في ذكرى الثورة: ثلاثون شهرا على اعتقال الفنان أكرم رسلان


16 آذار 2015

محمد ديبو

باحث وشاعر سوري. آخر أعماله: كمن يشهد موته (بيت المواطن، ٢٠١٤)، خطأ انتخابي (دار الساقي، ٢٠٠٨). له أبحاث في الاقتصاد والطائفية وغيرها، يعمل محرّرا في صحيفة العربي الجديد.

على الموقع الرسمي للفنان السوري المعتقل "أكرم رسلان"  المولود في مدينة صوران بحماة (1974) نجد أن آخر تحديث للوحاته كان في 27 يناير 2011.

رغم أن الفنان لم يعتقل إلا في 2 تشرين الأول / أكتوبر 2012، حيث تم اعتقاله من مبنى صحيفة الفداء الرسمية التي كان يعمل بها، فإن الزمن الواقع بين التاريخين يقول كثيرا عن لوحة الفنان التي لم تتردد بالانضمام إلى ثورة الشعب السوري التي اندلعت في الخامس عشر من آذار (2011)، وكأن الوقت لم يعد يسعفه بتحديث صفحته، فكرّس كل وقته للثورة، جاعلا من كاريكاتيراته معبّرا ومحرضا ضد نظام مستبد قاتل، بدءا من السخرية من الإصلاحات التي أعلنها النظام لاحتواء الثورة في عام 2011 حين صوّر جندي سوري يرفع راية مكتوب عليها "إصلاح" وهو يقف على تلة من القتلى، لتأخذ لوحة الفنان منحى تصاعديا بوجه النظام كلما تقدمت الثورة وتجذرت، مصوّبا باتجاه الدكتاتور مباشرة، وهو أحد المحرمات الخطيرة لدى النظام، مصوّرا إياه يغرق في دماء شعبه ضمن ساعة رملية، لتتوالى رسوماته التي صوّرت أحدها خريطة سوريا محاطة بأفعى لها رأس الدكتاتور، الأمر الذي دفع النظام لاعتقاله وإسكات قلمه ولوحته، ليحال إلى محكمة الإرهاب بتاريخ حزيران 2013، وسط معلومات متضاربة عنه، حيث تناقلت صحف ومواقع إخبارية خبر وفاته، في حين نفت صفحتين مخصصتين للتضامن معه على الفيسبوك الخبر. وقال رسام الكاريكاتير "هاني عباس" لـ حكاية ما انحكت، وهو صديق الفنان المعتقل: "حاولنا كثيراً أن نعرف مصيره.  حتى أننا في ظل هذا النظام لا نملك ( ترف) معرفة مكان المعتقلين أو حتى معرفة أنهم أحياء أم لا. هذه هي الصورة القاتمة التي نعيش  بها منذ سنين. أتمنى أن يكون أكرم بيننا من جديد. هو و كل المعتقلين في سجون الظلم و الظلام".

لوحة للفنان رسلان. المصدر: صفحة الحرية للفنان أكرم رسلان
لوحة للفنان رسلان. المصدر: صفحة الحرية للفنان أكرم رسلان

الفنان "عباس" الذي حاز على جائزة مؤسسة "رسامي الكاريكاتير من أجل السلام" في العاصمة السويسرية جنيف لعام 2014 يقول عن أكرم: " تعرفت عليه في بداية عام 2002 تقريباً، و كنت قد عرفته سابقاً من خلال رسومه، ولكن عرفت أكرم الحقيقي مع بدء الثورة السورية. الأدق من ذلك أننا عرفنا بعضنا بشكل حقيقي مع بدء الثورة  التي كانت اختباراً حقيقياً لمعدننا و صدقنا و شجاعتنا"، ليصف عمل صديقه: "كان أكرم من أهم من رسم ووثق للثورة السورية. أكثرنا شجاعة، و ربما كان الشجاع الوحيد. أتذكر الأحاديث الأخيرة بيننا. و أحلامنا مع زملاء لنا. كثيراً ما أفكر به. و كثيراً أتحدث عنه. أكرم الذي دفع أغلى ثمن يدفعه فنان سوري بدون تملق و بدون أضواء و شهرة هو قام بواجبه برجولة".

لوحة للفنان رسلان. المصدر: صفحة الحرية للفنان أكرم رسلان على الفيسبوك
لوحة للفنان رسلان. المصدر: صفحة الحرية للفنان أكرم رسلان على الفيسبوك

تكريما لصديقه، يستعد هاني اليوم هو ورفاقه لإصدار مجلة كاريكاتور سورية تحمل اسم "أكرم"، سعيا لإبقاء قضيته حية وراهنة، علما أن قضيته لقيت تعاطفا دوليا ومحليا، حيث نال جائزة الشبكة الدولية لحقوق رسامي الكاريكاتير "كرني CRNI" للعام 2013، إذ قال رئيس مجلس إدارة الشبكة "جويل بيت": "كرني يعطي أكرم رسلان جائزة الشجاعة السنوية لمؤسسة دينا في الرسوم الكاريكاتيرية تقديراً لشجاعة استثنائية له في مواجهة قوى العنف عبر رسومه، لقد حاول قول الحقيقة فقط"، مؤكدا أن التهم الموجهة لرسلان هي "التعاون مع الجماعات المتمرّدة، والعمل ضدّ الدستور السوري، وإهانة رئيس البلاد، والتحريض على الفتنة، وتشجيع الثورة ضدّ النظام العام، والنيل من هيبة الدولة السورية" داعيا الحكومة السورية إلى "إسقاط التهم الموجهة إلى السيد رسلان، وإعادته إلى أسرته". كما قامت رابطة المغتربين السوريين في اليونان بعرض أعماله الكاريكاتيرية.

 وقام أشهر رسامي الكاريكاتير العالميين (أنطونيو أنطونس/ البرتغال، ستيف ساك/ أمريكا، مارلين بول / ألمانيا..) بالتوقيع على صورة للفنان في الذكرى الأولى لاعتقاله الأولى، خلال مهرجان الكاريكاتير الدولي "سان جوست لو مارتيل" في فرنسا (اكتوبر 2013)، وقام مركز السويداء الإعلامي بتجهيز فيديو من أعماله عبر موقع يوتيوب.

قضية رسلان ليست الأولى ولن تكون الأخيرة مع نظام مستبد، أدرك مدى قدرة الفنانين على التأثير بالشارع للمطالبة بحقوقه، إذ تقول الفنانة السورية التي كان لها دور رائد في المشاركة في التظاهرات والفعاليات ضد نظام الأسد "فدوى سليمان": "يعلم النظام أن خطر الفنان كبير، لأنه قادرٌ على زرع الوعي، وبناء قاعدة شعبية قادرة على الاتجاه نحو أهدافها، لهذا لن يتوانى عن استئصال مثل هؤلاء الفنانين، صناع المدنية والحرية ، فهم أخطر بالنسبة له من حملة السلاح،  لأنهم أحد قادة التغيير الحقيقي نحو العدالة والحرية والمساواة".

رغم ما يقارب الثلاثون شهرا على اختفاء الفنان رسلان، فإن لوحته لا تزال حاضرة تظلل الذكرى الرابعة للثورة، باحثة عن يد حانية خلقتها ذات يوم، مطالبة بحرية مبدعها والكشف عن مصيره

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد