الخطف ينتشر في دمشق


13 حزيران 2016

ليست جديدة جرائم الخطف في سوريا منذ أن حول النظام الثورة السلمية إلى صراع مسلح، فقد استغل قطاع الطرق الفلتان الأمني ليقوموا بخطف المدنيين، وقد تحول هذا العمل في دمشق إلى  جريمة في الآونة الأخيرة، يقوم بها شبيحة يسكنون في الأحياء التي يقطنها الضباط وعناصر المخابرات، مثل عش الورور ومزة 86 وضاحية الأسد وجرمانا، حيث يخرج الخاطفون بسيارات مفيَّمة، يلاحقون الضحية إلى إحدى الشوارع الفرعية أو مدخل بناية، ثم يقومون بتخديرها وخطفها.

بيان نشرته تنسيقيات دمشق عام 2014 تحذِّر فيه من عمليات الخطف التي يقوم بها الشبيحة، المصدر: مكتب دمشق الإعلامي.
بيان نشرته تنسيقيات دمشق عام 2014 تحذِّر فيه من عمليات الخطف التي يقوم بها الشبيحة، المصدر: مكتب دمشق الإعلامي.

انتشرت هذه الظاهرة حتى خلال ساعات النهار، إذ تم خطف ثلاث فتيات بداية شهر نيسان 2016، لم يتجاوزن العشرين من العمر، وثق حالاتهن مكتب دمشق الإعلامي، يقول الناشط أبو وائل الشامي من دمشق لـ (حكاية ما انحكت)، "أهالي المخطوفات يتكتمون على الخبر حفاظاً على سمعة الفتاة، لذلك فإن ما نعرفه عن الموضوع غيض من فيض"، إلا أن بعض الأهالي قاموا بتعليق صور بناتهم المخطوفات على جدران العاصمة مع بياناتهنَّ تحت اسم "مفقودات" مطالبين من يعثر على معلومات حولهن بالاتصال بهم، إضافة إلى أن شهود العيان وجيران الضحية يتناقلون هذه الأخبار المروعة حتى ولو أخفى الأهالي النبأ، كما أكدت لنا الناشطة روز الدالاتي "إحدى الفتيات تم خطفها صباحاً من حي الميدان، والذي كان من أوائل الأحياء التي شهدت مظاهرات ضد النظام في دمشق، في شارع مكتظ بالمارة، حيث توقفت سيارة سوداء ونزل منها مجموعة من الشبان المسلحين، أمسكوا بالفتيات ودفعوها باتجاه السيارة، ولم يستطع أحد إيقافهم".

"يعلم سكان دمشق أن الخاطفين شبيحة متعاونون مع عناصر الأمن، فحواجز التفتيش منتشرة بكثافة في دمشق وما حولها، ومن المستحيل أن تتم عملية الخطف دون علم الأجهزة الأمنية"، هذا ما صرح به رامي زين الدين أحد تجار الألبسة في دمشق القديمة، وأضاف لـ "حكاية ما انحكت"، "الاحتياطات الأمنية والتعزيزات العسكرية في قلب العاصمة أصبحت أكثر قوة بأضعاف مقارنة بالسنوات الماضية، وأغلب عمليات الخطف تتم في الأحياء القريبة من الأحياء الأمنية، مثل حي (مساكن برزة) القريب من (عش الورور) المؤيِّد للنظام، وأغلب ساكنيه من الضباط والشبيحة"، أما الضحايا المُستهدفون "فأغلبهم من الفتيات، لأن الأهالي مستعدون لدفع الغالي والنفيس في سبيل خروج ابنتهم بالسرعة القصوى خوفاً من الاغتصاب والفضيحة، ومقابل تحرير الضحية يطلب الخاطفون مبالغ فلكية، ثم يبدأون بالتفاوض مع أهلها حتى يستقرون على مبلغ يقترب من خمسة ملايين ليرة، حسب الوضع المادي للعائلة المُبتزَّة".

دمشق، جانب من حي الميدان، صورة عامَّة.
دمشق، جانب من حي الميدان، صورة عامَّة.

تتعرض الفتيات المخطوفات إلى الاغتصاب غالباً، لكن الاغتصاب ليس غاية المعتدي، بل المال، أو سرقة الأعضاء، حيث تجري عملية جراحية للضحية، ثم تُعاد إلى المكان الذي خُطفَت منه، ومن الأحياء المُستهدفة بهذه العمليات حيَّا "المرجة" و"الميدان"، اللذان كانا مسرح عمليات لعصابات الخطف في دمشق منذ عام 2015، حيث تم خطف فتاة  في الثامنة عشر من عمرها خلال هذا العام واقتيدت إلى "ضاحية الأسد"، وهناك تعرضت للاغتصاب، وأجريَت لها عملية سُرقت بموجبها إحدى كليتيهَا، كما يؤكد بشير المنجِّد من دمشق لـ (حكاية ما انحكت)، ويضيف "هذه العمليات كانت تتم عبر نصب حواجز من قبل قوات الدفاع الوطني، لا سيما في شتاء 2015، حيث كان ناصبوا الحواجز يوقفون المارة خلال ساعات المساء، فإذا كان أحدهم بمفرده يسألونه عن عائلته ومكان سكنه، سواء كان شاباً أو فتاة، وحين يعرفون أنه من عائلة ميسورة يقومون باقتياده إلى مكان مجهول، ثم يتصلون بأهله طالبين مبلغاً مالياً، وإلا فإنهم لن يروا ابنهم مجدداً، وفي إحدى عمليات الخطف هذه، ادعى الخاطفون أنهم من الجيش الحر، مع أن جميع سكان دمشق يعرفون أنه لا وجود لهذا الجيش في دمشق، أما عمليات الخطف خلال النهار فإن سببها لا مبالاة الشبيحة واستهتارهم بمقاومة الناس لهم، كما أن النهار أصبح يسهِّل عليهم إيجاد ضحاياهم بسرعة، بعد أن انقطع أهالي دمشق عن الخروج ليلاً خوفاً من الخطف".

الخطف، صورة رمزية، المصدر: مكتب دمشق الإعلامي.
الخطف، صورة رمزية، المصدر: مكتب دمشق الإعلامي.

تُعد مراكز الشرطة المقصد الأول لأهالي المخطوفين كي يقدموا بلاغاً عن الحادثة، لكنها تفشل دائماً، فالشرطة لا سلطة لهم على الشبيحة، عندها يتواصلون مع أحد معارفهم في الفروع الأمنية لتحرير أبنائهم، ويكون الرد بطلب مبلغ مالي، كما قد يتواصل الأهالي مع وزارة المصالحة الوطنية، حيث سبق وأن اعترف وزيرها علي حيدر في مقابلة مع صحيفة الوطن المؤيدة بأن وزارته "تلقت العديد من الشكاوى من مواطنين تتضمن أن قريبهم أو أبناءهم خُطفوا من مناطق آمنة، وحين التدقيق تبين أن تلك الجهات تعمل باسم الجهات الرسمية، موضحاً أن مهمة الوزارة تقتصر على تبليغ الجهات المختصة، وليست معنية في القبض على هؤلاء، لكونها لا تملك صلاحيات تنفيذية".

يعلق الناشط حيان الزعبي من دمشق لـ (حكاية ما انحكت) على الموضوع بقوله "ليس غريباً أن يكون الخاطف من عناصر الأمن أيضاً، ففي شهر آذار 2016، توقفت سيارة سوداء دون نمرة أمام إحدى المحلات في سوق الطويل بدمشق، وطلبوا من صاحب المحل الصعود معهم على مرأى من الناس، وبعد أيام تواصلوا مع أهله طالبين مبلغاً مالياً، وليس من المعقول أن تجتاز تلك السيارة عشرات الحواجز الأمنية في دمشق دون علم أجهزة النظام بها، كما أن مقايضة المعتقلين لدى أجهزة الأمن مقابل المال أمر يعرفه جميع السوريين، لا سيما في فرع الأمن العسكري في حي كفرسوسة بدمشق".

دمشق، صورة عامَّة.
دمشق، صورة عامَّة.

يُذكر أن ظاهرة خطف الفتيات انتشرت بكثرة أواخر سنة 2011، لا سيما في مدينة حمص، وذلك بواسطة سيارات الأجرة، حيث كان المعتدي يقوم بتغيير الطريق ويوصل الفتاة إلى حارته حيث يكون قد اتفق مسبقاً مع مجموعة من الشبيحة على إيصالها إلى هناك، وحال وصوله يقومون بتقييدها ويتصلون بالأهل طلباً للمال، أما الطريقة الثانية فكانت بخطف نساء من منازلهن مباشرة، عبر نساء يطرقن باب المنزل، ما يؤدي إلى اطمئنان الساكنة، وحين تفتح لهن يقمن بتكميمها وجرها إلى سيارة بانتظارهن، وكانت بعض العمليات تتقصد نساء أو بنات أحد المطلوبين لقوات الأمن، والذين هربوا من الملاحقة إلى إحدى أحياء حمص القديمة التي تسيطر عليها المعارضة، وقد أدت هذه العمليات وقتها إلى احتقان شديد وأعمال ثأر في حمص.

https://www.youtube.com/watch?v=Dy0oW-bX0NA

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد