إذا كان الثلج في كل دول العالم يوفر لمن يحط في أرضهم فرصة للترحيب به والابتهاج بقدومه، خاصة من قبل الأطفال الذين يتأهبون الفرصة لبناء رجل الثلج المعروف الذي يداعب خيالات الأطفال وأحلامهم الجميلة،
إلا أن أطفال سورية هذا العام والسوريون عموما كان لهم قصة أخرى مع الثلج الذي باغت بلادهم في الوقت الذي تدخل الانتفاضة ضد النظام المستبد شهرها الثاني والعشرين في التاسع والعاشر من شهر كانون الثاني 2013، حيث غطت الثلوج معظم المناطق السورية بما في ذلك العاصمة دمشق، والتي نادرا ما يهطل فيها الثلج.
الناشطون السلميون وجدوا في الثلج فرصة متاحة للتعبير عن رفضهم للنظام القائم، مبدعين من خلاله أشكال ونشاطات بكر في محاولة لإثبات أن الانتفاضة مبدعة في أحد جوابنها، ردا على خطاب الرئيس السوري الأخير الذي اتهم الانتفاضة بأن لا مفكرين لها ولا مبدعين، مثبتين بذلك زيف هذه الاتهامات من جهة، ومؤكدين قدرتهم التي لا تنضب على ابتكار أساليب سلمية تتحدى عنف السلطة التي تراهن على إخماد الحراك السلمي بمواجهة إصرار الناشطين السلميين على إبقاء جذوة التحدي قائمة، وهذا ما أثبتته نشاطاتهم "الثلجية.
اختار أحرار بلدة القدموس التابعة لمدينة بانياس الواقعة ضمن محافظة طرطوس، أن يبنوا رجال ثلج كل منهم يحمل لافتة مكتوب عليها "ارحل" بكلمات متعددة تحمل المعنى نفسه، نسبة للكلمة التي يلفظها أهل كل منطقة في سوريا بتعبير مختلف عن الآخر في دلالة على وحدة السوريون وإن تعددت لهجاتهم ولغاتهم، وقاموا بتصوير " التظاهرة الثلجية"، وإنزالها على صفحتهم على الفيسبوك مرفقة بالعبارة التالية المتحدية والجميلة والمبدعة في آن، لتلخيصها رحلة الماء من تبخره من المحيطات إلى السماء ليصبح غيوما تجرها الرياح وتحولها ثلوجا تهطل فوق دمشق لتقول للطاغية: "ارحل"، إذ كانت العبارة: "من المحيطات طلعنا.. برياح المؤامرة تأثرنا وبالقدموس تظاهرنا .. وبدنا نسقطك حتى لو نارك رح تدوبنا" .
وأرفقت نفس الصفحة صورة لخريطة سورية مرسومة بالثلج وتخرج منها لافتة مكتوب عليها: "ما بدنا تلج.. بدنا بيت دافي يحضن طفل نازح" في إشارة واضحة إلى المعاناة التي يعانيها النازحون السوريون في الداخل وفي مخيمات اللجوء في الخارج حيث يواجهون البرد وحدهم.
صفحة أحفاد الكواكبي المسماة بهذا الاسم نسبة للمفكر السوري "عبد الرحمن الكواكبي المعروف بكتابه الشهير" طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" والذي يعتبر من أهم المراجع العربية في مسألة الاستبداد، رغم أنه كتبه بمواجهة السلطات العثمانية قبل قرن من الزمان، اختارت أن تتفقد أحوال الشهداء في ظل الثلج، حيث قامت بنشر صورة لقبور شهداء الانتفاضة السورية وهي مغطاة بالثلج مرفقة بعبارة: " قبور شهداء الثورة السورية في حمص..بياض عل بياض"، وعبرت بعض الصفحات عن الحالة السورية من خلال لغة التحدي، حيث رجل الثلج يحمل علم الاستقلال و لافتة مكتوب عليها ارحل أو كلمات انكليزية تدل على نفس المعنى كما يوضح هذا الفيديو من بنش. واختار آخرون التعبير عن تحديهم للنظام وسخريتهم منه، من خلال المزج بين كلمة ارحل وبعد الرسوم على الثلج، في دلالة على التحدي، حيث عبارة ارحل مرفقة بحذاء.
أهالي مدينة بنش بدورهم اختاوروا رسم رجل الثلج وهو يحمل علم الاستقلال مرفقا بعبارة " بنش" في دلالة على استبدال لافتات النظام بلافتات الثورة، و اختار المحامي المعارض "ميشيل شماس" المعروف بدفاعه عن كل سجناء الرأي في سوريا، حيث يتابع قضاياهم في المحاكم، بإنزال صور لدمشق وهي مكللة بالثلج، مرفق بعبارة: "رجل الثلج في دمشق الصور الأولى للثلوج في أحد شوارع دمشق ولأول مرة منذ أكثر من عشرين عاماً يشاهد رجل الثلج في شوارع دمشق نرجو أن يكون خيراً وسلاماً على شعب سورية".
بعض الناشطين اختاروا الحي الذي يوجد به منزل الرئيس السوري في حي المهاجرين، مغتنمين فرصة الثلج للخروج في مظاهرة صغيرة وطيارة في الحي. في حين اختار أطفال مدينة تلبيسة في حمص المحاصرة من شهور طويلة بناء رجل ثلج على أنه " الرئيس الأسد" وعمدوا إلى رجمه بكرات الثلج.
https://www.youtube.com/watch?v=ybB3wSqF3_w
وإلى جانب ما سبق، حوّل الناشطون السلميون صفحاتهم لتناقل الأخبار وكتابة العبارات التي تربط بين الثلج ورفض النظام القائم، حيث كتبت الناشطة ميليا عيدموني: "الله.. سوريا.. تلجاتنا وبس" في رد غير مباشر على شعار النظام " الله.. سوريا .. بشار وبس". وكتبت الممثلة وقائدة فرقة "ليش" المسرحية"نورا مراد": "الأبيض يغطي الأحمر ..يعيد له حرارته.. يفتح له طريقا نحو الجذور .. حتى ينبت من جديد ..وردا حارا حرا"، في ربط واضح بين الثلج الأبيض الذي غطى دماء الشهداء لتنبت وردا حارا.
أما الناشطة السلمية وعضو المكتب المركزي لهيئة التنسيق الوطنية "كفاح ديب"، اختارت من جانبها التركيز على أن الثلج وحد السوريين، حيث تسرد مشاهد لطفل ضرب عسكري تابع للنظام بالثلج قائلة: "صباح الخير .. والله محيي التلج اللي جمّع ووفّق، في حديث صباحي مع أصدقاء في درعا يروون لي .. كفاح كل العالم نزلت تلعب بالثلج ، حتى العساكر يلعبون، المدنيين يلعبون بجهة ، والعساكر بجهة، بعد قليل صارو ا يرمون كرات الثلج على بعضهم، تقول صديقتي أحد الأولاد ضرب عسكري بكرة ثلج فأصابه، راح العسكري يركض وراء الولد ممسكاً بكرة ثلج كبيرة ، تفشكل الولد ووقع، توقف العسكري ولم يضرب الولد بعدما وقع، قام الولد وعاد يركض وراء العسكري، "وهيك صارت المصالحة"،، كثير من الأصدقاء يقولون: كفاح ليش بالضلي تحكي هيك قصص؟! شو انسيتي انو هالعساكر هنن اللي عم يقتلوا ،، تفادياً لهذا السؤال أقول أولائك العساكر ضحية،،نعم ضحية،، ضحية من زجهم في معركة ليست معركتهم ،، وضحية طرف ثان لم يدرك الطريقة المناسبة لاستقطابهم، يارب تصير قلوب السوريين بيضا متل هالتلج لمغطي الشام .. وصباح الخير".
واستحوذت أحوال السوريين وأوضاعهم في هذا الجو البارد على تفكير عدد آخر من الناشطين حيث اختار بعضهم رصد أحوال السوريين في هذه الأوقات الصعبة في ظل غياب وقود التدفئة وانقطاع الماء و الكهرباء، حيث اختار ائتلاف اليسار السوري التذكير بأوضاع السوريين، مرسلا نداءا عبر صفحته جاء فيه: "نداء لكل السوريين..إذ تمر العاصفة الثلجية الشديدة على أهالي سورية، فإن مسائل البرد والفقر والحاجات الأولية تعلو على كل ذلك، لنعمل على فتح كل المساجد والكنائس ومختلف الدوائر الرسمية والفنادق الخاصة ومختلف أماكن النشطات والصالات وغيرها، لكي تحتضن كل الذين لا بيوت لهم أو أن أماكنهم لا توفر الظرف المناسب، من أجل تجاوز هذه الأيام العصيبة؛ فهناك أكثر من خمسة ملايين شخص بأمس الحاجة لكل شكل من أشكال المساعدة: العينية والمساكن والأموال والأدوية والأغطية. نعلم أن الكثير قد قدم ما يستطيع، ولكننا نطالبكم بالمزيد أيضاً، فسوريا منكوبة الآن والعاصفة قوية ومخيفة؛ وهناك مئات آلاف المرضى والأطفال والمصابين وكبار السن، لكل ذلك نأمل بالسوريين الذين كانوا دائماً معطائيين، قبل الثورة وأثنائها، إلى مساعدة ملايين المتعبين الذين يحتاجون الآن إلى لحظة دافئة.
ورصدت كاميرا بعض الناشطين الأطفال وهم يقومون بجمع الثلج وتذويبه لتحويله إلى ماء في ظل انقطاع الماء، في حين رصدت كاميرا أخرى أطفالا وهم يبحثون تحت الثلج عن بعض الأخشاب وبقايا الأشجار بغية التدفئة عليها، في محاولة لتسليط الضوء على الأوضاع التي أوصل نظام الاستبداد الشعب السوري لها، سعيا منه لإرضاخ شعب لم ينحني للطاغية، متحديا والبرد والثلج و آلة القتل العمياء والجوع، مصرا على أن يقول للطاغية حتى رجال الثلج يقولون لك:" حتى أنا بدي الحرية".