في الشهر العاشر من عام 2011، أرسلت إحدى المجموعة المقاتلة ضد النظام في حمص إنذاراً إلى المناضل "محمد علي صالح"، كان عبارة عن أمر بالخروج من حي "الشمَّاس" في حمص، وإلا سيتم طرده بالقوَّة، ولم يكن ثمة سبب لهذا الإنذار سوى أن "صالح" شيوعي سابق، ومن "الأقليات"، عندها، لجأ أبو علي"كما يُكنَّى" إلى النشطاء في حمص القديمة، ومن بينهم "فراس الساروت" لكي يتدخلوا لدى أفراد تلك المجموعة.
سبق وأن قضى محمد علي صالح اثني عشر عاماً من حياته في سجن صيدنايا بسبب انتمائه إلى حزب العمل الشيوعي، تلك السنوات لم تشفع له بين –الشبيحة الجدد- الذين مارسوا أفعال النظام، غير أنه على الرغم من كافة الضغوط "النظامية والمعارضية" التي مورست عليه استمر في عمله الدؤوب، حيث لم يهدأ تنقله بين دمشق وحمص لإيصال المساعدات إلى العائلات المنكوبة، كما وقف منذ البداية بوجه المعارضة التابعة إلى أجندات خارجية، فقد كانت "أسوأ واجهة يمكن أن تكون لقيادة الثورة السورية" كما صرح في أحد لقاءاته الصحفية ، كما أنه "لم يكن لها برنامج سوري للأسف، بل برنامج تقسيمي، فلم يتبن المعارضون أهداف الثورة السورية، أوالخطاب السوري بل تبنوا خطاباً إقليمياً له حساباته المختلفة والبعيدة عن أهداف الثورة".
يروي محمد علي صالح مشهد اعتقاله عام 1988، فقد داهم عناصر من "فرع فلسطين" منزله بعد ثلاث سنوات من الملاحقة واقتادوه إلى الزنزانة رقم "9"، ولم يخرج من سجون النظام حتى عام 2000، مشهد الاعتقال هذا عاد وتكرر بحذافيره يوم الجمعة 23/10/2015، ففي الساعة الثالثة ظهراً، داهم عناصر من فرع المخابرات الجوية منزله في حي "الشماس"، واعتقلوه بعد أن صادروا كافة أجهزة الاتصال ومن ضمنها جهاز "الكمبيوتر" و"المحمول.
لن يختلف شيء على أبو علي صالح، كما يُكنَّى، المشهد ذاته، المعتقلون أنفسهم، شيء واحد بسيط تغير، ثمة حرب اجتاحت البلاد هذه المرة، ولن نتساءل عن رقم الزنزانة الجديدة، لكننا سنتساءل عن نوع قلة الحياء التي يتصف بها هذا النظام، فـ"صالح" لم يحمل سلاحاً، لم يتعاطَ مع جهة خارجية، لم يتفق مع مَن طالبوا بالتدخل الخارجي، ومن ضمنهم بشار الأسد الذي فتح الأبواب جميعاً للاحتلالات الروسية والإيرانية، لعل التهمة الوحيدة التي مارسها هي "الحرية"، وهي التهمة الحقيقية التي وجهها نظام الاستعباد ضد كافة معتقليه، كما نتساءل إن كان تشريد الملايين وقتل مئات الآلاف ودمار عشرات ألوف المنازل لم يكن كافياً لإشباع غريزة الخراب لدى هذا النظام، فاعتقل محمد علي صالح المناضل الذي كان وما زال سلمياً.
غير أن الكلمة، وكما علمتنا التجربة مع النظام المجرم، تشكل خطراً أكبر بكثير مِن مَن يحمل السلاح، لأن الفكر يربك الديكتاتور ويحشره في زاوية مظلمة لا يستطيع الخروج منها، الديكتاتور لا يمتلك أدوات يواجه بها الأحرار الحقيقيين، فهو لا يعرف غير لغة التنكيل والاعتقال والقتل، لكننا على الرغم من ذلك ننتظر خروج محمد علي صالح، ليحكي لنا عن تجربته الجديدة في بلاد لم تعد تتسع إلا للضحايا.