بين المنفى الخارجي والداخلي والمعتقل والمناطق "الآمنة" الخاضعة لسيطرة النظام تتوزع اليوم صبايا ونساء فريق "حرائر داريا"، بعيدا عن (داريا) التي احتضنت أغلب نشاطاتهم وآمالهم وأحلامهم وفعالياتهم، وهن يخضن غمار دربهم الطويل نحو الحرية، لنكون أمام تراجيديا المآلات التي وصلت إليها الانتفاضة السورية بين طغيان العسكرة وتوّسع إجرام النظام وقمعه وزيادة عدد المهجريين والمنفيين في الداخل والخارج، بما يعني ذلك من تضييق هامش العمل السلمي المدني الذي لا تزال "حرائر داريا" يعملن على توسيعه، مستغلات "الظروف المناسبة التي تحيط بهن لعمل ما يمكن من خلال الظروف المتاحة". فمن هن أولئك الحرائر اللواتي لا زلن ينحتن في صخر العسكرة والاستبداد، ويحلمن بالعودة وأن "يجتمعن كما السابق ويقمن بجميع النشاطات المدنية السلمية" كما تقول إحداهن لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold"؟
صبايا جمعتهن المظاهرات الأولى بشكل عفوي، إذ " لم نكن نعرف بعض كبداية وجمعنا التظاهر" في مدينة داريا المعروفة بنضالها السلمي المدني حتى قبل بدء الانتفاضة، حيث "قسم منهم مجموعة من الشباب والصبايا شاركوا بحراك مدني في 2003: تكنيس الشوارع، وخروج مسيرات من أجل حرب العراق، وتوزيع روزنامات للناس ضد الرشوة. وتم اعتقال عدد من الشباب، منهم: هيثم الحموي ويحيى الشربجي و معتز مراد وغيرهم".
أولى النشاطات التي جمعت الصبايا هي اعتصام "للمطالبة بخروج المعتقلين (نيسان 2011)، واعتصامات متتالية "عند المحكمة في داريا حيث شاركت أمهات المعتقلين وتم اعتقال عدد من النساء، مترافقا مع إطلاق النار على المعتصمين"، إضافة إلى المظاهرات الأسبوعية "في يوم الجمعة العظيمة والسبت الأسود كما دعيناهم لكثرة عدد المتظاهرين والناس الذين قتلوا ".
النشاطات هذه واللقاء شبه الإسبوعي عزّز العلاقة بين الصبايا، لتقرر حوالي خمسة عشر صبية إنشاء "تجمع خاص بنا كنساء" في الثلث الأخير من عام 2011 من ضم "عدة مجموعات تعمل كل منها بتخصص خاص، فمن النساء من لا تستطيع المشاركة في الشارع بحكم الوضع الاجتماعي، فكانت فكرة تشكيل المجموعات النسائية وضمها ضمن استراتيجية واحدة في التجمع لتحقيق الهدف المشترك وهو إسقاط النظام المستبد وإنشاء دولة المواطنة، فكانت دورات المواطنة والمقاومة المدنية".لتخضع االفتيات لدورات تدريبية، بعد أن كان مدربهن الأول هو الشارع والواقع السوري الذي تعلّمن فيه كيفية تنظيم التظاهرات وتوزيع المناشير وتقدير نوع النشاط الأهم وكيفية الهرب من أعين الأجهزة الأمنية التي تتربص بهن اعتقالا وقتلا.
وقسّمت النساء العمل بينهن: مسؤولة قسم الإعلام والعلاقات العامة تتواصل مع الناس، ومسؤولة النشاط المدني ومسؤولة التصوير الفوتوغرافي، حيث يتم التعاون فيما بينهن في جميع النشاطات الإغاثية والدعم النفسي"، لتجتمع كل تلك النشاطات وتوّثق على صفحة التجمع ليتخذ عملهن معنى أكثر فاعلية بعد أن قاموا "بتدريبات عن العمل المؤسساتي وكيفية عمل مؤسسة حراك مدني".
يصعب حصر النشاطات التي قامت بها النساء، إلا أنه يمكن التوقف أمام محطات مفصلية وذات دلالة تعكس الوعي المدني لتلك الصبايا اللواتي قمن بزيارة للمسيحيين "في داريا وأخذنا ورود للكنيسة في العيد وتم صنع شجرة ميلاد ووضع أسماء المعتقلين عليها لنؤكد على وحدة المدينة وترابطنا" وتوزيع بروشورات عن "العدالة الانتقالية و نبذ الإنتقام" مرفقة بـ"حوارات مع نساء من داريا حول رأيهم بموضوع الانتقام"، وفعالية "سوريا بالألوان" حيث تم رسم "لافتة ملوّنة وعلّقناها على حائط رئيسي في داريا، وقمنا بإلصاق أوراق ملونة وكتبنا عليها أسماء جميع الطوائف وعبارات تدعو لنبذ الطائفية ودعوة للحرية"، وصنع شجرة تضم أسماء المعتقلين وتجميع رسائل من أمهات المعتقلين وأطفالهن وصنع لافتة كبيرة منها ووضعها في الشارع ليراها المارة، ودعوة نساء من بيئات اجتماعية مختلفة كصحنايا مثلا، لحضور نشاطاتهم والمشاركة فيها لصد محاولات النظام بخلق فتنة طائفية، ونشاط " دعم نفسي لنساء تعرضن للاغتصاب من داريا من خلال الاستعانة بصبايا لديهم خبرة لحالات مماثلة، لإظهار الدعم لهن"، إضافة إلى التظاهرات وأنظمة التفريغ النفسي والمسرح التفاعلي للأطفال والإغاثة وتأمين حاجات الناس المحاصرين وتوزيع صحيفة عنب بلدي ودورات تمريض و إسعاف وتوزيع كتيبات عن المواطنة...
وكان في أذهان الصبايا الكثير من النشاطات التي يردن القيام بها لتمكين المدينة من الصمود، إلا أنهن اضطررن للخروج في 15/11/2012 بعد حصار المدينة، ليعدن في 1/1/2013 "حيث كان هناك عدد من العائلات المحاصرة التي تخاف الخروج، فقمنا بإحضار طعام لهم وقمنا بالطبخ للناس المحاصرين في الداخل، وقمنا بمظاهرة خلالها وعند خروجنا اعتقلت مجد" عن حاجز داريا لتبقى ستة أشهر، وكذلك اعتقلت "سوسن وغادة عن طريق كمين نصب لهن، وبقوا مدة عشرة أشهر خرجن بعدها عن طريق تبادل أسرى، وحاليا يوجد معتقلة رابعة من الحرائر نفضل عدم ذكر اسمها".
لم يبق اليوم من الصبايا الخمسة عشر إلا ستة. التي خرجت من السجن سافرت خارج سوريا حفاظا على حياتها، واثنتان "يعيشون في منطقة مؤيدة وهي آمنة نوعا ما، و "ريم" تواصل نشاطها بشكل فردي وتقوم بالعديد من النشاطات لتدعم المرأة وتهتم بحقوق المرأة وتطور نفسها في هذا المجال، واثنتان تقيمان بمصر وتقومان بنشاطات مع الأطفال وعملن مع مجموعة من الصبايا مجلة للأطفال، حيث تستغل كل منهن المكان الذي تتواجد فيه لتوسيع هامش العمل المدني الذي يضيق يوما بعد يوم، معاندات القدر والاستبداد، ولهذا "حتى المعتقلات في السجن قمن بأنشطة للنساء منها محو أمية والحياكة" لنكون أمام إرادة نساء يدركن كل العتم المحيط بهن، ولكنهن يشعلن شمعتهن وسط هذا الظلام، حالمات بالعودة والاجتماع مرة أخرى للقيام "بجميع النشاطات المدنية السلمية"، في مدينة غياث مطر ويحيي الشربجي: مدينة العنب البلدي التي قدّمت للسوريين أرقى وسائل النضال السلمي، ولعناصر الأمن الجيش الورد والماء حتى وهم يطلقون الرصاص عليهم/ن.