شرطة إدلب الحرة... خدمات أمنية ومجتمعية رغم الصعوبات


تأسّس هذا الجهاز في مطلع عام 2013 نتيجة انتشار الفوضى وعدم قدرة الكتائب العسكرية على فرض الأمن في تلك المناطق نتيجة انشغالها بالقتال على الجبهات، وهو يضم 1200 عنصر بعضهم ضباط وصف ضباط منشقين عن نظام الأسد، وبعضهم ثوار مدنيين التحقوا بالجهاز بعد خضوعهم لدورات تدريبية في تركيا على كيفية ممارسة مهام الشرطة الحرة، إذ اتخذ عناصر الشرطة الحرة من المخافر النظامية مراكزا لهم وتتركز مهامهم بملاحقة مرتكبي الجرائم الجنائية، تنظيم السير، ضبط السرقات وخدمة المجتمع.

22 كانون الأول 2016

بفرحة كبيرة توّجه سليم العثمان (30 عاما) لاستلام دراجته النارية من مخفر شرطة معرة النعمان، وذلك بعد أن تمكنت عناصر الشرطة الحرة من إلقاء القبض على مجموعة من السارقين واستعادت المسروقات منهم، والتي كان من بينها دراجة سليم.

سليم من قرية معرشمشة التابعة لريف إدلب الجنوبي، واحد من عشرات المواطنين الذين عادت لهم مسروقاتهم وشعروا بنوع من الأمان بفضل جهود أفرع جهاز الشرطة الحرة المنتشرة في إدلب وريفها.

تأسّس هذا الجهاز في مطلع عام 2013 نتيجة انتشار الفوضى وعدم قدرة الكتائب العسكرية على فرض الأمن في تلك المناطق نتيجة انشغالها بالقتال على الجبهات، وهو يضم 1200 عنصر بعضهم ضباط وصف ضباط منشقين عن نظام الأسد، وبعضهم ثوار مدنيين التحقوا بالجهاز بعد خضوعهم لدورات تدريبية في تركيا على كيفية ممارسة مهام الشرطة الحرة، إذ اتخذ عناصر الشرطة الحرة من المخافر النظامية مراكزا لهم وتتركز مهامهم بملاحقة مرتكبي الجرائم الجنائية، تنظيم السير، ضبط السرقات وخدمة المجتمع.

يقول سليم لـ "حكاية ما انحكت"، أنه بعد سرقة دراجته تقدّم بشكوى لمخفر معرة النعمان القريب من قريته، مؤكداً أنّه لم يمضي أكثر من أسبوع واحد حتى تم استدعائه للمخفر المذكور من أجل التعرّف على دراجته وتسليمه إياها بعد إلقاء القبض على الجناة، وإذ يشكر سليم جهود الشرطة الحرة بسرعة استجابتها إلا أنه يشكو مع غيره من انتشار ظاهرة السرقة مؤخرا بشكل كبير، حتى أصبح الشخص لا يأمن على ممتلكاته ولو لدقائق معدودة على حدّ تعبيره، إلا أن الملازم حسام الأحمد (46/مستعار) العضو في المجلس الاستشاري لجهاز إدلب الحرة يطمئنه قائلا: "نقوم حالياً بتحضير كمائن للصوص وذلك بوضع دراجات نارية متعدّدة في الشوارع، ومراقبتها من قبل عناصرنا المنتشرين باللباس المدني في كل مكان، وهي خطة مجدية فلا داعي للقلق".

كيف تأسس؟ وما المهام التي يقوم بها؟

وحول جهاز الشرطة الحرة وأماكن تواجدها ومهامها، يتحدث العميد فؤاد السويد (    53 عاما)، وهو أحد أهم المؤسسين لهذا الجهاز، وانتخب رئيسا له: "قبل تأسيس قيادة شرطة إدلب الحرة لم يكن هناك عمل منظّم للشرطة في مناطق سيطرة الثوار، فكانت عبارة عن مجموعة من التجارب الفردية التي توّقف معظمها بسبب عدم توفر التمويل والتنظيم اللازم لاستمرار العمل"، ويضيف بأنّه قام مع ممثلي النقاط الشرطية بالتنسيق مع المجالس المحلية في المناطق التي تتواجد فيها بالتواصل مع الممولين (وهم عبارة عن منظمات تمويلها من برنامج دعم الأمن المجتمعي المتكامل الذي تشرف عليه وزارات الخارجية في بريطانيا والولايات المتحدة والدنمارك ) وأيضا حضر اللقاء ممثل عن الحكومة المؤقتة وممثل عن وزارة العدل فيها، وتمّ الإتفاق على إنشاء قيادة موحدة للشرطة الحرة في إدلب، وينوّه السويد إلى أنّ عدد مراكز الشرطة الحرة في إدلب وريفها بلغ 36 مركز ومنها مركز الدانا، حاس، حزارين، كللي، معصران، التمانعة، حيش... وغيرها، ويشير أنّ عنصر الشرطة يتقاضى مرتباً وقدره 100دولار أمريكي، وصف الضابط يتقاضى 150دولار أمريكي، بينما يتقاضى الضابط مبلغاً وقدره 300 دولار أمريكي.

عنصر من الشرطة الحرة يساعد الأطفال على قطع الشارع في ريف إدلب. تصوير النقيب عبد الرحمن البيوش/ خاص حكاية ما انحكت

"نحن مستقلين لا نتبع لأيّ جهة أو فصيل ثوري ونقف على مسافة واحدة من جميع الفصائل ، كما أنّنا لا نعمل في أيّة منطقة أو مدينة قبل وجود موافقة من كامل الفصائل الثورية فيها، وذلك من أجل مؤازرة النقطة الشرطية بالعناصر المسلحة عند الحاجة، ذلك أنّ سلاحنا يقتصر على السلاح الفردي"، يشرح السويد موضحاً بأنّه لمس لدى الكتائب الأمنية رغبة كبيرة للتخلّي عن عملها لصالح الشرطة الحرة لكي تتفرّغ هي بدورها للمعارك على الجبهات.

يحيى الحمدو (30عاما) قيادي في فصيل الفرقة (13) بمعرّة النعمان يشيد بعمل الشرطة الحرة من خلال دورها في ملء الفراغ الأمني، ويبدي استعداد فصيله لمساندتها في مهامها إذا ما طلبت ذلك، وينوّه "لقد ساهمت بشكل ملحوظ بالتخفيف من السرقات وقطع أشجار الغابات من قبل الأهالي وتنظيم السير منعاً للحوادث، عدا عن تفقد أمن المدارس ومساعدة الطلاب على عبور الشوارع وفض النزاعات".

يروي محمد القلعجي (40عاما) وهو من أهالي قرية حاس كيف أنّ عناصر الشرطة الحرّة في القرية قاموا بتفكيك إحدى العبوات المتفجرة من سيارة كانت بقرب مسجد فيقول: "لقد ساهموا بإنقاذ أرواح كثيرة ذلك أنّ المسجد كان يعج بالمصلين،  فهناك من أراد استهداف بعض القادة الذين كانوا متواجدين آنذاك".

أما بالنسبة لعامر بركات (37عاما) فهو يشكر جهود الشرطة الحرة التي قامت بإنارة شوارع قريته حزارين، فلم يعد يخشى على محلّه التجاري من السرقة، قائلا: "لقد انتشرت السرقات بشكل كبير من قبل ضعفاء النفوس الذين استغلوا ظلام القرية ليلاً وخلوها من الكهرباء، ولكن مع إضاءة القرية عاد لها الأمان مجدداً".

الشرطة الحرة في إدلب وريفها شرطة مجتمعية تشاركية تقوم بتفعيل دور الفرد وتطوير المجتمع وذلك بالشراكة والتنسيق بين جهاز الشرطة والمجالس المحلية والفعاليات المدنية عبر معاينة المشكلات واقتراح الحلول لها، وفي هذا السياق، يقول النقيب عبد الرحمن البيوش (31عاما) المسؤول الإعلامي في جهاز الشرطة الحرة لحكاية ما انحكت: "بالإضافة لعمل الشرطة بمكافحة الجريمة بشتى أنواعها، فهي تقوم أيضا بكافة أنواع الخدمات التي تصب في المصلحة العامة من خلال برنامج أمان وعدالة مجتمعية المنبثق عن الشرطة الحرة، والذي يهدف لزيادة الأمن والأمان في المنطقة".

عناصر من الشرطة الحرة بريف إدلب إثناء تأدية عملهم. تصوير: عبد الرحمن البيوش/ خاص حكاية ما انحكت

 يعطي البيوش مثالاً على ذلك، بقيام الشرطة بتعبيد الطرقات في قرى عديدة، وذلك من أجل تسهيل حركة المرور لسيارات الإسعاف وسيارات الشرطة من أجل سرعة الوصول للمشافي أو لأي حادث سير أو أي جريمة، وأيضا قامت الشرطة بإنشاء ملاجىء للمواطنين يلجأوون إليها في حالات القصف، عدا عن إنارة العديد من الشوارع بمصابيح تعمل على الطاقة الشمسية للحد من ظاهرة السرقة ولم تكتفي بذلك بل وكثّفت من حواجزها الليلية لمنع وقوع الجريمة ولزيادة الشعور بالأمن والأمان وخاصة لفئة الأطفال والنساء، وأيضاً ثمّة تعاون بين عناصر الشرطة الحرة والدفاع المدني في إجلاء الجرحى والمصابين خلال القصف.

شرطة إدلب الحرة تختلف عن غيرها من المؤسسات بحسب البيوش، فهي مؤسسة متكاملة التنظيم لديها أفرع، أقسام، مكاتب، مشرفين، مجلس استشاري يتألف من خمسة أعضاء يجتمعون شهرياً لدراسة متطلبات الشرطة ومعوقاتها والمشاكل التي تواجهها وإيجاد الحلول لها، كما أنّ هنالك لجنة تخطيط استراتيجية تقوم بوضع الخطط المستقبلية لعمل الشرطة.

آليات تأهيل الشرطة

افتتح في ريف إدلب مؤخراً مركزاً لتدريب وتأهيل عناصر الشرطة الحرّة من خلال دورات متتابعة، مدة الدورة ستّة أيام وتضمّ في كلّ مرّة ثلاثون عنصرا يدرّبون فيها على كيفية "إدارة مسرح الجريمة، حقوق الإنسان، الإسعافات الأولية، كتابة الضبوط، مكافحة المخدرات بالإضافة لكيفية التعامل مع الغازات السامة والنابالم الحارق والفوسفور"، وذلك بحسب ما أوضح مدير مركز التدريب، المقدم أحمد درويش، مردفاً بأنّه يشارك في هذه المحاضرات أطباء وضباط ومختصين في مختلف المجالات.

الشرطي عماد الحسين (32عاما) يشكر قيادة الشرطة الحرة على تنظيم هذه الدورات، فهو يشعر بأنّ خبرته زادت واستفاد كثيراً مما تعلّمه بتنفيذه بالأمور الحياتية التنظيمية التي تخص عمله في جهاز الشرطة.

وفي الوقت الذي يتطوّر فيه عمل الشرطة الحرّة وتقدم خدماتها العديدة لمعظم مناطق ريف إدلب إلا أنّ هناك مناطق مركزية وحيوية وهامة تخلو من هذه الخدمات كمدينة كفرنبل وكفرسجنة، خان شيخون، سرمين، سراقب وذلك إثر قيام تنظيم جبهة النصرة بمداهمة مقرّات الشرطة الحرة في هذه المناطق في 8 يوليو 2015 والسيطرة على الأسلحة والمعدّات التابعة لها واعتقال عدد من أفرادها متهمة إياهم بالفساد.

وقد لاقى هذا الإجراء من قبل الجبهة انتقادات عديدة من الأهالي الذين وصفوا ذلك بالتضييق على الشعب الثائر وزيادة الفوضى والقضاء على الحكم المدني.

أبو محمود (39عاما/مستعار) أحد أفراد المجلس المحلي في كفرنبل، يقول مستنكراً هذا الإجراء: "لقد كان للشرطة الحرة في كفرنبل دور لا يمكن تجاهله بإعادة الأمان النسبي للمدينة وتنظيم السير والازدحام وتلقي الشكاوى ومراقبة الأسعار والحركة التجارية والتعاون مع المحاكم الشرعية، أما اليوم فقد انتشرت الفوضى وكثرت السرقات بشكل ملحوظ داخل المدينة"، وهو بدوره يطالب بإعادة تفعيل جهاز الشرطة الحرّة كما أنّه لم يقتنع بدوافع النصرة لإغلاق هذه المراكز، واصفاً هذه الدوافع بالـ "غير منطقية".

"منكم وفي خدمتكم" شعاراً أطلقه عناصر الشرطة الحرة، ويسعون لتحقيقه تحت القصف ورغم الضعوط،  يحلمون بيوم يتساوى فيه الجميع أمام القانون، ويسهرون على أمن المواطن لكي تكون الشرطة بحق في خدمة الشعب.

(الصورة الرئيسية: عنصر من الشرطة الحرة يقوم بحماية مظاهرة بريف إدلب المصدر: الصفحة الرسمية لموقع الشرطة الحرة على الفيسبوك/ 17 ديسمبر 2016/ نشرت بموجب الاستخدام العادل)

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد