- مقدمة
في السابع عشر من آذار 2016، أسس رسمياً "النظام الفيدرالي الديمقراطي في روجافا - شمال سوريا" في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الكردي الديمقراطي (بي واي دي). بعد اجتماع ضم أكثر من 150 ممثل من الأحزاب الكردية والعربية والآشورية في مدينة الرميلان شمال شرق سوريا، حيث صوّت المشاركون لصالح اتحاد "الكانتونات" الثلاث التي تقطنها أكبر المجتمعات الكردية عدداً (عفرين، كوباني، الجزيرة) 1.
عبّر كلّ من نظام الأسد والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية عن معارضتهم لهذا الاعلان، في حين أعلنت كل من واشنطن )رغم دعمها لـ "بي واي دي"( وتركيا أنّهما لن يعترفا بهذا الكيان الفيدرالي. الشارع الثوري السوري أيضا وقف ضد الفيدرالية، كما ظهر جلياً من عديد اللافتات التي رفعت في مظاهرات يوم الجمعة الثامن عشر من آذار، وما تلاه، معتبرين إعلان الفيدرالية خطوة باتجاه الانفصالية والتقسيم.
وفق استبيان أجرته في تشرين الثاني من عام 2015 وكانون الثاني من عام 2016 منظمة اليوم التالي المدنية المستقلة، والمدارة من قبل سوريين، اتفقت الإجابات في مناطق سيطرة النظام (86.7%) ومناطق سيطرة المعارضة ( 67.4%) على رفض الفيدرالية، في حين كاد تأييد الفيدرالية أن يصل إلى الاجماع (79.6%) في مناطق الإدارة الذاتية ذات القيادة الكردية2. تظهر النتائج وجود شرخ عربي-كردي، وأن أحد أوّل مهمات أي نظام سياسي مستقبلي في سوريا هو التعامل مع "القضية الكردية"، رغم أنها ليست المطلب/المعيار الوحيد كما ستظهر هذه المقالة.
الهدف هنا هو فتح حوار حول نوع النظام السياسي، الذي يمكن أن يخدم مصالح الطبقات المهمشة بأفضل شكل، من أجل ضمان الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وأيضا في الوقت ذاته، يعالج القضية الكردية في سوريا. إذا، فهدف المقالة ليس التركيز على النظام الفيدرالي الحالي في روجافا، شمال سوريا، إذ يحتاج ذلك مقالة أخرى.
- القضية الكردية:
رغم وجود بعض الاعتراف بالقضية الكردية، فإنّ الغالبية العظمى من الأحزاب الكردية (وفعليا الأكراد في سوريا أيضا) ليسوا راضين عن نظرة غالبية الأحزاب السياسية العربية المعارضة للقضية الكردية، على أنها مجرد قضية جنسية حصراً.
بمعنى آخر، تعتقد المعارضة العربية أنّ الأكراد مواطنون سوريون عاديون، حرموا بعض حقوقهم، وأنّ المشكلة، بالتالي، هي مقتصرة فقط على مسألة مسح عام 1962، والذي نتج عنه حرمان حوالي 120 ألف كردي من الجنسية واعتبارهم أجانب. الأمر الذي تركهم، وأبناءهم بالنتيجة، محرومين من حقوقهم المدنية الأساسية، وحكم عليهم بالتفرقة والفقر3.
عند بداية الثورة في آذار 2011، كان هناك حوالي 250 ألف إلى 300 ألف كردي دون جنسية، يمثلون حوالي 15% من أكراد سورية المقدّر عددهم بمليوني نسمة. الغالبية العظمى من أحزاب المعارضة السياسية، لم تكن على استعداد بأيّ شكل، لاعتبار الأكراد "أمة" أو "شعب" منفصل، كمان أنهم ليسوا على استعداد أو رغبة بالاستماع لمطالب الفيدرالية واللامركزية الإدارية. المطالبة بنظام فيدرالي في سوريا، مطلب لما يقارب غالبية الأحزاب الكردية في البلد رغم اختلافاتهم وخلافاتهم السياسية.
علينا أن نستوعب أنّ مطالبة الأحزاب السياسية الكردية بنظام فيدرالي تعود جذوره إلى عقود من قمع الدولة، منذ الاستقلال عام 1946، على نطاق وطني (سياسات ذات تحامل شبه ممنهج ضد الأكراد، سياسات استعمارية في إطار "الحزام العربي" وقمع ثقافي على كافة المستويات). لكن أيضا كان لهذا القمع نتائج اجتماعية-اقتصادية، كما سنرى لاحقا في النص.
غالبية المعارضة العربية السورية لم تعالج أو حتى تقرّ بهذا الواقع، مكرّرة موقف النظام. اجتمع المجلس الوطني السوري المدعوم من تركيا وممثلين آخرين عن المعارضة في اسطنبول منتصف تموز 2011 لتأسيس "مجلس الانقاذ الوطني". انسحب الممثلون الأكراد من هذا المؤتمر احتجاجاً بعد أن رفض الممثلون الآخرون طلبهم لتغيير اسم الدولة من الجمهورية العربية السورية الى الجمهورية السورية.
رفض أوّل رئيس للمجلس الوطني السوري برهان غليون، المطلب الرئيسي للمجلس الوطني الكردي (وهو تحالف لأحزاب كردية مقرّبة من حكومة إقليم كردستان العراق) وهو الفيدرالية في سوريا ما بعد الأسد، مسميّاً إيّاه "وهماً". أغضب غليون الأكراد السوريين أيضا عندما قارنهم بالـ"مهاجرين في فرنسا" في تشرين الثاني 2011، في سياق اعتبرهم غرباء عن سوريا.
في كانون الأول 2011 عرض المجلس الوطني السوري الاعتراف بالأكراد كمجموعة عرقية متمايزة في الدستور الجديد، وحلّ القضية الكردية من خلال "إزالة القمع، تعويض الضحايا، والاعتراف بالحقوق الوطنية الكردية ضمن سوريا موحدة الآرض والشعب". لكن المحادثات بين غليون، ورئيس المجلس الوطني الكردي عبدالحكيم بشار، ورئيس كردستان العراق مسعود برزاني في إربيل في كانون الثاني 2012 انتهت بعقدة خلاف. سعى المجلس الوطني الكردي إلى لا مركزية "سياسية"، مما يعني استقلالاً رسمياً، لكن المجلس الوطني السوري رفض مناقشة أكثر من لا مركزية "إدارية".
في نهاية شباط 2012، علّقت كافة الأحزاب الكردية في المجلس الوطني السوري عضويتها (باستثناء حزب المستقبل الكردي برئاسة فارس تمو) وانضمت إلى المجلس الوطني الكردي بعد أن جدّد غليون التزامه بمناقشة اللامركزية الإدارية فقط.
ازدادت حدة التوتر بين المجلسين الوطنيين الكردي والسوري بشكل واضح بعد نشر بيان المجلس الوطني السوري "الوثيقة الوطنية: القضية الكردية في سوريا" في بداية نيسان 2012. استثنت الوثيقة الدلالات اللغوية المعترفة بالشعب الكردي ضمن سوريا التي كانت قد تضمنتها المسودة النهائية لبيان اجتماع "أصدقاء سوريا" الذي عقد في شباط 2012 بتونس. نتج عن ذلك انسحاب المجلس الوطني الكردي من محادثات الاتحاد مع المجلس الوطني السوري، واتهام تركيا بالتأثير الشديد على سياسات المجلس الوطني السوري.
رغم ذلك، انضم المجلس الوطني الكردي للائتلاف في 27 آب 2013. ومنذ مؤتمر المعارضة في الرياض في كانون الأول 2015 أصبح المجلس الوطني الكردي أيضا عضوا في الهيئة العليا للمفاوضات في جنيف. إلا أنّ ذلك لم يمنع استمرار التهجم والتعليقات الشوفينية ضد الأكراد بشكل عام من قبل أعضاء الائتلاف.
مثلا، في 29 آذار 2016 قال رئيس وفد المعارضة في جنيف، الجنرال السابق أسعد الزعبي، على قناة الأورينت الفضائية إنّ "الأكراد يمثلون 1% من السكان، ولم يرغبوا سوى بالحصول على أوراق رسمية خلال فترة رئاسة حافظ الأسد ليثبتوا أنّهم "بشر".
في الوقت ذاته، لم يقدّم الائتلاف أيّ ضمانات تتعلّق باحتمالية دولة فدرالية أو لا مركزية في سوريا المستقبل. على العكس، اعتبرت هذه الحلول على أنّها تضعف من وحدة ونزاهة الشعب والأراضي السورية، وهي لذلك غير مقبولة.
بالعموم، لا يمكن العثور على حل للقضية الكردية وسوريا الشاملة للجميع، تضم كل أطيافها، بدون اعتراف بالأكراد "كشعب" فعلي في سوريا وتقديم الدعم غير المشروط لتقرير المصير للشعب الكردي في سوريا وغيرها من الدول. هذا بالتأكيد لا يعني عدم نقد سياسات قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي أو أي حزب سياسي كردي آخر.
إنها وحدة الشعب السوري، شاملة العرب والأكراد على أسس برنامج ديمقراطي وشامل للجميع، يساعد على تحررهم أمام قوى الثورة المضادة للنظام الأسدي والأصولية الاسلامية.
إقصاء القضية الكردية من الحوار، لاعتبار أن ذلك سيؤدي للمزيد من الاتحاد ضمن المعارضة، ويقلّل من المشاكل هو في الواقع وصفة للانقسام، وعدم الثقة بين المكونات المتنوعة للشعب السوري.
- الظلم الاقتصادي-الاجتماعي
الجانب الآخر من اللامركزية أو الدولة الفيدرالية، مرتبط بإعادة توزيع الثروة والظلم الاقتصادي الاجتماعي في البلد.
لوضع الأمر في سياقه، لم تستفد الطبقات المهمّشة من النمو الاقتصادي في سوريا، والذي كان قد بلغ وسطيا 5% خلال السنوات التي سبقت بداية الانتفاضة4. على العكس، استمرّت حدّة التفاوت فيما يتعلق بالثروات بالازدياد.
على سبيل المثال، حسب تقرير لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، ارتفع مقياس عدم المساواة (معامل جيني) من 0.33 الى 0.37 بين عامي 1997 و 2004. بين 2003-2004 لم يساهم أفقر 20% بأكثر من 7% من إجمالي الانفاق، في حين غطى أغنى 20% نسبة 45% منه. استمر هذا الوضع بالتصاعد حتى مطلع الثورة.
النمو الاقتصادي خلال نظامي الأسدين تأسّس بشكل رئيسي على عائدات التأجير، معتمداً على عائدات تصدير النفط، والمعونات الاقتصادية على أساس مواقف سياسية 6 وتدفقات رأس المال بما في ذلك التحويلات. هذا النمو المعتمد على التأجير كان مناهضا للتنمية بشتى الطرق.
خلال حكم النظامين الأسديين، تمّ تشجيع الاستثمارات الحرفية والاستثمارات منخفضة الجودة في الخدمات، العقارات، المواصلات والمشاريع العائلية التي خدمت المصالح الخاصة عوضاً عن العامة7.
أظهر تقرير الأمم المتحدة آنف الذكر، أنّ معدل البطالة عشية الانتفاضة في آذار 2011 كان قد وصل إلى 14.9% حسب الأرقام الرسمية، وبين 20-25% وفق مصادر أخرى. وصل معدل البطالة بين الشباب إلى 48% وهو أكثر بست أضعاف من معدلاته بين الناضجين.
في عام 2007 - وفق ذات التقرير- وصلت نسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 33% أي ما يعادل حوالي 7 مليون نسمة. في حين كانت نسبة 30% من السكان فوق الحد تماماً. حتى اتحاد غرف التجارة السوري العام والمسيطر عليه من قبل النظام حذر عام 2009 أنّ "الأغنياء ازدادو غنى والفقراء فقرا (...)" وأنّ "صغار الكسبة الذين يمثلون 80% من الشعب السوري يبحثون عن عمل إضافي ليعيلوا أنفسهم8."
كان لهذا الارتفاع في نسب الفقر وعدم المساواة الاجتماعية آثاره الجندرية أيضا، على سبيل المثال كان معدل البطالة بين الشابات يقارب 4 أضعاف المعدل لدى الشباب في 20079. خسرت النسوة حوالي نصف وظائفهن بين عامي 2001-2007، في حين ازدادت هوة قدرة الحصول على عمل بين الجنسين في المناطق الريفية مقارنة بالمدينية10.
أرضت السياسات النيوليبرالية الطبقات الاجتماعية الأغنى في سوريا والمستثمرين الأجانب، خاصة من الممالك الخليجية وتركيا. حيث لم تكن هذه الدول على عداوة مع النظام السوري قبل الثورة، وكان ذلك على حساب الغالبية العظمى من السوريين، المتضررين من التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة في حين تمّ تقليص الخدمات والاستثمارات العامة (الصحة، التعليم، الإسكان) بشكل واضح11.
في هذا الإطار، تواجد فعلا ظلم مؤسساتي مناطقي قبل الانتفاضة في 2011، ازدادت حدته مع السياسات النيوليبرالية المتسارعة لنظام بشار الأسد. قبيل الانتفاضة، كانت نسبة الفقر في الريف (62%) أعلى منها في المدن (38%). كان الفقر أكثر انتشاراً وتجذراً ووضوحاً (58.1%) في الشمال الغربي والشمال الشرقي (محافظات ادلب وحلب والرقة ودير الزور والحسكة)، حيث يقطن 45% من السكان12. أكثر من نصف إجمالي البطالة (54.2%) تركز في المناطق الريفية.
بالإضافة لذلك، قبل بداية الانتفاضة الشعبية، كان توزع الأعمال التجارية الجغرافي على الشكل التالي:
توزع المؤسسات الصغرى على المحافظات (أقل من 5 موظفين)
- دمشق وريفها: 27.36%
- حلب 21.72%
- حمص 9.93%
- حماه 6.06%
- باقي المحافظات (10 محافظات) 34.93%
في حين كان توزع المؤسسات الصغيرة (بين 5 الى 14 موظفا) على المحافظات كالتالي:
- دمشق وريفها: 40%
- حلب 55%
- حمص 89%
- حماه 70%
- باقي المحافظات (10 محافظات) 46%13
تركزت الاستثمارات الأجنبية الخاصة أيضا في مدينتي دمشق وحلب في قطاعات غير إنتاجية (العقارات، السياحة، الخدمات كالمصارف وشركات التأمين) في حين لم تنل المحافظات الأخرى والريف أي نوع من التنمية أو توفير الخدمات.
إضافة لذلك، المناطق المسكونة من قبل الأكراد كالجزيرة في الشمال الشرقي، كانت المناطق الأكثر عرضة للإفقار في البلد. كانت الجزيرة المنطقة ذات النسب الأعلى في الأمية والفقر، حيث احتوت على 58% من السكان المفقرين وذلك من قبل موجة جفاف عام 2006.
في عام 2010 ارتفعت نسبة الفقر بوضوح لتصل إلى 80% من سكان الجزيرة، حيث كان أثر 4 مواسم جفاف متتابعة منذ 2006 مفصلياً لأعمال المزارعين والرعاة صغيرة الحجم14. بالإضافة لذلك، أنتجت الجزيرة ثلثي محصول الحبوب الوطني (و70% من القمح) وثلاثة أرباع الإنتاج الهيدروكاربوني. رغم تخلّف التنمية الصناعية في الجزيرة، وندرة المنشآت الصناعية فيها التي لم تتجاوز 7% من القطاع الكلي، بقيت هذه الأراضي مهمة. مثلا، 69% من القطن السوري ينتج في هذه المنطقة، إلّا أنّ 10% فقط من الخيوط القطنية تنسج فيها15.
بالطبع عانت كل المجموعات الإثنية في المنطقة من عرب وسريان-آشوريين وأكراد من التهميش الاقتصادي.
يوجد المزيد من الأمثلة عن عدم العدالة الاجتماعية المرتبطة بالمناطق التي يقطنها الأكراد قبل انتفاضة 2011. على عكس مناطق الطبقات العاملة غير المنظمة في دمشق، لم تزود أحياء زورافا بالمدارس أو المستوصفات العامة، في حين لم تتوفر العديد من الخدمات الأساسية الأخرى أيضا16.
في مدينة القامشلي، بقيت النواح الكردية تعاني بالمجمل من نقص مجاري الصرف الصحي ومياه الشرب والكهرباء، في حين تم تحسين وتطوير الأحياء المسيحية والعربية (رصف الطرقات، الكهرباء، إنارة الطرقات، جمع النفايات) في العقد الأول من الألفية17.
ستتوجب معالجة قضايا إعادة توزيع الثروة في المجتمع، وبين المناطق المختلفة في أيّ نظام سياسي مستقبلي في سوريا. من هذا المنظور، تبدو سياسات الائتلاف الاقتصادية إشكالية كونهم يدعمون نفس السياسات النيوليبرالية بخط مشابه لنظام الأسد، وبما يتنافى مع مصالح الطبقات المهمشة. علينا ألا ننسى أن الثورة الشعبية في سوريا بدأت نتيجة ظلم اجتماعي اقتصادي وفقر واسع الانتشار، بالإضافة إلى القضايا السياسية.
يجب ربط الظلم الاجتماعي الاقتصادي في المجتمع عبر مختلف المناطق مع القضية الديمقراطية، وبشكل أدق مع مشاركة المجتمعات المحلية في القرار الاجتماعي بكافة مستوياته: البلديات والمحافظات والدولة. إن تجارب المناطق "المحررة" والمجالس المحلية الشعبية هي من هذا المنظور أمر يجب المحافظة عليه في أيّ دولة ديمقراطية سورية مستقبلية. المشاركة من الأسفل للطبقات المهمشة في إدارة مجتمعاتهم على كل المستويات كانت إلى الآن أهم عناصر الثورة فعلياً.
وفق تقرير منظمة اليوم التالي آنف الذكر، يرغب السكان فعلاً بالمحافظة على هذه التجربة، كما نرى في دعمها لنوع من اللامركزية بطريقة "تتبنى إعطاء مهمات واسعة للسلطات المحلية، ويزداد هذا الدعم تحديداً في مناطق سيطرة المعارضة مقارنة بمناطق سيطرة النظام. يبدو أنّ غياب الدولة في مناطق سيطرة المعارضة ساهمت في زيادة تأييد اللامركزية، وانتشار رؤية إيجابية حولها (...) (خاصة) فكرة دعمها "للمشاركة في الحوكمة" تترأس قائمة ميزاتها."
- 4. الخلاصة:
يجب فعلاً أن تتضمن أسس أي سوريا ديمقراطية في المستقبل، التمكين الديمقراطي والاجتماعي للطبقات المهمّشة لإدارة مجتمعاتهم.
من هذا المنظور، قد تكون دولة لامركزية أو فيدرالية محتملة، الجواب الأفضل لبعض القضايا المتناولة في هذه المقالة، تحديداً باحترام مبدأ تقرير المصير للسكان الأكراد بتقديم مزيد من الوسائل والصلاحيات لإدارة شؤونهم من جهة، وبمحاولة تصحيح الظلم الاجتماعي المناطقي من جهة أخرى. من شأن هذا الخيار أن يدعم مشاركة المجتمع المحلي في صناعة القرار.
مع ذلك، لا يضمن مجرد تطبيق حكم فيدرالي أو لا مركزي تحقيق نظام ديمقراطي وشامل للجميع. يتعيّن فعلا على جميع الخيارات في سوريا، فيدرالية كانت أم مركزية أم غيره، أن تأخذ بالحسبان هذه القضايا ضمن إطار سياسي علماني يشجع على المشاركة من الأسفل للطبقات المهمشة، ويضمن الحقوق الديمقراطية والاجتماعية لجميع السوريين دون تمييز جنسي أو عرقي أو ديني. يعني هذا بالأخص منح الطبقات المهمشة الحق في التنظيم السياسي من أماكن عملهم ومجتمعاتهم وأحيائهم، لحماية مصالحهم.
القضية المركزية هي حماية حرية وكرامة الناس كما طالبت التحركات الشعبية منذ بداية الانتفاضة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في 2010-2011 بما فيها سوريا، ضد الأنظمة السلطوية والظالمة.
******
[الصور الأولى: تدعم الإدارة الذاتية في روجافا-شمال سوريا جهود إنشاء تعاونيات عمالية، مثل تعاونية مشغل الخياطة هذا في ديريك/المالكية بالحسكة – 3/12/2014].
المراجع:
1- على عكس تركيا والعراق، يقطن حوالي مليوني كردي في مناطق غير متصلة جغرافيا في سوريا. قبل الانتفاضة، سكن حوالي 30% من الأكراد السوريون في المرتفعات شمال غربي حلب، المعروفة بكرد داغ. منطقة عين العرب كوباني التي يدخل منها الفرات الأراضي السورية، كانت موطنا لحوالي 10% بينما عاش 40% في النصف الشمالي الشرقي من محافظة الجزيرة. استقرت البقية في أحياء مدن بمختلف المناطق السورية كضاحية حي الأكراد (جبل الرز) في دمشق. انظر
Gary C. Gambill, Gary C., “The Kurdish Reawakening in Syria”, in Middle East Forum, Vol. 6, No. 4 (2004). متوفر في http://www.meforum.org/meib/articles/0404_s1.htm
2- أجرى عشر باحثين مقابلات شخصية مع 1304 مجيب، تضمنوا 722 رجلا و582 امرأة. اختير المجيبون من مناطق جغرافية مختلفة في سوريا: 814 من مناطق سيطرة المعارضة، 167 من مناطق "الإدارة الذاتية الديموقراطية" ذات القيادة الكردية، 323 من مناطق سيطرة النظام.
3- تضمن المئة وعشرون ألفا الأكراد المصنفون على أنهم "أجانب" على بطاقات الهوية، الذين لا يملكون حق الاقتراع، التملك أو العمل بوظائف الدولة (ولكنهم مع ذلك غير معفيون من الخدمة العسكرية الإجبارية)، ومكتومي القيد الذين لا يمكنهم حتى التداوي في المشافي الحكومية أو تسجيل عقود الزواج، فهم غير معترف بهم رسمياً على الإطلاق ولا يملكون بطاقات هوية.
4- FIDA (2009), “République Arabe Syrienne, Programme d’Options Stratégiques pour le Pays”, p.1. Available at http://www.ifad.org/gbdocs/eb/98/f/EB-2009-98-R-22.pdf.
5- يتم حساب معامل جيني على أساس توزيع الدخل وهو المقياس الأكثر استعمالا لعدم المساواة. يتراوح المعامل بين الصفر، الذي يعكس المساواة التامة، وواحد، الذي يعكس عدم المساواة التامة.
6- مثلا، في قمة بغداد لجامعة الدول العربية عام 1978، والتي عقدت لمعارضة اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل، منحت سوريا 1.8 بليون دولار سنويا لمدة عشر سنوات لمكافأة "نضالها" ضد اسرائيل.
7- Matar, Linda, The Political Economy of Investment in Syria, (Palgrave Macmillan UK, 2015), p. 131.
8- Hinnebush, Raymond and Zintl, Tinti, “Syrian Uprising and Al-Assad’s First Decade in Power”, in Syria from Reform to Revolt Volume 1, Political Economy and International Relations, (Syracuse University Press, 2015), p. 293.
9- Aita, Samir (2009), “Labour Markets Performance and Migration Flows
in Syria”, p. 6. Available at http://www.economistes-arabes.org/Cercle_des_economistes_arabes/Samir_Aita_files/LMM%20Syria-%20Final%20version.pdf.
10- Idem p.3.
11- Matar, Linda, idem, p. 20; Goulden, Robert (2011), “Housing, Inequality, and Economic Change in Syria”, in British Journal of Middle Eastern Studies, Vol. 38(2), p.192; Perthes, Volker, Syria under Bashar al- Asad: Modernisation and the Limits of Change, (London: Adelphi Paper, 2004), p. 29.
12- FIDA (2009), “République Arabe Syrienne, Programme d’Options Stratégiques pour le Pays”.
13- Seifan, Samir, Syria on the path of economic reform, (Fife, Scotland, University of St. Andrews: Boulder, Lynne Rienner Publishers, 2010), p. 57.
14- United Nations (2011), “Report of the Special Rapporteur on the Right to Food, Olivier De Schutter”, p. 5. Available at http://www.srfood.org/images/stories/pdf/officialreports/20110121_a-hrc-16-49-add2_country_mission_syria_en.pdf.
15- Myriam Ababsa, “The End of a World, Drought and Agrarian Transformation in Northeast Syria (2007-2010)”, in Syria from Reform to Revolt Volume 1, Political Economy and International Relations, (Syracuse, NY: Syracuse University Press, 2015), p. 201.
16- Abboud C., “Les Quartiers Informels de Damas : une Ceinture de Misère”, in Dupret, B., Ghazzal, Z., Courbage, Y., et Al-Dbiyat, M. (dir.), La Syrie au Présent. Reflets d’une Société, (Arles, Sindbad: Actes Sud, coll. “La Bibliothèque arabe”, 2007), pp. 169-176.
17- Tejel, Jordi, Syria’s Kurds. History, Politics and Society, (New York: Routledge, 2009), p. 119.