تحية للمرأة السورية في عيدها: مريم حايد تعترف بإنسانيتها!


08 آذار 2014

 

الاعتراف الإعلامي على الشاشات بما لم يرتكبه المرء أو بما ارتكبه من إيمان بالحرية، هو براءة اختراع تسجّل للنظام السوري بحق، إذ دأب النظام منذ بداية الانتفاضة على إجبار المعتقلين على الاعتراف على الملأ بارتكاب الجرائم ودعم الإرهاب وتلقي الأموال الخارجية وغيرها من التهم الذي يعمل جاهدا لوسم الانتفاضة بها، كي يقنع جمهوره ومؤيدوه أنهم أمام موجة إرهاب ومؤامرة تستهدف وجودهم كي يلغوا التفكير بالحرية، لنكون أمام أبشع أنواع التعذيب والإذلال التي تهدف لإظهار المعارضين: أذلاء، معترفين بجرمهم/ حريتهم، وكأن لسان حاله يقول: هذه نهاية كل معارض ومطالب بالحرية!

وتزامنا مع اقتراب عيد المرأة العالمي التي يصادف اليوم، أقدم النظام السوري قبل أيام على بث "اعترافات" مجموعة من المواطنين السوريين على أنهم "مضللين إعلاميين" كانوا يتلقون الأموال والتعليمات من الخارج بغية نشر أخبار كاذبة لتضليل الرأي العام السوري، لنكون أمام خطوة متقدمة لم تعد تكتفي بشيطنة الانتفاضة والتركيز على موضوع الإرهاب، بل شيطنة الحراك السلمي نفسه وإظهار المعارضين على أنهم "يشربون الحشيش" ويعيشون حياة منحلة، بغية نزع الرابط الإنساني عنهم، تمهيدا لفعل أي شيء تجاههم. وفي هذا المجال تكون المرأة السورية أكثر من يدفع الثمن، حين يسعى النظام لإظهارها "محششة" و"عاهرة" و"وسيلة متعة" ليغدو عذابها مضاعفا أمام أهلها الذين يشاهدونها على شاشة التلفاز، وتجاه المجتمع الذي لا يرحم.

"مريم حايد" المتطوّعة في الهلال الأحمر السوري كانت آخر مواطنة سورية ظهرت على شاشة التلفاز وهي تعترف تحت الضغط الأمني بما لم تقم به إلى جانب كل من الصحفي "شيار خليل" و الفنان "حازم واكد".

https://www.youtube.com/watch?v=Cena70AWrOs

وسعيا من "سيريا أنتولد syria untold" لتوجيه تحية للمرأة السورية المناضلة في عيدها اليوم، أردنا تسليط الضوء على قضية "مريم حايد" التي أجبرها النظام على الاعتراف بما لم تقم به.

مريم هي متطوعة في الهلال الأحمر السوري، وطالبة علم نفس سنة  خامسة، لم " يكن لها أي علاقة بالحراك بالمعنى المباشر للكلمة، ولم تنخرط بأي نشاط، إذ أرادت أن يكون عملها إنسانيا بحتا، لذا اكتفت بالتطوّع بالهلال الأحمر السوري ومساعدة النازحين من موقع إنساني عام، بعيدا عن الاصطفاف السياسي، إلا أن هذا لم يشفع لها"، كما يقول أحد المقربين من مريم لموقعنا سيريا أنتولد syria untold".

أقدمت دورية تابعة للأمن السوري على اقتحام منزل مريم في مشروع دمر بتاريخ 13/1/2014 لتعتقلها هي والفنان حازم واكد، على خلفية هروب الإعلامية "ميسا صالح"، إلى خارج البلد بشكل غير شرعي، إذ كان الأمن منعها من المغادرة لخضوعها لمحاكمة بتهمة الإرهاب بعد أن خرجت في إحدى صفقات التبادل، لذا ثأر النظام من "ميسا" باعتقال أصدقائها، دون أن يكون لهم أيّ علاقة بكل ما يجري، إذ جاء في البيان الذي نشره الناشطون "إن الآنسة مريم حايد .. لا علاقة لها بالحراك الثوري لا من قريب ولا من بعيد. اعتقلت فقط لأنها ابنة عمة الناشطة السلمية ميسا صالح، وقد اعتقلت فقط لتواجدها بالصدفة في منزل ميسا عند مداهمته من قبل أجهزة الأمن"، وقد أكد لموقعنا أحد الناشطين المطلعين على تفاصيل الحكاية أن مريم لم تقم "بأي عمل سياسي أو مدني حتى، إلا زيترة ميسا وشيار حين كانا في سجن عدرا لتأمين حاجياتهم ومتطلباتهم، والتواصل مع المحامين وفق ما يسمح به القانون السوري"، إذ كانت مريم تلّقت اتصالات تهديد على خلفية هذا الأمر، كما أبلغنا الناشط.

ما يلفت النظر في الفيديو الأخير أن النظام أقدم على تسريب مقاطع تجمع "شيار وميسا" في رسالة واضحة لجميع الناشطين، أنه مستعد لفعل أي شيء لتشويه سمعة الجميع دون أي وازع أخلاقي أو إنساني. وقد فعل ذلك حين أظهر المواطنة "روان قداح" وهي تعترف على شاشة التلفاز رغم أنها تحت السن القانوني!

بروشور تضامني مع المعتقلة مريم حايد. المصدر: حملة التضامن مع معتلقي الهلال الأحمر السوري
بروشور تضامني مع المعتقلة مريم حايد. المصدر: حملة التضامن مع معتلقي الهلال الأحمر السوري

يستغرب أحد أصدقاء "مريم" الذي كان مقرّبا منها قبل اعتقالها، من إقدام النظام على اعتقالها وإجبارها على الاعتراف بهذه الطريقة المذلة، إذ يقول: "أتفهم أن يقوم النظام بإجبار ناشط على الاعتراف، أما أن يجبر أحد ليس له علاقة بالأمر أو لأنه صديق فلان فقط، فهذا أمر مجنون"، متسائلا: " كيف يمكن لهم أن يعتقلوا إنسانة لا تفكر إلا بالآخرين ومن مبدأ إنساني عام. أتذكر مرة أن الهلال الأحمر لم يصرف تعويضات للمتطوعين، فاتصلت بصديق لي لكي تستدين مالا ولكن ليس لها بل لأصدقائها الذين لا يملكون دفع ثمن آجار المنزل. تخيّل إنسانة تستدين للآخرين وليس لها رغم كل صعوبة الأوضاع التي يعيشها السوريون!".

لافتة مرفوعة في الجولان السوري تحية للمعتقلين الذين أظهرهم التلفزيون السوري. المصدر: Ole Mehmod Facebook account
لافتة مرفوعة في الجولان السوري تحية للمعتقلين الذين أظهرهم التلفزيون السوري. المصدر: Ole Mehmod Facebook account

الناشطون بدورهم باتوا يعرفون أساليب النظام وأدواته في سعيه لكسر الناشطين وإذلالهم، فهم يدركون أن الاعترافات تسعى لسحق بيئة الناشط وكسر حاضنته الاجتماعية، و ما هي إلا رسائل موّجهة لهم في نهاية المطاف، لذا يسعون بعد كل "حفلة اعتراف" يبثها التلفزيون السوري، إلى بدء حملة معنوية على صفحات التواصل الاجتماعي تستهدف إعادة الاعتبار لهؤلاء الناشطين/ المواطنين الذين أجبرهم النظام على الاعتراف، عبر كتابة بوستات التضامن معهم على الفيسبوك ورفع لافتات تحييهم، إذ رفع في الجولان السوري المحتل لافتة كتب عليها: " نصدق قلوبكم وعيونكم- نصدق أرواحكم الحرة ونعرف" وإبداع صور  وغرافيتي ولوحات تدعمهم وتتبنى قضيتهم، لتحويلها إلى قضية رأي عام، ساخرة من رواية السلطة ومكذّبة إياها عبر سرد الوقائع والحقائق، فالمعركة في نهاية المطاف هي معركة الحقيقة التي يسعى النظام لطمسها وتضييعها في التفاصيل، حيث أصدر كل من الناشطين الذين وردت أسماؤهم في الاعترافات (ميسا صالح, أحمد زغلول, بشار فرحات, زيدون الزعبي) بيانا جاء فيه: "ظهر على إعلام النظام فيديو قدمه على أنه "اعترافات خلية إرهابية" بدا فيه كل من مريم حايد، وشيار خليل ، وحازم واكد، يدلون بإفادات غير صحيحة بالمطلق, من الواضح أنهم أجبروا عليها تحت التعذيب الذي عرف به النظام السوري"، مناشدين " الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ووكالات الإعلام التدخل فوراً للإفراج عنهم محملين السلطات السورية كامل المسؤولية عن أي أذى لحق أو قد يلحق بهم. إننا نعبر عن بالغ قلقنا حول مصير الصديق مهران عيون، ونؤكد أنه إذا لم تسع جميع المنظمات الأممية والحقوقية للإفراج عنه فإن مصيره بيد النظام سيكون في خطر فعلي".

"مريم حايد" و "شيار خليل" و"حازم واكد" عينة صغرى من بين آلاف النساء والشباب السوريين الذين يسعى النظام لطمس إنسانيتهم ودفن أصواتهم وتغييبهم في عتمة الزنازين.

 "مريم حايد" و"روان قداح" و"أمل نصر" عينة من نساء سوريات لم يرضخن للظلم، ولهذا لازلن في سجن الطغاة.

 

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد