بعد تكاثر الجرائم والانتهاكات والتجويع والخطف بحق أهالي مدينة الرقة من قبل تنظيم "دولة العراق والشام الإسلامية" المعروف بداعش، وسط تجاهل عربي وعالمي، اجتمع نشطاء المدينة وأطلقوا حملة "الرقة تذبح بصمت" بتاريخ 16/4/2014، بهدف إيصال "صوت الرقة الحقيقي ومعاناة هذا الشعب الذي يمارس بحقه أبشع الجرائم التي يقشعر لها الأبدان"، علما أن الحملة في جانب منها تأتي ردا على "تخلّي الفصائل العسكرية والسياسية عن الرقة وأهلها"، لنكون أمام "السبب الرئيسي في قيام الحملة"، وفق ما يقول أحد ناشطي الحملة لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
قبل إطلاق الحملة اجتمع الناشطون ووزعوا المهام فيما بينهم، فبعد إنشاء صفحة على الفيسبوك، استلم القسم الإعلامي ناشطون مهجرون قسرا إلى خارج المدينة لكي يتولوا مهمة الترويج، في حين تكفل من بقي منهم في المدينة بشكل سري بأعمال البخ على الجدران وتوزيع منشورات تحمل بعدا مناهضا للتنظيم من جهة، و رسالة توعية للسكان حول مخاطر التنظيم وإجرامه، خاصة أن التنظيم يتستر بالدين ويتغلغل بين "صفوف الشباب المراهقين الذين استمالتهم ( داعش) تحت الغطاء الديني الإسلامي، والإغراءات"، إضافة إلى قيام الناشطين في الخارج بالتواصل مع المنظمات الإعلامية والإغاثية و الطبية لشرح معاناة المدينة عن طريق الحملة.
وفعلا بدأ الشباب حملتهم بموعدها، لتتحول الحملة إلى ميدان صراع بين الناشطين والتنظيم الذي اعتقل أكثر من 50 شاب من المدينة بتهمة تواصلهم مع منظمي الحملة ، حيث تم إطلاق سراح بعضهم ولا يزال بعضهم في أقبية التنظيم، وتحوّلت دعوة الحملة لإضراب عام في المدينة إلى استعراض قوة بين الطرفين، حيث أقدم التنظيم على تجهيز "أكبر رتل لتنظيم البغدادي، وإخراج جميع أسلحته الثقيلة والمتوسطة والخفيفة وإخراج جميع معسكراته التدريبية القريبة من المدينة لتجوب أنحاء المدينة لإيصال رسالة مفادها أن من يشارك في الإضراب سيكون عقابه الموت"، حيث نفذ التنظيم تهديده فعلا وأعدم 12 شاب منهم الناشط الإعلامي "المعتز بالله إبراهيم"، وهو الأمر الذي زرع الخوف في نفوس أهالي المدينة، حيث كان العامل الاجتماعي وخوف الناس عائقا أمام الترويج للحملة في المدينة. إلا أنه رغم ذلك استطاع الناشطون كسر حاجز الخوف لدى الناس جزئيا عبر بروشورات التوعية التي حمل بعضها صور المختطفين والمقتولين على يد التنظيم، وتمكنوا من إخراج عدة مظاهرات في المدينة، غضافة إلى الكتابة على الجدران "داعش لا تمثلنا" و "جمعة تطهير الرقة من عصابة البغدادي".
أن يضع الناشطون أرواحهم على الأكف وهم يواجهون تنظيم الموت، يأتي بهدف إيصال رسالة للتنظيم وغيره من التنظيمات العسكرية والسياسية بأن ما خرج لأجله السوريين لم يمت "حتى ولو سعت بعض التنظيمات لاغتيال أو اختطاف رموز الثورة في محافظة الرقة وهذا ما عمدت إليه داعش لطمس معالم الثورة في الرقة"، مؤكدين تمسكهم بثورتهم "ما استطعنا إلى ذلك سبيلا"، ومعتبرين حملتهم "انطلاقة ثورة أخرى" تدعم ( إلى جانب الرقة) صمود بقية المحافظات "الواقعة تحت ظلم النظام وظلم داعش، حتى نبلغ هدفنا في إحياء الثورة التي يحاول تنظيم داعش إلى جنب النظام إخمادها" كما يقولون لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
موّل الناشطون حملتهم من جيوبهم الشخصية، ساعين لأن لا "يكون هناك أي شروط تفرض علينا من قبل أي جهة كانت"، رافضين أي تمويل مشروط و أية قيود يسعى الممولون لفرضها عليهم. ولهذا ربما اكتفت الحملة بنشطائها، إذ لم تشارك مجموعات أخرى فيها بشكل مباشر، في حين اقتصر "عمل بعض المجموعات على تضامنهم مع الحملة ومنها مجموعات عسكرية وسياسية وإعلامية".
رغم أن حملتهم في هدفها الرئيسي تأتي ردا على ترك الفصائل العسكرية للرقة تحت نير "داعش" إلا أن ناشطي الحملة يعلنون تعاونهم مع بقية " التنظيمات التي تقاتل النظام وداعش معا. نحن نعمل على تنسيق عالٍ بين العمل الإعلامي والعمل العسكري ونتواصل مع قادة التنظيمات هذه لرفع الظلم عن أهل الرقة خاصة وبقية المحافظات بشكل عام"، مؤكدين أن حملتهم هذه لا تأتي بمواجهة العمل العسكري لهذه الكتائب.
حملة "الرقة تذبح بصمت": هي صرخة بوجه الصمت المحلي والعربي الدولي، أطلقها ناشطو المدينة الذين تلتف مشانق التنظيم حول رقاب أصدقائهم واحدا واحدا بصمت من جهة، وهي "ثورة ثانية" تؤكد أن أهداف الثورة الأولى باقية بوجه التنظيم والنظام معا "ما استطاعو سبيلا".