"نحن أناس معتدى علينا في حياتنا وفي حياة أحبابنا، ولم نعتد على أحد. وليس لأحد أن يظن أننا سنضع أيدينا على خدودنا وننتظر الفرج من سود القلوب. سندافع عن أحبابنا وعن أنفسنا بكل قوانا. ولن نتوقف".
هذا ما كتبه الكاتب "ياسين الحاج صالح" زوج المناضلة سميرة الخليل ورفيق درب كل من رزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي المختطفون منذ عام في الغوطة الشرقية، ردا على الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني "معاذ الخطيب" الذي دافع عن قائد "الجبهة الإسلامية" زهران علوش الذي يتهمه النشطاء باختطاف زملائهم، أو بتحمل المسؤولية السياسية على الأقل، إذ يقول ياسين: "على من تقع المسؤولية السياسية عن جريمة الخطف، يا شيخ، إن لم تكن على سلطة الأمر الواقع التي لم تحقق في الجريمة بعد مرور 8 شهور عليها؟ ثم حين بدأ تحقيق من قبل القضاء المحلي في دوما لا تتعاون معه جديا. فإذا لم تعمل سلطة الأمر الواقع على جلاء الجريمة، ورواغت وتهربت على طريقة النظام، ألا تكون محط اشتباه بأنها المسؤولة قانونيا عن الجريمة، أو على الأقل بالشراكة في المسؤولية مع الجناة؟ ولا تظن أننا نستنتج ذلك استنتاجا، فلدينا من القرائن والأدلة ما يكفي لترجيح شديد لمسؤولية علوش وجماعته".
وقد نشر ياسين على صفحته على الفيسبوك التهديد الذي تم وضعه أمام بيت رزان قبل اختطافهم بفترة، مرفقا بما يلي: "تهديد بالقتل وضع على باب البيت الذي كانت تقيم به رزان قبل وقت قصير من خطفها. كاتب التهديد معروف بالاسم اليوم، وهو موقوف عند القضاء في دوما. والمعلومات المتواترة تقول إنه كتب التهديد بتوجيه من مجلس الشورى في دوما، وهو الذراع الديني لجيش الإسلام، تبع زهران علوش"، الأمر الذي يشي بأن لدى أهالي النشطاء أدلة قوية على اتهام "علوش".
هذا الكلام الذي جرى على هامش الحملة المحلية والإقليمية والدولية التي نظمتها وشاركت بها مجموعة من التجمعات السياسية والمدنية والشخصيات الاعتبارية بمناسبة مرور عام على اعتقال النشطاء الأربعة، الأمر الذي يدل على أن العناد على الحق ومتابعة الحملات يوما بعد يوم بات سمة أساسية من عمل النشاط المدني السوري الذي أدرك بخبرته الطويلة أن السكوت عن قضية ما يعني موتها، لذا هم يعاندون كل الوقائع الضاغطة، لإبقاء قضيتهم حيّة، سواء كانت بمواجهة استبداد الأسد أو التنظيمات الإسلامية والجهادية الساعية لوراثته.
ضمن هذا السياق قام مسؤولو التواصل في المنظمة برسم غرافيتي يضم وجوه النشطاء الأربعة مرفقة مع الشعار الشهير "خاين يلي بيخطف ثائر" على جدران البيوت والمدارس والأماكن العامة، وفي الشوارع، وذلك في كل من الغوطة الغربية وريف حماة ودرعا واللاذقية ودوما التي تعتبر المعقل الرئيس لقائد تنظيم الجبهة الإسلامية المتهم الرئيس باختطاف النشطاء الأربعة، الأمر الذي يجعل من التحدي الذي أعلنه ياسين الحاج صالح أمرا مجسدا على أرض الواقع.
وعن سبب إحياء الحملة للمرة الثانية، قالت "شيرين الحايك" من مؤسسة "اليوم التالي" لـ حكاية ما انحكت أن "الهدف من إعادة إطلاق الحملة هو تماشياً مع إعادة إطلاقها عالمياً من قبل أهل وأصدقاء المخطوفين بعد مرور سنة على اختطافهم دون معلومات أو بوادر لإطلاق سراحهم، نحنا ما بادرنا بإعادة إطلاقها لكن شاركنا".
ضمن هذا الإطار قامت العديد من الأنشطة والفعاليات الداعية لكشف مصير النشطاء الأربعة، حيث نظم المنتدى الاشتراكي اعتصاما تضامنيا "مع رزان وسميرة ووائل وناظم وكافة المعتقلين والمعتقلات والمخطوفين والمخطوفات في لبنان وسوريا، يوم الثلاثاء 9 كانون الأول/ديسمبر 2014، في حديقة جبران خليل جبران بالقرب من مبنى الإسكوا، بيروت، الساعة الخامسة مساءً"، بمشاركة وتوقيع عدد من المنظمات والمؤسسات منها: حكاية ما انحكت، الحملة الداعمة للسوريين بوجه العنصرية، صوت النسوة، جدران بيروت، شبكة الصحفيات السوريات، جمعية درب الوفاء للمعوقين، الشعب السوري عارف طريقه، Main menu.
وفي باريس نظم مجموعة من أصدقاء النشطاء حملة تضامنية رفعوا خلالها صور النشطاء الأربعة وشعارات تحييهم وتطلب الحرية لهم، وتطالب المنظمات الدولية والجهات الفاعلة بالعمل على كشف مصيرهم، حيث شارك بها عدد من الفنانين والمثقفين السوريين منهم: سميح شقير، صبحي حديدي، سمر يزبك، هالة العبدالله، أسامة محمد، فاروق مردم بك..
رغم ما تلقاه الحملة والنشطاء الأربعة من تعاطف دولي واهتمام محلي كونهم رمزا للحرية ولما آلت إليه الثورة في نهاية المطاف، من كون أبرز نشطائها واقعين بين طرفي كماشة النظام والتنظيمات الإرهابية، إلا أن البعض وجه انتقادا لهذا الاهتمام المتزايد بهم على حساب غيرهم من المعتقلين، وهو الأمر الذي دافعت عنه "شيرين الحايك" عبر القول لـ حكاية ما انحكت بأن "الاهتمام الزائد تجاه بعض الأشخاص يبدو لأنهم معارف أو لأنهم مشهورين يأتي من رمزيّة القصّة، يعني اختطاف حدا متل رزان زيتونة اليوم يهدد النشاط العام بحقوق الإنسان ككل، وليس رزان وحدها"، معتبرة أن الأمر لا يغير من حقيقة أن "كل مختطف هو قضيّة ولا سكوت عن أيّ قضية حتى تنتهي"، مؤكدة أنهم في اليوم التالي يركزون على "جميع ما يمكن أن نصل إليه من معلومات عن المخطوفين والمغيبين قسرياً".
رغم ذلك، فإن التضامن مع أي معتقل أو مختطف هو يعني ضمنا تسليط الضوء على قضايا الجميع حتى لو لم يذكروا بالاسم، وإن عدم حضور أسمائهم لا يسأل عنه ناشطو الحملة وأهالي المختطفين بل أولئك الصامتين عن وضع قضية أبنائهم وأصدقائهم تحت الضوء بما في ذلك بعض المنظمات التي تنجر خلف شهرة المعتقل أحيانا.
ومن هنا فإن تنظيم الحملة المطالبة بإطلاق سراح المختطفون الأربعة للمرة الثانية يأتي ليدل على دور أهالي المعتقلين وأصدقائهم على جعل قضية أبنائهم حية وراهنة، وهذا ما يجب أن يفعله الجميع، أي أن يعلنوا التحدي كما أعلنه ياسين في بداية هذا المقال: وليس لأحد أن يظن أننا سنضع أيدينا على خدودنا وننتظر الفرج من سود القلوب. سندافع عن أحبابنا وعن أنفسنا بكل قوانا. ولن نتوقف.