العلويون ووثيقتهم: حقيقة أم وهم؟


08 نيسان 2016

أثار الخبر الذي نشرته "بي بي سي" العربية تحت عنوان "الحرب في سوريا: قادة علويون يتبرأون من بشار الأسد ويؤكدون أنهم ليسوا شيعة"، جدلا وسجالا في وسائل التواصل الاجتماعي وبين المثقفين والنشطاء السوريين وجلساتهم الخاصة، متسائلين عما إذا كانت الوثيقة المشار لها في الخبر صادرة فعلا عن قادة علويين أم لا؟ وعما إذا كان للأمر تأثير على مجريات الأحداث، داخل الطائفة العلوية التي تصفها المعارضة بأنها مؤيدة للنظام، وفي الداخل السوري ككل، ناهيك عن أثر الأمر على القوى الدولية الباحثة عن بديل للأسد في ظل ضمور البدائل المتاحة، حيث كتب الصحفي "أحمد حسو" على صفحته على الفيسبوك: "خبر انتشر في كبريات الصحف العالمية ومحطة بي بي سي البريطانية عن مبادرة لمجموعة شخصيات من الطائفة العلوية. قبل قليل انضمت إذاعة WDR الألمانية للمجموعات الإعلامية وأفردت للخبر حيزا مهما في نشرتها الإخبارية. صحيفة "فيلت أم سونتاغ Welt am Sonntag" الألمانية تعتبر هذه المجموعة أخطر "طرف معارض" ضد الأسد. فهل تبصر هذه المبادرة النور وتتحول المجموعة فعلا إلى أخطر طرف معارض يهز عرش الأسد؟ الأمر يتوقف على جدية المبادرة ومن وراءها وعلى معارضتنا القديمة وطريقة تلقيها لها أيضا".

من يقف خلفها؟

أول الأسئلة التي أثارتها الوثيقة، تعلقت بالبحث عمن يقف خلف إصدار هذه الوثيقة، خاصة أنه لم يعلن أي اسم من الأسماء الموقعة عليها، إذ اكتفى الخبر بالقول أنهم "قادة في الطائفة العلوية"، الأمر الذي فتح باب السجال، بين من شكك بالوثيقة كلها، ناسبا إياها إلى "نصابون من المعارضة السورية على مذهب أمير قطر والسلطان العثماني يفبركون بيانا باسم العلويين!" كما كتب الصحفي المثير للجدل "نزار نيوف"  على صفحته على الفيسبوك، إذ تابع قائلا "تعمدت وسائل الإعلام الوهابية جميعها أن تنشر "البيان" تحت عنوان "علويون يتبرأون من بشار الأسد"، رغم أن البيان خلا تماما من أي إشارة لبشار الأسد، من قريب أو بعيد! وهو ما يؤكد أن غرفة عمليات إعلامية خليجية واحدة تقف وراءه!"، في حين رأى أخرون أن إغفال الأسماء أمر طبيعي في هكذا حالة، حماية للأسماء الموقعة ولعائلاتهم التي قد تكون لا تزال داخل سورية، وهو التبرير الذي لم يقنع البعض الآخر، لأن إسقاط الأسماء يفقد الخبر مصداقيته أولا (وهو ما حدث فعلا)، ويلقي ضبابا مكثفا حول إمكانية التحقق من مدى قدرة هؤلاء "القادة" على إحداث أثر يذكر داخل الطائفة وفي المجال العام، خاصة أن الجميع يدرك أن النظام منع تشكل أي حالة معارضة منظمة داخل الطائفة العلوية، وإن كان هناك مواطنين كثر من منابت علوية قد عارضوا النظام، ودفعوا ثمنا لذلك، ولازالوا، ومنهم المعارض "لؤي حسين" الذي اعتبر الأمر مفبركا، إذ كتب على صفحته: "نتناقل بين بعضنا تقريرا نشرته bbc عن وثيقة من ثماني صفحات أصدرها، وفق الخبر، مجموعة من قادة الطائفة العلوية، يعرّفون بها عن الطائفة وينؤون بها عن بشار الأسد ونظامه. التقرير لم يذكر اسم أي من هؤلاء القادة، على الرغم من أنه يدعي أن كاتب التقرير تواصل مع اثنين منهم. كذلك لم ينشر التقرير تلك الوثيقة. لا يستند التقرير إلى أي من مقومات الصدق أو الدقة. ورغم ذلك فإنني أستبعد صدور مثل هذه الوثيقة في هذا الوقت الذي بات يتضح فيه قوة المجموعات المسلحة المتطرفة التي تدعو لإبادة العلويين. وهذا يعني أن الخيارات أمام العلويين معدومة تقريبا ومحصورة بالنظام حصرا. هذا فضلا عن أن الشبيحة يسحقون أي علوي يتطاول على النظام. أعتقد أن الخبر برمته مفبرك يهدف إلى محاولة النيل من بشار الأسد في لحظة انتصاراته العسكرية والسياسية. وهذه ليست المرة الأولى التي تلعب الحكومة البريطانية مثل هذا الدور المشكك بالعلويين، أو الذي يثير النعرات الطائفية بحقهم أو من قِبلهم"، وهو الأمر الذي لقي سخرية من قبل زوار صفحته وبعض المثقفين، حيث كتب الناقد "خضر الآغا" على صفحته على الفيسبوك : "أجمل التعليقات التي قرأتها عن بيان العلويين الذي نشرته الـ bbc وتناقلته وسائل إعلام غربية كبيرة وكثيرة أنه محاولة من الحكومة البريطانية "للنيل من بشار الأسد في لحظة انتصاراته العسكرية والسياسية" وهالرأي الحلو هو لرئيس تيار بناء الدولة السورية السيد لؤي حسين"، في حين رد "أحمد طلب الناصر"، معتبرا أن كلام حسين هو "ما يجعل العلويين مهددين من قبل المتطرفين وحتى الشبيحة!! أنت تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن العلويين هم حاضنة صاحبك تاع الانتصارات!" وهو ما قاد في نهاية المطاف إلى جدل حاد غير مثمر بين لؤي وقراء صفحته حول الطائفية والعلمانية ومدى تمسك العلويين بالنظام أو إمكانية تخليهم عنه.

من جهة أخرى، يقول أحد الباحثين لحكاية ما انحكت أن "البيان حال كان صحيحا، فإن أمر تأثيره معدوما، إلا في حالة واحدة وهو أن تكون روسيا بطريقة أو بأخرى تقف خلفه، فاتحة الباب بذلك لبدائل عن آل الأسد من الطائفة العلوية أولا، ولإرسال رسائل مبطنة للنظام والطائفة العلوية ثانيا، تهيئة لهم لقبول القادم الذي تعد له".

رأى البعض أيضا، أن الوثيقة موجهة إلى المعارضة السورية التي يشكل السنة السوريون قوامها الأعم، الأمر الذي يتوجب متابعة تعليقات أو رد فعل المعارضة عليها، وهو أمر لوحظ أنه قوبل بسخرية من البعض وتساؤل وترحيب حذر من البعض الآخر، حيث قال "جمال صبح" على صفحته: "الحقيقة معلوماتي بسيطة عن القائمين عن هالحركة وأجدها متأخرة شوي لكنّها مهمة جدا من أجل وقف المطحنة اللي قام فيها "تنظيم الدولة العلوية" برعاية بيت الأسد. أتوقع وأرى كأحد أبناء هالثورة المتواضعين بإنو علينا أو على أي جهة معارضة تتواصل مع الجماعة وتشوف شو القصة بالضبط، الدم صار للركب والألم والدمار كبير. في حال كان هناك فعلا نوايا من "ممثّلين" عن الطائفة العلوية بوقف هاي المحرقة فلازم نبادر بالترحيب وهاي أفضل السبل من أجل وقف الحرب أولا، وإعادة النظر في أوضاع العلويين من 50 سنة كسلطة فوق الجميع، سواء شاؤوا أم أبوا ثانيا". الأمر الذي أثار تساؤلا عن كيفية التواصل معهم، إن كانوا لم يعلنوا عن أسمائهم أصلا!

قراءة وتحليل:

من حيث المبدأ قد تكون الوثيقة صحيحة وصادرة عن أفراد من الطائفة العلوية ارتأووا الإبقاء على أسمائهم سرية حفاظا على حياتهم، وهي ليست المرة الأولى التي يصدر فيها هكذا أمر، إذ سبق وصدر بيان عن مثقفين ونشطاء علويين يعلنون موقفا واضحا من الثورة السورية ويرفضون الربط بين النظام والطائفة ويدعون لإسقاط النظام. إلا أن الأمر لا يكمن هنا، بل يكمن في مدى قدرة هؤلاء على التأثير، إذ تمكن النظام عمليا طيلة عقود من تفريغ الطائفة العلوية من كل مصادر قوتها، بما في ذلك الدينية، إذ معروف أنه ليس هناك مرجعا دينيا رسميا للطائفة، ولم يعد هناك وجوه اجتماعية أو عشائرية يمكن لها أن تلعب دورا، الأمر الذي يعني فيما يعنيه  عدم وجود فاعلية حقيقة لهكذا بيان، وهو ما عبر عنه الإعلامي "عماد غليون" على صفحته على الفيسبوك، إذ قال: "بمناسبة ما ورد عن بيان لرجال دين من الطائفة العلوية. في ربيع 2012 وفي القاهرة، ضمتني جلسة مع مجموعة معارضين وناشطين، بينهم المرحوم وحيد صقر، كان يتكلم بألم عن وقوف الطائفة العلوية مع بشار الأسد وما سيجلبه لها ذلك من مقتلة عظيمة تؤثر على مستقبل علاقتهم مع باقي المكونات السورية. كان يتكلم بلهحة العارف بخفايا الطائفة وتوازناتها الدقيقة. سألته هل يمكن أن يتم تأمين انشقاق أي من رجال دين الطائفة وإعلانه الوقوف مع الثورة أو على الأقل النأي بالطائفة عن النظام، قال وهو يبكي: لا يمكن أن يحدث ذلك بالمطلق، شيء مستحيل حدوث ذلك، النظام يسيطر على مجلس الطائفة، وهو يعينهم ويفرضهم ولم يبقى أي منهم يستطيع التحرك بعيداعن النظام. نعم لا يمكن توقع أي موقف من رجال الطائفة العلوية، وخاصة في هذا التوقيت الذي يؤثر على مستقبلهم ومستقبل سورية. النظام والطائفة لم ينفك الترابط بينهما خلال خمسة أعوام، ولا يمكن أن يتم ذلك الآن"، ما يرجح فرضية أن تكون جهات خارجية خلفه، خاصة أن الوثيقة التي طرحت ركزت على أن العلويين ليسوا جزءا من الشيعة، وهو ما رأى فيه البعض أنه يندرج ضمن إطار الحرب القائمة بين الرياض وإيران، حيث تسعى الأولى للبحث عن منافذ تحيّد الطائفة العلوية عن الالتصاق بإيران.

طالما أن موقعي الوثيقة لم يعلنوا عن أسمائهم، فإن الفاعلية الحقيقية لها تبقى موضع شك، إلا إذا كانت موسكو تقف خلف الأمر، في محاولة منها، لإنتاج بديل عن آل الأسد، وهو أمر لايزال يحتاج انتظار نتائج جنيف3، التي لا تبدو قريبة بأي حال من الأحوال.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد