أيهم جمعة: طفولة تنتزع أسلحة الدكتاتورية


12 كانون الأول 2014

بسخرية موجعة تأخذنا لوحة الفنان "أيهم" (1982) نحو تخوم الوجع السوري لتغوص بنا في دهاليز التراجيديا السورية، ساخرة من كل حدث على طريقتها، فتنتزع منا دهشة تليها لحظة فرح فحزن عميم يغلّف أمل موغل في ابتعاده.

بين "حق الرد" الذي لم يحن موعده منذ أوقفت جبهة الجولان السوري عام 1973، والذي يحتفظ به النظام الدكتاتوري ردا على غارات إسرائيل، وبين حق المواطن المجسد برصاصة واحدة تنهي حياته حين يصرخ حرية، تمسك بيدنا لوحة الفنان لتعطينا مفاتيحها المنطلقة من واقع يضغط على الفنان إلى درجة أنه بات صعبا عليه استعمال "أدوات الرسم التقليدية التي تتطلب تفرغ زمني و مكاني" مما دفعه لأن يلجأ "للرسم الرقمي باستعمال برنامج خاص للرسم على هاتفي النقال أو على الحاسوب باستخدام بعض برامج التصميم ثنائية أو ثلاثية الأبعاد" كما يقول لـ "حكاية ما انحكت".

العلاقة بين الطفولة والدكتاتورية تطرح نفسها بقوة في لوحة الفنان، حيث الدكتاتور يقود الطفولة نحو حتفها في حين أن الطفولة بكامل براءتها تقدم زهرتها أو لعبتها له، ليكافئها بوضع السكين على عنقها. وكأن الفنان يقول أننا أمام عالمين مختلفين لا يمكن أن يلتقيا حتى لو كانا في فضاء واحد، حيث الطفولة تنتمي إلى عالم القيم الأخلاقية التي يدافع عنها الفنان، في حين أن الدكتاتور ينتمي إلى عالم الموت والقتل والدمار، فنحن أمام "طرف غارق بالبؤس و الموت و آخر يمارس دوره بهدوء وأناقة بترتيب وتحضير أشكال جديدة من القتل و التنكيل للطرف الأول"، وهو ما تعكسه محطات وتواريخ وجدت مكانها في لوحة الفنان مثل مجزرة الكيماوي - مجزرة حلفايا - أرجوحة العيد.

لوحة للفنان بعنوان دمكم الطريق، تخليدا لأرواح الضحايا في مجزرة جديدة الفضل. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبول
لوحة للفنان بعنوان دمكم الطريق، تخليدا لأرواح الضحايا في مجزرة جديدة الفضل بريف دمشق. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك

ثمة طرفان دائما في لوحة الفنان، يحضر كل منهما بمواجهة الآخر بوضوح، وأحيانا يحضر الأول بدلالة الثاني حتى حين يغيب، فاللوحة التي رسمها الفنان تخليدا لأرواح الضحايا في المجزرة التي قام بها النظام في جديدة الفضل بريف دمشق، حيث تشكل جثث الشهداء سلما أو طريقا للحرية، هي تشير ضمنا إلى القاتل الغائب رغم غيابه من اللوحة.

الفنان الذي تخرج من قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة (2006) رسم أولى لوحاته في الخامسة من عمره، ليقوم بعدها بنسخ رسومات أخيه الأكبر إلى أن التحق بالكلية وبدأ عالم الاحتراف. إلا أن مشاغل الحياة وضغوطها، و "وبحكم ساعات عملي الطويلة يلي كانت تستهلك معظم وقتي. ابتعدت أو أبعدت بالأحرى عن ممارسة الرسم لفترة طويلة" إلى أن جاءت الثورة التي أعادته إلى الفن. فأمام مشهد الموت اليومي ومقاومة السوريين ولدت رغبة أن يكون فاعلا، و أن "يكون أكثر تأثير في تصوير ونقل معاناة الناس بالداخل فكانت العودة".

التقاطع بين الثورة ورؤيته الفنية سهل عودة الفنان، لأن "الثورة يلي بطبيعة الحال بتكون مليئة بالمعاناة و الوجع ما كانت بعيدة عن أجواء المدرسة التعبيرية التي أرسم استنادا لها، فكانت أغلب الأعمال تحمل بشكل أو بآخر بعض من سمات هي المدرسة".

لوحة للفنان تجسد التضاد بين الطفولة والدكتاتورية. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك
لوحة للفنان تجسد التضاد بين الطفولة والدكتاتورية. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك

شارك الفنان بعدد من المعارض والمهرجانات منها مهرجان "سانت جوست لو مارتيل" بفرنسا وذلك بمساعدة من الفنان سعد حجو، وفي معرض للكاريكاتير في اسطنبول نظمه مجموعة من شباب الحراك المدني في تركيا، إضافة إلى المشاركة بمشروع كتاب ذو طبيعة بحثية يرصد الحراك الفني المتصل بالثورة السورية للصديق بلال زعيتر.

الطفولة رغم موتها تحت براثن الطاغية هي دوما المنتصرة في لوحة الفنان، حيث بالونات الطفل المقتول ترفع معها أسلحة الجندي، كدلالة على أن الحياة ستنتصر على الموت في نهاية المطاف و أن هذا الموت ليس إلا طريق الحرية.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد