بعد أن دُمرت سائر الأحياء المنتفضة في حمص، لم يتبقَّ سوى حي الوعر الذي لجأ إليه عشرات الآلاف خلال الأعوام الماضية، وبذلك أصبح هذا الحي حمص الصغرى، حيث تشكلت فيه سائر الأنشطة المدنية حتى في سنة الحصار من قبل النظام، والقصف والاشتباك بينه وبين الكتائب المعارضة.
ظهر التجمع المدني في حمص عام 2013، وتركز نشاطه على الوعر، لكنه لم يهدف إلى إسقاط النظام فقط، فهذا أمر مفروغ منه، لذلك انصب اهتمام التجمع على بناء سورية التي يحلمون بها، وكان أول ما اهتموا به تلبية الاحتياجات الأولية للناس، خاصة لأهالي المعتقلين والضحايا، ولأن ظروف الحرب فرضت قدراً كبيراً من التجاوزات بين الناس، فقد كانت الخطوة الأولى تأسيس مكتب حلِّ النزعات، وهو مكتب مستقل وغير تابع لأية جهة.
تعليم ورياضة:
الخطوة الثانية للمجلس انصبت على إعادة فتح المدارس في الوعر، فبسبب الأعداد الكبيرة للنازحين، حيث سكنت كثير من العائلات في مدارس الحي، فقام المجلس بتأمين مساكن للعائلات المقيمة فيها، ومن ثم إعادة تنظيمها لتصبح صالحة للتدريس، هكذا استطاع الأطفال العودة إلى مراحلهم الدراسية بعد انقطاع دام عاماً، فقد أعلن التجمع عن حملة أريد العودة إلى المدرسة، وذلك خلال أقسى مراحل الحصار الكامل عام 2014، وكانت النتيجة إعادة افتتاح تسع مدارس كما أفاد أبو فيصل الناطق الإعلامي باسم التجمع لـ (حكاية ما انحكت).
إضافة إلى التعليم المدرسي، فقد نظم التجمع ماراثون الحرية بمشاركة مئات الأطفال، وذلك بعد أن أعاد افتتاح ملعب الحسن ابن الهيثم بترميمه من دمار القصف، والذي أقيمت فيه أيضاً مباراة ودية بين ناديَيي الوثبة والكرامة في آذار 2015، لإحياء ذكرى لاعب الكرامة محمد كريم جبر الذي قضى برصاصة قناص تابع لقوات النظام، وطارق عنبتلي لاعب الوثبة الذي استشهد بمعركة تحرير إدلب.
رعاية المصابين
مع اشتداد القصف من قبل ميليشيات النظام المتمركزة عند الكلية الحربية، وقرية "المزرعة"، قام التجمع بتأمين أربعة ملاجئ ضخمة للمدنيين، لكنها لم تتسع لمئات آلاف المقيمين في الحي، ما أدى إلى إصابة مئات المدنيين، بعضهم بحالات إعاقة مستدامة، فتم تأسيس مكتب رعاية المصابين، ومهمته متابعة المصاب ورعايته نفسياً عبر تنظيم أنشطة ودورات تعليمية، بهدف إعادة دمجه بالمجتمع ورفع الروح المعنوية له.
فك الحصار
مع انتهاء المفاوضات بين اللجان الممثلة لمسلحي الوعر وقوات النظام في كانون الأول 2015، ووصولهم إلى اتفاق الهدنة الذي نص على دخول أو خروج من أراد من المدنيين، قام التجمع المدني بتنظيم هذه العملية عبر إنشائه معبراً عند دوار المهندسين في أول الحي، وإدارته لمكاتب خاصة بتسجيل أسماء من يريدون الخروج أو العودة، وكان التجمع قد نسق اجتماع مبعوثي الأمم المتحدة في الشهر الثامن من 2015 مع الأهالي، أما في ما يخص المواد الاستهلاكية والأدوية، فقد أنشئت لجنة تشرف عليها في المعبر المذكور، عبر إلغاء الضرائب المفروضة على دخولها، وترك أسعارها للتجار الموجودين في الوعر، وذلك للحفاظ على استقرار سعر صرف العملات والتداول بالعملة السورية.
إضافة إلى ما سبق، فقد أطلق التجمع حملات للزواج، وإحياء ذكرى مجزرة الساعة، ومظاهرات تضامنية مع المعتقلين والمدن المنكوبة، لاسيما مضايا، وبذلك اتضحت رؤية هذا التجمع، الذي طمح إلى إنشاء ما يشبه دولة مدنية في الوعر، ولم تكن الظروف القاسية وحدها ما دفعه إلى ذلك، بل النسيج المتنوع، فنزوح الناس من أحياء حمص شكل غنىً اجتماعياً وثقافياً ستظهر آثاره بشكل أكثر وضوحاً في المستقبل.