أنقذوا البقية: تهز المربع الأمني للاستبداد


18 كانون الثاني 2015

(عندما ترى دمشق هادئة، ساكنة، صامتة، حياتها تمضي كما كل يوم. تذكر أن تحتها تماما عالم آخر يسمى السجون.
عالم مظلم وحشي مؤلم، لاشيء فيه سوى الموت.
في ظلماته يعيش معتقلونا، يموت منهم الكثير ويبقى الأكثر ينتظر فجر الحرية.
لأجلهم أنقذوا البقية).

هذه ليست قصيدة شعرية قد تقرأها في ديوان شعر، أو عبارة قد تراها عيناك في كتاب يتحدث عن تجربة الاعتقال السياسي، بل عبارة كتبها ناشطون على قطعة مالية من فئة الخمسمئة ليرة ورموها في عشرة أحياء يقع بعضها في قلب المربع الأمني في دمشق، قائلين للدكتاتور وأجهزته الأمنية: ما زلنا هنا، باقون و مصممون على جعل عام 2015 عاما مربكا لكم، وذلك بعد أن ظن النظام أنه انتهى من السلمية في عقر داره الأمني، حيث وزعت المنشورات في مناطق: الميدان، باب سريجة، دمشق القديمة، الحلبوني، أبو رمانة، المهاجرين، المالكي، مشروع دمر، الفحامة، البرامكة.

عشرون ناشطا وناشطة لازالوا/ن في قلب العاصمة السورية وأريافها قرروا أن يعيدوا للسلمية دورها، الذي لم يتوقف بطبيعة الحال كلما استطاعوا لذلك سبيلا، منطلقين من تسليط الضوء على قضية المعتقلين في سجون النظام، رافعين الصوت ضد عملية الاغتيال البطيء الذي يتعرضون له: اغتيال يصل حدود المجزرة التي تنفذ بصمت مع معلومات تقول: "هل تعلم أنه بمعدل عشر شهداء يموت يوميا في سجون الأسد دون أن يعلم بهم أحد" كما يقول أحد المناشير ضمن حملة "أنقذوا البقية" التي أطلقت في بداية هذا العام وستستمر طيلة شهر لتسليط الضوء على قضية المعتقلين وجعل قضيتهم حاضرة، مذكرة أنه في شهر آب 2014 وحده استشهد حوالي 250 معتقل تحت التعذيب.

النقود التي وزعها الناشطون ضمن الحملة. المصدر: الإيفينت الرسمي للحملة على الفيسبوك
النقود التي وزعها الناشطون ضمن الحملة. المصدر: الإيفينت الرسمي للحملة على الفيسبوك

استخدم الناشطون تقنية النقود التي سبق أن استخدمها ناشطون سابقون تحت اسم "نقود الحرية"، ليسلطوا من خلالها الضوء على قضيتهم ويتمكنوا من لفت انتباه الناس، عبر اختيار نقود من فئة الخمسمئة ليرة سورية ليكتب على أحد وجوهها شعارات الحملة، الأمر الذي يحقق أمرين: حماية الناشطين وسهولة قيامهم بعملهم دون إثارة شك أحد، إذ ليس من المعقول أن يسألهم أحد لم تحملون النقود؟ خاصة أن الحالة الأمنية باتت صعبة جدا في قلب العاصمة السورية، ودفع الناس لقراءة المناشير بطريقة غير مباشرة، لأن قراءة منشور واضح قد يبعد الناس في حين أن التقاط ورقة نقدية مرمية في شارع قد تحقق الهدف أكثر من جهة، إضافة إلى إثارة انتباه الناس الذين شغلتهم صعوبة الحياة عن الاهتمام بشؤون المعتقلين وما يجري في البلد من جهة ثانية، إذ جاء المكتوب على الأوراق النقدية ليذكرهم بها ويحثهم على الاهتمام بما يجري من خلال شعارات مثل: " وليس كل ما تحت الأرض أموات في دمشق، فهناك المئات من الأرواح تنتظر من ينقذها".
ولزيادة التأثير وإحداث المزيد من الفعالية اختار النشطاء رسائل هربت بطرق سرية وخاصة من معتقلين لازالوا يرزحون في كنف ظلام الاستبداد، إذ تقول إحداها "ما فقدته ليس بمقدور أحد أن يعيده لي، فقد فقدت عمري ولحظاتي مع عائلتي, لقد فقدت أجمل وأرقى الأصدقاء الذين شهدت موتهم على يدي ، وبمحاولات يائسة لأنقذ أرواحهم ولكن الموت البائس سبقني إليهم، ووحشية السجانين كانت أقوى مني..."، ليتابع النشطاء قول:
هذه العبارة مأخوذة من رسالة أحد المعتقلين في سجون نظام الأسد والتي حصلنا عليها بصعوبة لخطورة الأمر. بينما تقرأ هذه السطور قد يكون صاحب الرسالة يتعرض للتعذيب أو للإهانة بينما يتضور جوعاً ويتأوه ألماً. فهو مايزال هناك في العتمة حيث لا يجرؤ أحد حتى على مجرد تخيل ما يحدث له".

ناشط يرفع القطعة النقدية وعليها الشعار. المصدر: الإيفينت الرسمي للحملة على الفيسبوك
ناشط يرفع القطعة النقدية وعليها الشعار. المصدر: الإيفينت الرسمي للحملة على الفيسبوك

أهم ما في الحملة أنها تأتي بمثابة تحدي واضح للنظام الأمني الذي ظن أنه أنهى النشاط السلمي، مركزا جل وقته على المعارك العسكرية الدائرة، وسعيا لإيصال الثورة إلى أن تصبح مجرد صراع عسكري بين نظام ومجموعات إرهابية فتأتي هذه الحملة لتقول له لا، مذكرة إياه بأن الحرية هي ما خرج من أجله السوريون، وأن المعتقلين الموجودين في سجونه دليل على ذلك، مصممين على أن لا يكون عام 2015 مثل الأعوام السابقة له، وهو ما عبروا عنه من خلال بعض اللوحات التي نشرتها صفحة "صوت المعتقلين" المشاركة في الحملة حين سلّطت الضوء بذكاء على الأمر من خلال لوحة لمعتقل في زنزانة وأمامه أعوام: 2011-2012-2013-2014 وهي تغص بالمعتقلين في حين أن 2015 لازال أبيضا كضوء الحرية، آملين أن يبقى كذلك وأن لا يعتقل أحد جديد، وأن يخرج من بقي حتى الآن.

https://www.youtube.com/watch?v=46vE_X-4bv8

الحملة التي تستمر لمدة شهر أطلقت فيديو خاص بها لتسليط الضوء على قضية المعتقلين، وتنوي تنظيم عدد من التظاهرات والفعاليات في عواصم عربية منها بيروت، حيث أعلن عن وقفة للتضامن مع المعتقلين في ساحة سمير قصير في بيروت في السادس والعشرين من الشهر الحالي، حيث تطالب الحملة المؤسسات والمنظمات الدولية بالسعي لإطلاق سراح المعتقلين وكشف مصيرهم وإلغاء المحاكم العسكرية ومحاكم الإرهاب و محاسبة ومحاكمة كل من قام بأفعال الاعتقال والتعذيب والضغط على النظام لإرسال لجان تفتيش إلى المعتقلات السرية والعلنية وتقديم الرعاية الصحية والطبية وكشف أماكن المختفين قسرياً ومصيرهم، والإفصاح عن أماكن دفن المعتقلين المتوفين تحت التعذيب.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد