"حملة عيش": وجه آخر لكفرنبل


21 آذار 2014

من الإجحاف اختصار مدينة ما بصفة ما أو لقب ما، لأن "الصفة" على ما فيها من مديح أو ذم، تحجب الكثير من التفاصيل، جاعلة من "وصفها " هذا متنا يرمي للهامش كل ما يقع خارجه.

هذا ما يحصل مع مدينة "كفرنبل" التي أسبغ عليها السوريون لقب "ضمير الثورة السورية" بكل حب وامتنان لما قدمته لافتات هذه المدينة من وجه مدني وحضاري للثورة/ الانتفاضة طيلة مسارها لا تزال. إلا أن هذا الحب بدوره أخفى الكثير من هوامش المدينة وتفاصيلها عن الضوء، مبرزا "اللافتة" المكتوبة بسخرية الموت والحياة في آن، وحاجبا نشاطات وفعاليات ومجموعات عمل أخرى لا تقل جمالية وإبداعا ومقاومة وفنا وثورية، وإلى هذا المحجوب تنتمي "حملة عيش" المتخصصة بـ " الاهتمام بجمالية المدينة وبث الفكر الثوري والمدني عن طريق الرسم على الجدران" كما يقول أحد ناشطيها لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

الفريق المكوّن من سبعة متطوعين من " كفرنبل" يقومون بنشاطاتهم في مدينة كفرنبل وريف إدلب حيث تمكنوا حتى اليوم من تغطية خمسين بالمئة من جدران مدينتهم بالرسوم، ولا زالوا يعملون بصمت لإنجاز الباقي، سعيا منهم لمحاربة الطائرة التي تهدم المدينة وتلوّث جدرانها بلون القذائف/ الموت عبر لون ولوحة تعبر بهم إلى الحياة سعيا لطرد الموت من براثن مدينتهم، لتبقى مدينة للحياة والرسم، كما تشهد جدرانها التي حوّلها هؤلاء الناشطون إلى عرس فرح نرى فيه لوحات ساخرة من الدكتاتور وحالش و ألوان تضج بكل ما ينفي الموت عن مدينة يصر النظام على قصفها ليل نهار لتواجهه ببسمة الطفل الساخر وهو يعد أصابع يديه ورجليه معا ليشتم الدكتاتور، في سخرية ترسم الضحكة على الفم رغم كل الآلام. أليس هذا أحد مهمات الفن: أن يخترع أملا ليعيننا على الحياة.

لوحة ساخرة من الدكتاتور ويظهر أمامها بعض من فريق حملة عيش. المصدر: الصفحة الرسمية لحملة عيش على الفيسبوك
لوحة ساخرة من الدكتاتور ويظهر أمامها بعض من فريق حملة عيش. المصدر: الصفحة الرسمية لحملة عيش على الفيسبوك

أغلب الأحيان يقوم فريق العمل لوحده بإنجاز المطلوب منه، و أحيانا يتم التنسيق مع بعض مجموعات العمل الأخرى مثل "حيطان سراقب" المتخصصة برسم لوحات وجداريات كبرى في سراقب.

في الذكرى السنوية الثالثة للثورة كان لفريق "حملة عيش" حضوره الواضح في أغلب الفعاليات، حيث شارك بالتعاون مع الناشطة "زينة ارحيم" ( سلطنا الضوء عليها في حكاية خاصة) في حملة البخ التي شملت كتابة شعارات متفق عليها، وهي:  "لا إكراه بالدين"، و "حرية وبس"، و" خاين ياللي بيخطف ثائر"، و " حرية للأبد لكل ولاد البلد"، و"أهداف ثورتنا الأولى، خطوطنا الحمر"، في محاولة للتذكير بمبادئ الثورة وشعاراتها الأولى، ولتسليط الضوء على الظواهر السلبية التي نبتت في الظل، وهو ما تشير إليه شعارات " لا إكراه في الدين" و " خاين يلي بيخطف ثائر" في تحوير ذكي ومقصود من قبلهم لأول شعارات الثورة بوجه النظام "خاين يلي بيقتل شعبو"، للدلالة على أن المستبد والأصولي هما وجهان لعملة واحدة.

شعارات على جدار أحد بيوت كفر نبل ضمن احتفالية الذكرى الثالثة للثورة السورية. المصدر: الصفحة الرسمية لحملة عيش على الفيسبوك
شعارات على جدار أحد بيوت كفر نبل ضمن احتفالية الذكرى الثالثة للثورة السورية. المصدر: الصفحة الرسمية لحملة عيش على الفيسبوك

وشارك الفريق في حملة " الشارع للإعلام والتنيمة" التي ركزت في الذكرى السنوية الثالثة للثورة على مواجهة "داعش والنظام معا، عبر رفع شعارات: " لا إكراه في الدين" و" الحرية لا بد منها" مرفقة مع رسم الذبابة التي تعبر عن  الإعلاميين، لأن "الذبابة دائما تقف على الحائط وهي تراقب ودائما بتدايق وبتوز"، وذلك بهدف "توعية من شذ عن أهداف الثورة الأولى ومحاربة المتشددين بالفكر وإعادة المسار للثورة" محددا المستهدفين بهذا الأمر بـ "المعارضة المسلحة المتشددة والإقصائية".

شن حربهم على المتشددين عبر الفن دفع هؤلاء لإرسال تهديدات لهم، متهمين إياهم بـ " العلمانية والردة" دون أن يكتفوا بذلك بل أقدموا على تشويه بعض الرسوم التي رسموها.

وهذا ما جعل "حملة عيش" تواجه التحدي بتحدي، عبر التشديد على شعار الحرية في كل نشاطاتهم ورسومهم عبر شعار "الحرية لا بد منها" ليقولوا للجميع " إننا مستمرون بالثورة وبأهدافها الأولى: الحرية المنشودة وإن ثورتنا هي ثورة كرامة وحرية وليست حرب أهلية".

كلمة عيش مكتوبة على أحد جدران مدينة كفر نبل. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك
كلمة عيش مكتوبة على أحد جدران مدينة كفر نبل. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك

أبناء كفرنبل إن لم يجدوا الأمل اخترعوه، فكما جابت لافتاتهم العالم لتكون لسان حال السوريين لقول ما لم تقله وسائل الإعلام عن موتهم وأملهم، يأتي فريق "حملة عيش" ليلّون جدران المدينة، جاعلا من الحرية فعلا يوميا ونضالا ترسمه الأكف العارية المجبولة بالدهان والعرق والتعب، أكف ترسم على الجدران المحروقة ببراميل الحقد وقذائف الموت: لن نهزم و "الحرية لا بد منها".

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد