كفاح علي ديب: رمز من رموز الثورة السلمية


07 شباط 2013

 حين اندلعت الانتفاضات العربية في مصر وتونس وليبيا، كانت الفنانة التشكيلية كفاح علي ديب من أوائل المنخرطين في التظاهرات المتضامنة مع تلك الثورات أمام سفارات هذه البلدان، إذ نشطت هي ومجموعة من الشباب السوري في ترداد أغاني الشيخ إمام و شراء الشموع وإشعالها أمام السفارات تضامنا مع شهداء الثورات، وتحديا لأجهزة الأمن السورية التي كانت تستعرض عضلاتها الأمنية بمواجهة المتضامنين، لأنها تدرك بحواسها الأمنية وقرون استشعارها المدربة على التقاط ذبذبات الحرية أن هؤلاء الشباب يتضامنون مع انتفاضات البلدان المجاورة بحثا عن شعاع نور يمكّنهم من كسر حاجز الاستبداد هنا، إذ لم تتح فرصة لهم للإشارة إلى توقهم للحرية و ما يبتغون إلا واستغلوها، وهو ما جرى حين رفعوا شعار " خاين يلي بيقتل شعبو" أمام السفارة الليبية، تضامنا مع الشعب الليبي الذي كان القذافي بدأ يقصفه بالطائرات، وردا على سلطات هنا تتربص بهم على مبدأ " احكي يا جارة اسمعي ياكنة".

تقول كفاح علي ديب عن هذه التظاهرات أنها " لأجل كسر حاجز الخوف عد السوريين، و بروفة لتعويد الناس على رؤية ناشطين في الشارع يقولون رأيهم دون خوف من السلطات"، وعما إذا كانت تتوقع حدوث شيء في سوريا، تقول كفاح: " كنت واثقة ومؤمنة أنه سيحدث شيء في سوريا، بل كنت أبحث عن أي نافذة أمل يمكن النفاذ منها لإشعال الثورة"، التي ما إن اندلعت في الخامس عشر من آذار حتى نشطت  في كل التظاهرات التي كانت تتمكن من التوصل إليها، من منتصف دمشق العاصمة، حتى أقاصي الريف والمدن الكبرى، من ساحة عرنوس في وسط العاصمة دمشق، إلى القيمرية إلى القابون إلى اعتصامات عرنوس وساحة المحافظة وساحة سوق المواسم في الفحامة في قلب العاصمة دمشق، إلى عزاءات الشهداء التي بدأت تنتشر في كل المدن السورية بعد أن صعد النظام حله الأمني والعسكري حيث أضحى الموت علامة يومية في المدن السورية. وهنا تابعت كفاح ديب عملها في توسيع أطر التظاهر السلمي، والـتأكيد على الوقوف إلى جانب عوائل الشهداء، والأهم من ذلك إفشال مخطط النظام في جعل الأمور تفقد نطاقها الوطني باتجاه الطائفية، حيث كانت تصر دوما على الذهاب إلى مناطق التوتر برفقة أصدقاء لها من كل الطوائف، لتؤكد لهم أن هذه الانتفاضة هي لكل السوريين، وعلينا أن نحافظ عليها كذلك، وقد نجحت حينا وفشلت حينا آخر، و لكن فشلها لم يجعلها تركن لليأس بل ثابرت على العمل، إيمانا منها بأنه " أن تشعل شمعة خير من أن تلعن هذا الظلام( أو النظام.. لا فرق!)، حيث تقول:" أنا لم أذهب إلى أي منطقة للتضامن معها من منطق طائفي، بل من منطق إنساني وطني سوري".

https://www.youtube.com/watch?v=jhiTtCD6F-M

ضمن نشاطها السلمي اعتقلت كفاح أكثر من مرة، إذ أوقفت في تظاهرة عرنوس لساعات ثم أخلي سبيلها، وفي الجناز الذي حاول أصدقاء "شهيد الطائفة السينمائية" باسل شحادة إقامته له، وتم منعه، اعتقلت لساعات نتيجة إصرارها على أن تؤدي هي ومجموعة من الشبان الشجعان الواقفين في عين الردى، أمام أعين أجهزة الأمن الراصدة لهم، أغنية موطني موطني، فضاق بهم الوطن، لأن موطن كفاح ورفاقها حيث الحرية والمساواة والعدل، غير موطن أولئك الراصدين لهم، حيث العار والقتل والسجن والتشبيح والواسطة والتوريث. وثالث اعتقال لكفاح التي لها من اسمها نصيب كبير، كان الثالث حين اعتقلت من قبل أجهزة الأمن على اوتوستراد المزة مع رفيقها رامي الهناوي المعتقل حتى هذه اللحظات.

صورة للمعتقل رامي الهناوي مع الناشطة كفاح على ديب ... المصدر : حصلنا عليها بشكل شخصي
صورة للمعتقل رامي الهناوي مع الناشطة كفاح على ديب ... المصدر : حصلنا عليها بشكل شخصي","title":"..... EN

على خلاف الكثير من رفاقها الشبان المنخرطين في الانتفاضة، أدركت كفاح أهمية التمثيل السياسي والعمل السياسي، وأن يكون للانتفاضة أفق سياسي تسير بهديه، و أن ينتج الشباب مشروعهم السياسي في نهاية المطاف، لأجل إحياء المجتمع السياسي الذي التهمته السلطة ودمرته على مدى عقود، لذا انضمت إلى حركة معا التي شكلها المعارضون منذر خدام ومنذر بدر حلوم وثائر ديب وعلي رحمون وثائر موسى وعزة البحرة وغيرهم، وبعض أن انضمت الحركة لـ هيئة التنسيق الوطنية كانت كفاح من أوائل المنخرطين بين نشاطاتها، لتصبح عضو تنفيذي في الهيئة، إلى جانب مناضلين كبار مثل عبد العزيز الخير ومحمد سيد رصاص و حسن عبد العظيم غيرهم، إضافة إلى أنها ممن التقاهم المبعوث الدولي كوفي أنان في بداية بعثته، حيث تم توثيق اللقاء والشهادات التي أدلت بها، إضافة إلى التقائها أكثر من مرة مع االمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، وشاركت في مؤتمر الإنقاذ الذي عقد في دمشق بتاريخ  وألقت كلمة هذا نصها.

صورة للمناضل عبد العزيز الخير و الناشطة كفاح ديب
صورة للمناضل عبد العزيز الخير و الناشطة كفاح ديب ","title":"..... EN

وبعد أن بدأت المظاهر المسلحة تعلن عن نفسها عبر تشكل كتائب الجيش الحر، كانت كفاح من أوائل المحذرين من مخاطر ذهاب الثورة إلى التسلح، محاربة هذا الاتجاه وساعية لتقوية الخيار السلمي وإبقاءه الأساس، حيث حاربت على كل الجبهات، جبهة النظام الذي يتوعدها بالسجن وقد فعل، وجبهة المعارضة التي بدأت تتفشى بها لغة التخوين، ولكنها مع ذلك خاضت حربها على الجهتين، عبر توسيع أفق النضال السلمي ( مظاهرات، توزيع مناشير، قطع طرق، تحريض على الإضراب..) وعبر مواجهة الشباب الذين تخلوا عن خيار السلمية باتجاه السلاح، وذلك عبر الحوار والحوار فقط، إذ لم يكن من سلاح بيدها سوى الكلمة واللوحة التي ترسمها بكثير من الحب والشغف.

حين بدأ النظام سياسة الأرض المحروقة، وبدأت أفواج اللاجئين تغزو دمشق و الضواحي التي كانت آمنة نسبيا، كانت كفاح، وأصدقائها من أوائل المنخرطين في عملية تأمين اللاجئين وتسهيل حصولهم على المعونات، حيث نشطت هي وزميلها الذي اعتقل معها رامي الهناوي وزيدون الزعبي في إغاثة المحتاجين والمتضررين من الأهالي، ليطلق عليهم الأهالي لقب " كرز" ( الحرف الأول من اسم كل منهما)، ليكون خير معبر عن الشبان الثلاثة الذين ينتمي كل منهم لطائفة مختلفة عن الآخر، حيث قرروا العمل في الإغاثة ومناصرة الانتفاضة والعمل على موضوع السلم الأهلي، حيث يقول زميلهما زيدون : "رامي وكفاح معروفان جداً في دمشق وريفها وحمص ودرعا، لم ألتق بمن في شجاعتهما ومجازفتهما في البذل كرمى لقضية السلم الأهلي ومناهضة الطائفية، كنا ثلاثتنا سوية في الثورة، والناس يثقون بنا ويقولون إنه عندما يجتمع سني ودرزي وعلوي لتشكيل وحدة وطنية من خلال حبة كرز فاعلة على الأرض فإن الدنيا لا تزال بخير.. وتميز فريقنا بأننا من طوائف مختلفة وسيرة مهنية مختلفة، ونعمل لمصلحة البلد، شكلنا سوية فريقا توافقت أهدافه على الإغاثة، ونعمل يوميا من خلال الإغاثة على نشر فكر التسامح ونبذ الطائفية بغض النظر عن المهن التي نعمل بها أو الشهادات التي نحملها". وتقول كفاح عن تجربتها في كرز أنها تتمنى أن " يتاح لي يوما فرصة الكتابة عن تلك التجارب التي عشناها واختبارناها خلال نشاطنا في كرز، لأنها غنية بالمواقف الإنسانية والوطنية"، حيث قام فريق كرز بالعديد من النشاطات المدنية والسلمية، بدءا من التظاهر وليس انتهاءا بأعمال الإغاثة والإسعاف ومداواة الجرحى.

لاتزال كفاح ديب تنتظر حرية بلادها، مشرقة، مفعمة بالأمل، مصارعة على كل الجبهات، ومناضلة لأجل أطفال سوريا، وحين تفتر عزيمتها تذهب نحو عوالم الخيال، نحو "شما" بطلة مجموعتها القصصية "نزهة السلحفاة" التي فازت بالمركز الأول بجائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال أدب الطفل، لتشحذ بعض الأمل الذي إن لم تجده تخترعه مخيلتها الخصبة بالألوان والحب.

 

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد