النزوح والبيئة... دروس من سوريا والشرق الأوسط


يستعرض هذا المقال تأثير النزاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الصحة البيئية للنازحين الذين يعيشون في المخيمات والأحياء العشوائية ورفاههم، نظراً للممارسات الملوّثة وظروف الحياة الخطيرة وغياب البدائل. كما حدّد المقال العواقب البيئية على المجتمعات المضيفة وعلى المحيط، مثل اجتثاث الغابات ورمي النفايات ونُدرة الموارد المائية، إذ تؤدي جميعها إلى تدهور المياه الجوفية وغيرها من الكوارث البيئية.

23 تموز 2018

(صورة للنازحين في مخيم العريشة في محافظة الحسكة، التُقطت في 2/8/2017 خلال زيارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري للمنطقة لتقييم الأوضاع. حقوق النشر: اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والصورة تنشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظة لأصحابها)
إيميه جنكس

مستشارة لدى معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث، مع تركيز على الهندسة والاستدامة وتطوير المشاريع والمواصلات في قطاع الطاقة.

فيم زفيننبيرغ

هو رئيس مشروع نزع التسلّح لأسباب إنسانية، وهو مشروع تابع لمنظمة السلام الهولندية باكس. يعمل على قضايا مرتبطة بالصراع والبيئة في الشرق الأوسط، واستعمال وانتشار التكنولوجيا العسكرية الجديدة وتجارة السلاح.  يمكن متابعته عبر تويتر على @wammezz.

Translated By: بسكال مناسا

17 يوليو/ تموز 2018، أوترخت وجنيف، أُنشئت في مناطق الشرق الأوسط عشرات المخيمات والأحياء العشوائية لملايين اللاجئين والنازحين داخلياً، الهاربين من الصراع العنيف. غالباً ما تُبنى هذه المخيمات في ظل ظروف مؤقتة، بوجود موارد محدودة وضوابط مالية وزمنية ضيقة. قد تترك هذه المخيمات آثارا بيئية خطيرة تنعكس تداعياتها على الموارد الطبيعية المحلية مثل المياه، أو قد تخلق تحديات لإدارة النفايات. تملك وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى المنخرطة في هذا المجال سنوات من الخبرة ومعرفة واسعة. في أغلب الأحيان، تتمكن هذه المنظمات من إنشاء مخيمات تعمل بطريقة سليمة وتكون قادرة على تلبية الحاجات الأساسية للسكان المستهدفين، حتى لو لم تكُن مثالية. لكن ما كلفة ذلك على البيئة؟ وما العواقب المباشرة والبعيدة المدى على القاطنين في المخيمات وعلى المجتمعات المضيفة؟

 منذ تحوّل الثورة السورية (آذار 2011) إلى نزاع مسلح، اضطُرّ أكثر من 6،6 مليون شخص إلى النزوح داخل البلاد، بينما هرب 5،6 مليون سوري إلى تركيا والأردن ولبنان وغيرها من البلدان. بحسب أرقام الأمم المتحدة، يحتاج 13،1 مليون سوري إلى مساعدة.

يعيش معظم النازحين في المدن، على الرغم من وجود عدد ملحوظ منهم في المخيمات والأحياء العشوائية. أشهر مخيمات اللاجئين في الأردن، وأكبرها هما، مخيم الزعتري والأزرق. يسجّل العراق 2،6 مليون نازح، وتتشابه الأرقام في اليمن الذي يعدّ 2،2 مليون نازح داخلياً.

غالباً ما تكون المخيمات والمستوطنات حلاً يطول أمده. بحسب دراسة لمعهد "تشاتام هاوس" في عام 2015، يبلغ معدّل استمرار مخيم اللاجئين 18 عاماً.

مع مرور الوقت وارتفاع عدد سكّان المخيمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ستكون التحديات جمّة. ستؤثر الديناميكيات الجغرافية والمناخية والبيئية بشكل كبير على القدرة اللوجستية لطواقم المساعدة وعلى الصحة العامة لسكان المخيمات. تُعتبر سوريا مصدر أمثلة عديدة لاذعة.

سيلقي هذا المقال نظرة على قضايا الصحة البيئية التي تظهر في المنطقة، والتي باتت تحدّياً بارزاً للنازحين ومخيمات النزوح الداخلي، وسيستعرض مخاطر الصحة البيئية. سنتطرّق أيضاً إلى مشاكل أساسية وحلول مُبتكرة لمعالجتها ومناقشة الفرص التي يمكن أن تقدّمها لعملية إعادة إعمار أفضل وأنجع بيئياً في مرحلة تنظيم إعادة البناء بعد النزاع.

تائهون بين النفايات

قد تترك الظروف البيئية في المخيمات أو الأحياء العشوائية تأثيرات صحية خطيرة على السكان بسبب مخاطر الإصابة بأمراض معدية مثل السلّ أو التعرّض لتلوث الأماكن المغلقة، وقد تضرّ هذه المخيمات أيضاً بالمياه الجوفية والتراب وتخلّف مشاكل في إدارة النفايات وتستنزف الموارد الطبيعية المحلية مثل الخشب. يركّز الفاعلون في المجال الإنساني حالياً على هذه المسائل يومياً ويعملون بجهد لمعالجتها.

تولّد المخيمات أيضاً حساسيات سياسية لأنّ المجتمعات المضيفة قد تعترض على العواقب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية من جرّاء تشارك الموارد الطبيعية. هذا ما حصل في دولة الأردن الجافة حيث تخطّى الطلب على المياه العرض حتى قبل الأزمة السورية.

تشكّل إدارة النفايات إحدى المسائل البيئية العديدة المطروحة في لبنان والمتعلقة بوجود اللاجئين السوريين. ما الدروس التي يمكننا تعلّمها من نزاعات الشرق الأوسط لجهة إدارة مخاطر الصحة البيئية للنازحين والتخفيف من وطأتها على البيئة؟ كيف يمكن تحسين الاستجابة الإنسانية وتخفيض أثرها البيئي في هذه المناطق؟

اختيار المواقع

غالباً ما يكون اختيار مواقع المخيمات أو الأحياء العشوائية عاملاً مهماً. أظهرت الأحداث الأخيرة أنّ تحديد مصادر التلوث المحتمل يستحقّ تدقيقاً أكبر لدى إيجاد الموقع المناسب. في أغسطس/ آب 2017، أرسلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقريراً مقلقاً عن أطفال يلعبون بين النفايات السامة لحراقات النفط البدائية في مخيم العريشة في الحسكة. برزت هذه الحراقات المؤقتة بعشرات الآلاف في سوريا والعراق ويعمل فيها أشخاص، وغالباً أطفال، في ظلّ ظروف خطيرة إذ يتنشقون دخاناً مضراً ويتعرّضون للمواد السامة الناجمة عن تكرير النفط الخام.

(صورة لطفل في مخيم العريشة للنازحين في محافظة الحسكة، التُقطت بتاريخ 2/8/2017 خلال زيارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري للمنطقة لتقييم الأوضاع. حقوق النشر: اللجنة الدولية للصليب الأحمر. الصورة تنشر موجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظة لأصحابها)

تظهر صور حديثة ملتقطة بالأقمار الصناعية أنّ المخيم يتوسّع منذ أغسطس/ آب 2017. باستخدام تقنية الاستشعار عن بُعد، نرى الحجم الكلي لبعض المخيمات وكيفية نموها على مرّ الأعوام. يُستعمل البرنامج التشغيلي لتطبيقات الأقمار الصناعية UNOSAT هذا النوع من الخرائط بكثرة لرؤية مخيمات اللاجئين والنازحين داخلياً.

(صورة مُلتقطة بالأقمار الصناعية لمخيم العريشة. المصدر: "سنتينال هاب" والصورة تنشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظة لأصحابها)

انتشرت صورة أخرى جديدة على وسائل التواصل الاجتماعي في 31 مايو/أيار 2018. وردت تقارير من مخيّم صغير في ريف حلب أفادت بوجود معاناة عند الأطفال تتمثل بمشاكل في التنفس، بسبب الدخان السامّ المتصاعد من حراقات النفط البدائية القريبة والواسعة النطاق.

(نظرة شاملة على حراقات النفط البدائية ومخيم شبيران للنازحين داخلياً في حلب. التقطت وكالة الفضاء الأوروبية الصورة بالأقمار الصناعية في 6 أبريل/نيسان 2018، عبر "سنتينال هاب". والصورة مأخوذة من توتير @Mariyork، في 29 مايو/أيار 2018. من مجموعة ويم زويجنبرغ)

 تذكّر هذه الأحداث بأهمية مواقع الأحياء العشوائية والمخيّمات، على الرغم من أنّ إيجاد مكان مناسب ليس سهلاً. أظهر موقع مخيم النازحين داخلياً قرب القيارة في العراق، كيف تحدّ الضوابط الأمنية من خيار المواقع، مع تصاعد اشتعال الحرائق الناجمة عن بئر النفط بسبب الدولة الإسلامية ووصول الدخان إلى المخيم، مخلّفاً مخاطر إضافية على الصحة.

(12 كانون الثاني 2017 ، القيارة ، العراق. المصدر: Sentinel Hub، والصورة تسنخدم بموجب لاستخدام العادل والحقوق محفوظة لأصحابها)

قد تؤثر المخيمات أيضاً بشكل مباشر على الموارد الطبيعية مثل المياه والغابات. يتسبّب اجتثاث الغابات الذي يُعتبر مشكلة فعلية في انزلاقات أرضية محتملة وحتّ التربة والفيضانات وفقدان الموطن وتفاقم تأثيرات تغير المناخ ، كما لوحظ في الأزمات الإنسانية الأخرى.

تحترق مساحة 64،700 فدان كلّ عام نتيجة النازحين قسراً الذين يعيشون في المخيمات. في سوريا، عانت إدلب والحسكة، وكذلك المناطق المحاصرة من مشكلة جمع الأخشاب من أجل تأمين موارد الطاقة.

يفتقد حوالي 90% من النازحين قدرة الوصول إلى الطاقة، ما يؤدي مشاكل. أصدرت الهيئة المدنية للخدمات التابعة لهيئة تحرير الشام بيانات في عام 2017 ضدّ قطع الأشجار بعد أن بدأ استئصال الغابات يؤثر على المناظر الطبيعية في إدلب.

بسبب نقص حلول الطهي النظيف وتأمين الطعام من دون الحاجة إلى وقود في المخيمات، تتعرّض النساء والأطفال خصوصاً لعنف جنسي وجندري خلال الساعات الطويلة التي يقضونها في البحث عن خشب في أماكن غير محمية.

تنتج آثار صحية خطيرة من تلوث الهواء في الأماكن المغلقة خلال الطهي على نار مكشوفة لساعات طويلة، وبحسب منظمة الصحة العالمية، يموت حوالي أربعة ملايين شخص كلّ عام نتيجة لذلك. يزيد استخدام الكيروسين في أماكن تعجّ بالسكان من خطر اندلاع الحرائق. كذلك، يتصاعد احتمال التوترات مع المجتمعات المضيفة والأسواق السوداء الناشئة على هوامش الموارد النفطية عندما يُضطرّ النازحون إلى الاعتماد على الموارد الطبيعية لتلبية حاجات الطاقة. في حالات أخرى، في الغوطة مثلاً، بدأ السكان المحاصرون بصنع الوقود عبر إحراق البلاستيك.

قد تثقل نفايات المخيمات كاهل الحكومات وقد تؤثر على موارد المياه الجوفية المحلية كما في لبنان والأردن.

لا شكّ في أنّ التدفق الهائل للنازحين إلى مناطق غير مجهزة بالبنى التحتية للتعاطي مع النفايات قد يساهم في انتشار الأمراض.

في مناطق الاختلافات المناخية الشاسعة بين المواسم، يلجأ النازحون أو المحاصرون إلى ممارسات مثل حرق النفايات للتدفئة.

مع تحوّل المخيمات إلى مستوطنات طال العيش فيها، تعتمد بنيتها التحتية بشكل كبير على المولدات التي تعمل على الوقود الأحفوري، ما يغذي سلسلة تموين الديزل ويوقد اقتصادات الحروب عبر بيع النفط والديزل في السوق السوداء، ويبعث الغازات الدفيئة في مواقف تموين الديزل غير الموثوق فيه. ويعاني الأطباء الإنسانيون والمستشفيات البديلة، من دون الأدوات المحتاجة لمعالجة الجرحى أو توليد الأطفال. بالتالي، إذا استُخدمت موارد نظيفة، سيتراجع الاعتماد على الوقود الأحفوري.

على الرغم من حاجة ملحّة للتدخل، لا تزال البيئة آخر الأولويات.

بسبب الحاجة الكبيرة خلال أوقات الاستجابة الطارئة ونقص التمويل لسدّ هذه الحاجات، لم تعُد البيئة والطاقة من الأولويات. بحسب التقديرات الحالية، تُنفق مئات الملايين من الدولارات على الديزل والمولدات. لذا، تفتقد الوكالات الإنسانية القدرة على التنسيق والتخطيط بشكل متكامل للتخفيف من الضرر البيئي. كما أنّ الاعتقاد بأنّ المستوطنات والمخيمات للنازحين ستدوم فترة قصيرة فقط غالباً ما يمنع التخطيط على المدى البعيد على الرغم من احتمال تحوّل الوضع إلى أزمة ممتدة.

تُعتبر قلة الاستقرار التي ترافق النزوح والتمويل القصير الأمد والبلدان المضيفة المفتقدة للقدرة على الاستجابة بإنصاف والحدّ من التأثيرات البيئية المدمّرة، حواجزَ إضافية تحول دون التغيّر المنهجي في المسألة.

الحلول وشهية التغيير

على الرغم من العوائق السياسية والبنيوية والمالية والقدراتية أمام تطبيق أكثر شمولية لممارسات بيئية أفضل، تبقى التدخلات ممكنة من خلال التطورات في مجال الوصول إلى الطاقة النظيفة والملاءمة السياسية والاقتصادية المتزايدة والنماذج المالية المستندة إلى نظام دفع الاستحقاقات أولاً بأوّل والابتكارات التي تهدف إلى تلبية طلب اللاجئين للطاقة بأساليب غير تقليدية.

شكّل المتبرّعون والعاملون في المجال الإنساني في مخيميّ الزعتري والأزرق في الأردن الرمز المثالي لكيفية التعامل مع البيئات المضيفة وتلبية الأولويات مع تأمين فرص عمل تفيد النازحين.

غالباً، في الحالات التي لا تصل فيها شبكة الكهرباء إلى أحياء اللاجئين أو تكون غير مستوفية لشروط الاستثمار في أنظمة طاقة شمسية مرتبطة بالشبكة، يمكن استخدام أنظمة مستقلّة مزوّدة بمخزون لتأمين الطاقة وتلبية الحاجات الأساسية للنازحين، كما في حالة مخيم مام رشان للاجئين في شمال العراق.

تطبّق منظمة الهجرة الدولية برنامج توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية للجميع باستعمال الطاقة الشمسية وتزوّد النازحين بالمهارات التقنية للمحافظة على البنية التحتية (برنامج منظمة الهجرة الدولية للطاقة الشمسية).

إنّ التحالف العالمي من أجل أفران نظيفة كناية عن شراكة بين القطاعين الخاص والعام تخلق سوقاً مزدهرة للأفران النظيفة والفعّالة، ويعمل التحالف مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على أساليب تدخل ترتكز على الثقافة لتسريع حلول الطهي النظيف.

يمكن تأمين حلول على نطاق صغير مثل المصابيح العاملة بطاقة الجاذبية الأرضية Gravity Light وبرّادات "كولار" Coolar التي لا تحتاج إلى الكهرباء وأفران "الآيس وان" ACE 1 التي تعتمد على الطاقة الشمسية بسهولة عبر توزيعها أو عرضها في السوق المحلية للحصول على تأثيرات إيجابية.

تدرس المبادرات الأخرى خيارات مثل استخدام النفايات لإعادة التدوير للحدّ من التأثيرات البيئية.

الساحة السياسية خصبة، والاتفاق العالمي من أجل اللاجئين والمهجرين عملية سياسية مستمرّة لخلق تغيير شامل في إدارة الشعوب النازحة والحدّ من التأثير البيئي السلبي. يرمي هذا الاتفاق إلى تطبيق مقاربة المجتمع ككلّ على المخيم، بحيث يُستثمر في مصادر الطاقة المتجددة والشمسية لتؤمّن إطاراً للنازحين المندمجين في المجتمع وللمجتمعات المضيفة. يمكن لحلول الطاقة النظيفة أن تشكّل أداة أساسية لبناء السلام والتنمية في الأوضاع الدقيقة، لدى التعامل مع الحكومات المحلية لتلبية أهداف التنمية والحدّ من النزاعات على الموارد الطبيعية منذ بداية النزوح غير الطوعي الواسع النطاق.

في نهاية المطاف، على الأدلة الداعمة للتغيير والاستثمار أن تكون قوية لجمع الموارد ومعالجة التعقيدات الاقتصادية والاجتماعية والتباين الواسع النطاق في طلب الطاقة ضمن مجتمعات اللاجئين.

تشكّل أنظمة الطاقة الشمسية الباهظة الكلفة لدى تركيبها استثماراً خطيراً في مناطق النزاع أو المناطق في مرحلة ما بعد النزاع بسبب هشاشة وضعها، ولم يتحقّق هذا الاستثمار على نطاق واسع حتى الآن.

تُعتبر الأبحاث حول الجدوى الاقتصادية وتقييم الوضع من أجل الاستثمار، على غرار العمل الحديث من مبادرة الطاقة المتنقّلة ودراسات الباحثين في أكسفورد والمعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ أساسية لفهم كيفية ربط الحلول باستقرار اللاجئين.

مع تصاعد أهمية قضية الاستثمار، يمكن لوكالات المساعدة وشركات القطاع الخاص تشجيع آليات التمويل مثل صندوق المناخ الأخضر ومرفق البيئة العالمي وأرصدة الطاقة المتجددة من أجل تأثير ذي نطاق أوسع. بعد إدراك التأثير البيئي الهائل الذي تسبّب به النزوح القسري الواسع النطاق، أصدر البنك الدولي هبات وقروضاً محدودة المخاطر بقيمة 2 مليار دولار حتى 2020 لتلبية طلبات الحكومات المضيفة.

لا شكّ في أنّ المنافع البيئية والإنسانية للطاقة المتجددة واضحة. ثمة مصفوفات ضوئية جهدية مرنة ومحمولة لبيئات الأزمات الإنسانية. تضمن إزالة المخاطر ومعالجة القضية الاقتصادية باستدامة على المدى البعيد.

شمس أو بنزين

وسط تخبّط النازحين لإيجاد حلول طاقة أفضل، ومع ارتفاع مستوى الوعي بين المنظمات الإنسانية والدول المضيفة والسلطات المحلية حول المسائل البيئية، طرأت تغيرات ملحوظة تشجّع بدائل طاقة مستدامة، تحديداً طاقة شمسية نظيفة. يمكن لمس هذه التغيرات من خلال أدوات مفتوحة المصادر مثل "إيكيا" ومزارع الطاقة الشمسية التي تموّلها الحكومة الألمانية قرب مخيميّ الزعتري والأزرق للاجئين. في سوريا، يعاني الأطباء في عملهم، وسط الانقطاع المتكرّر للكهرباء، بالتالي قرّروا الاستثمار في ألواح الطاقة الشمسية في المستشفيات في شمال سوريا. أمّا في درعا في الجنوب، فقد بدأت المبادرات تثمر. قدّم خبراء آخرون مقترحات لتعزيز الاعتماد على الطاقة الشمسية في مشاريع إعادة البناء.

(صورة لمخيم الزعتري مُلتقطة بالأقمار الصناعية. المصدر: جوجل أورث)

في اليمن، أدّى الحصار على المساعدات الإنسانية وأزمة الطاقة الناجمة عن النزاع الدامي إلى إتلاف أنابيب الغاز وتعطّل محطات توليد الكهرباء. بالتالي، ارتفع الاعتماد على الطاقة الشمسية بشكل ملحوظ وبرزت مبادرات متزايدة لتشجيع الطاقة الشمسية وتعزيز الاستقلالية في مجال الطاقة. وصلت هذه الحركة التصاعدية في إنتاج الطاقة الشمسية إلى مناطق لم تكُن تنعم بالكهرباء. وفق تقرير للبنك الدولي صادر عام 2017، ستبلغ قيمة سوق الطاقة الشمسية في اليمن في الأعوام الخمسة المقبلة مليار دولار. في لبنان الذي يستضيف أكثر من مليون لاجئ، ارتفع الاعتماد على الطاقة الشمسية بنسبة 112%، وسط استمرار المناقصات لتطوير مزارع طاقة شمسية على نطاق أوسع.

لكن، لا يزال البعض يشكّك في منفعة الطاقة الشمسية لعملية إعادة الإعمار في المناطق التي تعيش مرحلة ما بعد النزاع في الشرق الأوسط، بسبب وفرة النفط الخام والمصالح المالية الواسعة للدول والأطراف التجارية التي ترغب في استغلال السوق بدلاً من الانتقال إلى الطاقة المتجددة.

(مستشفى باب الهوى على الحدود التركية السورية. المصدر: اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية- كندا بريس. والصورة تستخدم بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظة لأصحابها)

عملية إعادة إعمار أفضل وأكثر مراعاة للبيئة

استعرض هذا المقال تأثير النزاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الصحة البيئية للنازحين الذين يعيشون في المخيمات والأحياء العشوائية ورفاههم، نظراً للممارسات الملوّثة وظروف الحياة الخطيرة وغياب البدائل. كما حدّد المقال العواقب البيئية على المجتمعات المضيفة وعلى المحيط، مثل اجتثاث الغابات ورمي النفايات ونُدرة الموارد المائية، إذ تؤدي جميعها إلى تدهور المياه الجوفية.  بسبب حرق البلاستيك وإنشاء المخيمات قرب مواقع خطيرة، تواجه المجتمعات النازحة تحديات أمنية وصحية عديدة تزيد حالتها سوءاً. حدّدنا كيف أدّت بعض هذه التحديات إلى وضع مقاربات طاقة مستدامة وجديدة.

دفع غياب موارد الطاقة غير المستدامة مثل الوقود والخشب عدة جهات فاعلة في الشرق الأوسط، سواء كانت حكومية أو إنسانية أو من المجتمع المحلي، إلى البحث عن بدائل تغنيها عن التلوّث وعن مصادر الطاقة غير المستدامة.

على التطورات المستجدّة أن تحثّ الناس على التفكير في التأثير البيئي الأوسع للنزاعات على النازحين والمجتمعات المضيفة، ومن المهمّ التركيز على ما يمكن تعلّمه حول الردّ على هذه الأحداث بطريقة تنظّم إعادة إعمار البلدان التي أرهقتها النزاعات، ولكن بوسائل أفضل وأنجع وأكثر مراعاة للبيئة. في منطقة مليئة بالمشاكل المتعلقة بشحّ المياه والتلوث الناجم عن النزاعات والتصحّر وأنظمة الحوكمة البيئية الضعيفة، تُعتبر الحلول المبتكرة والمبادرات المحلية المراعية للبيئة أساسية لبعث مستقبل مليء بالأمل.

في سياق النزاع السوري، وفي غياب نهاية قريبة، ثمة فرصة ذهبية لدعم البلدان المضيفة لترك إرث من الطاقة المستدامة وحصد منافع بيئية جمّة. لكنّ الأمر لن يخلو من تحديات مالية وسياسية وتقنية.

سُلّط الضوء على هذه المخاوف في ندوات مثل جمعية الأمم المتحدة للبيئة، حيث تطرّق قرار رقم 2.15 حول حماية البيئة في النزاعات المسلّحة إلى مسائل متعلقة بالنزوح والتدهور البيئي من جرّاء النزاعات.

ركّز قرار الجمعية رقم 3.1 على التأثير المحتمل للتلوث الناجم عن النزاعات على النازحين. اعتمدت الدول القرارين، وقد حان الوقت لتحترم التزاماتها وتعمل على تطبيقهما.

يشكّل التوصل إلى طاقة نظيفة واستجابات مستدامة منذ بدء حركة النزوح سبيلاً لمساعدة سبعة ملايين نازح سوري في إعادة بناء حياتهم التي دمّرتها الحرب وفي المحافظة على حالة سليمة لمساكنهم المؤقتة.

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد