوص. فإحدى القائمات على منظمة مدى، أشارت إلى أنّ سلسلة ندوات الصندوق الأسود السوري جاءت "بناءً على رغبة البلد المستضيف (ألمانيا)". وليس واضحًا مدى تأثير البلد المضيف في صياغة فكرة هذه الندوات المتلاحقة. وفي كل الأحوال، إن ضرورة كسر التابوهات، لا يعني استسهال عملية الكسر؛ فكسر التابو على طريقة ندوات الصندوق الأسود قد يفضي، نظريًّا على الأقل، إلى ما هو أسوأ من التابو ذاته.

الإسهام في صناعة الطائفية

أصبح شائعًا الحديث عن الطائفية ونقدها أو انتقادها، لكن ما هو شائعٌ بدرجةٍ أقل التأكيد، أنّ الطائفية ليست ماهيةً ثابتةً أو جوهرًا لا تاريخيًّا، وإنما هي ظاهرة تاريخيةٌ. ويمكن لمثل هذه الندوات أن تفضي إلى تكريس الطائفية وتعزيزها، أكثر من كونها تعبِّر عن طائفية موجودة مسبقًا في الواقع.

إن مخاطبة السوريين على أنهم ينتمون إلى هذه الطائفة أو تلك، ومحاولة تسييس هذا الانتماء أو شرعنة تسييسه المسبق وتسويغه ودعمه... كل ذلك وما يماثله يمكن أن يسهم في "صناعة الطائفية"، على الرغم من الاعتقاد بأنّ دوره يقتصر على التعبير عما هو موجود مسبقًا. إنّ ماهية الشخص لا تتحدد بما يريده هو فقط، فنظرة الآخرين إليه وطريقة تعاملهم معه أو معاملتهم له تؤثر في تحديد ماهيته وهويته وسمات شخصيته. وأخشى أنّ مثل هذه الندوات تصيِّر السوريين طائفيين، دينيًّا وسياسيًّا، أكثر من كونها تكسر التابوات المتصلة بهذا الموضوع.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد