حكاية الثورة السورية مع الخارج حكاية طويلة ومعقدة ومربكة، فيها من الألم ما يفوق الوصف، وفيها من التحدي والعنفوان ما يجعل المرء ينحني لقوة هذا الشعب وأسطوريته الذي لم يزل رغم كل " الطعنات" التي تلقاها، مصرا على مقاومة آلة العنف الجهنمية وإسقاط الاستبداد في سبيل الدولة الوطنية الديمقراطية رغم مرور سنتين.لم يكد ينفض مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي انعقد في روما بنسخته الخامسة في 28 فبراير 2013، والذي انتهى بإعلان وزير الخارجية الأمريكي " جون كيري" تقديم بلاده مساعدات بقيمة 60 مليون دولار "لا تشمل أسلحة قاتلة"، حتى تلقف الناشطون عبارة كيري تلك، ليعبرروا عن سخطهم على المجتمع الدولي وحكومات العالم التي تتفرج على قتلهم،
وتعجز عن رفع آلة القتل عنهم، محولين سخريتهم ونقمتهم على العالم الصامت إلى مواد إبداعية تتحول بذاتها إلى وسائل مقاومة سلمية تعكس إبداع هذا الشعب الذي يبدع وهو محاصر بآلة القتل، حيث قامت صفحة "وطني عم يوجعني" بإنزال صورة تجمع رئيس الائتلاف السوري معاذ الخطيب ووزير الخارجية الأمريكية جون كيري، وبينهما علبة حليب نيدو الذي يعرفه السوريون جميعا كونه مرتبط بطفولتهم، وكتب عليها: "كمان رح نزود الجيش الحر بعلب نيدو أم كيلو ونص"، للتعبير عن سخطهم على مؤتمر أصدقاء سوريا الذي لم يكن في رأيهم إلا مكانا للاجتماع لتحديد موعد الاجتماع المقبل، كما قالت إحدى اللافتات في بلدة معربة في مدينة درعا التي تعتبر مهد الثورة السورية، حيث كتب على اللافتة "في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري يجتمعون فقط ليحددوا مكان وزمان عقد المؤتمر الذي يليه"، في حين أرفقت صفحة الثورة الصينية حوارا بين كيري والشعب السوري مفاده: "كيري: و شو بدكون مساعدات كمان؟ . الشعب: في رز بحليب؟".
يعمل السوريون إلى تحويل غضبهم من المجتمع الدولي ومن أي شيء آخر، إلى سخرية تنتج الضحك والفرح، وكأنهم يتحايلون على الموت كي يحيد عنهم باتجاه الحياة التي يحلمون بها، والتي ثاروا لأجل تحصيلها، أو كأنهم ينفّسون عن غضبهم بسخرية تحرج أولئك المتاجرين بدمائهم عبر العالم، حيث تغدو السخرية وجها من وجوه المقاومة، وأداة من الأدوات التي تعينهم على الصمود، ولهذا تراهم يبدعون في سخريتهم إلى درجة تجعل المراقب المحايد في حيرة من أمره، عبر ترداده سؤال: من أين يخرج هذا الشعب كل هذا الإبداع؟ ومن أين يستولد طاقة التحدي والفرح رغم كل هذا الحصار والجوع والقتل؟ ليجيبه السوريون ببساطة عبر لافتاتهم التي تجوب العالم وشاشات القنوات الفضائية، وهي تحمل كلمة " حرية" التي باتت تختزن أحلامهم و شرايينهم و غرف نومهم دون مبالغة.
صرخة الناشطين والثوار في الداخل ضد مؤتمر روما تحولت إلى فعل مبدع وخلاق، فها هي تنسيقية بلدة القدموس وريفها، والتي هي جزء من لجان التنسيق المحلية المنتشرة في كل أنحاء سوريا، تأخذ عبارة للشاعر السوري محمد الماغوط وتسقطها على سخط السوريين على مؤتمر روما ونتائجه، حيث اجتمع مجموعة من الناشطين ورفعوا لافتات موقعة باسم "الثائر محمد الماغوط: "بخصوص الحراك الدولي .. كل طبخة سياسية في المنطقة : أمريكا تعدها، وروسيا توقد تحتها، وأوربا تبردها، واسرائيل تأكلها .. والعرب يغسلون الصحون .."، وهو الأمر الذي يعكس وعي الناشطين وثقافتهم من جهة، ومدنية حراكهم المقاوم بذاته ولذاته.
صفحة مغسل ومشحم حمص الدولي كان لها النصيب الأكبر من التعليق والسخرية على كلام كيري و قرار الاتحاد الأوربي بتزويد الشعب السوري بمدرعات لحماية المدنيين، خصصت صفحتها في هذا اليوم للتعليق على الحدث، حيث أرفقت صورة لطلقات بلاستيكية لمسدس الأطفال، موقعة باسم " مغسلجي سبطانات" و مكتوب بجانبها بسخرية: "وصل الدعم .. وصل .. اللــــــــــه أكبـــــــــر.. تكبير يا جدعان"، وصورة أخرى لطرطيرة ( سيارة سورية من ثلاثة دواليب)، مرفقة بعبارة "وصول أول مدرعة فتاكة غير قاتلة"، إضافة على تعليقات ساخرة حفلت بها الصفحة مثل: "أول شحنة من عربات الفول المدرعة ستصل إلى إدليب الأسبوع القادم"، و " نعم وألف نعم لإرسال مدرعات ومصفحات للمعارضة السورية, والمغسل جاهز يأمن كادر لتشغيلها وصيانتها" وذلك في تهكم واضح من قرار الاتحاد الأوربي.
صفحة " الثورة الصينية ضد طاغية الصين the Chinese revolution" الساخرة بدورها لم تنس التعليق على الحدث بطريقة ساخرة، حيث كتبت بتوقيع " وانغ 14: " الإتحاد الأوروبي رح يعطينا عربات مدرعة لحماية المدنيين، بدنا شي لحماية اللثة و الأسنان .. "سيجنل تو" منيح! بوست مأجور من سيجنل تو .. جكارة بـ بندر .. حاف!"، وكتبت أيضا: " يا إتحاد يا أوروبي .. بما إنو حلفت بالغوالي إنو رح تبعت عربات .. بدنا العربات نوع "سكودا" .. يعني منشان يصير تكافؤ! و ربّي يسّر"، وذلك في تذكير لأصدقاء سوريا بأن النظام يقصفهم بصواريخ سكود الذي ربط السوريون بينه وبين السخرية من الدعم الغربي الزائف بإبداع قل نظيره، حيث رفع ناشطو مدينة الباب في ريف حلب لافتتين كتب فيهما "سكوت المجتمع الدولي منصة لسكود النظام السوري"، و"السكود كل يوم يطلق و(الأمين العام للامم المتحدة) بان كي مون الى الآن لم يقلق"، معبرين عن قلقه بكاريكاتير مبدع وخلاق وساخر في آن.
أما صفحة "نكت وطرائف الثورة السورية 2011" فأرفقت صورة لجمل وهو يرتدي درعا للسخرية من مدرعات الاتحاد الأوربي مرفقة بعبارة: "حصريا وصلتا الدفعه الاولى من الاسلحة النوعية ... وسائل نقل مدرعه ضد الرصاص...... خلص اختلفت القوى الان ...ليش عبتضحكوا في شي بضحك .. حتى لو جمل ... هاد جمل مدرع هههههههههههههههههههه.. الله يلعن الي بثق بالحكومات العربية او الغرب للحظه .. أخوكم أبو عمر".
وكالعادة كان لرسامو كفر نبل بصمتهم الخاصة المبدعة، حيث اختاروا مخاطبة الرأي العام الغربي عبر شخصية " ذا ماسك the mask" الشهيرة مرفقة بعبارة "المعنى الحقيقي لعبارة " أســـلـــحـــة غــيــر قــــاتــــلــــة " ! من أحرار كفرنبل"، إضافة إلى كرتونة أخرى مرسوم عليها دبابة واقعة في مصيدة فئران في رسم كاريكاتير يعكس أبلغ سخرية من المساعدات غير القاتلة!
سخرية الناشطين وغضبهم لم تطال المجتمع الدولي فحسب، بل وصلت إلى المعارضة السورية حيث كتب على إحدى اللافتات "نطالب الائتلاف السوري فك الارتباط مع ما يسمى أصدقاء الشعب السوري"، معتبرين أن "انتهت كذبة... اصدقاء الشعب السوري... كش ملك"، كما كتب على لافتة في حي العسالي بجنوب دمشق.
https://www.youtube.com/watch?v=qEvZDldNiMQ
سخرية الناشطين لفتت انتباه وسائل الإعلام فخصصت قناة الجزيرة أحد تقاريرها للحديث عن خيبة أملهم وسخريتهم المرة مركزة على النشاطات التي أبدعوها، وعلى المجموعات التي قامت بها، الأمر الذي دفع صفحة مشحم حمص الدولي للتعليق على تقرير الجزيرة بالقول: "بما إنو صارت الجزيرة تعملنا دعايات، وأسهم وبورصة وهالشغلات يلي ما بفهم فيها، وبما إنو أنا زلمي فئير ومعتر وعلى باب الله، منفتح مزاد علني لبيع المغسل بشحماتو،على أونا، على دوي،على ...". كما كتبت الـ " أ ف ب" تقريرا حمل عنوان "متظاهرون في سوريا ينتقدون "كذبة" مؤتمر روما"، مما يدل على قدرة الناشطين على إيصال سخطهم للعالم وبطريقة مبدعة وذكية وحضارية، جسدت المقولة التي تقول " الإبداع ابن المعاناة"، إذ حول السوريون معاناتهم إلى سخرية من المجتمع الدولي من جهة، وإلى أداة مقاومة مدنية تتحدى النظام والمجتمع الدولي الذي يجيّر ثورتهم لخدمة مصالحه، مطلقا صرخة حملها أحد المشاركين في تظاهرة في بلدة الهبيط في محافظة إدلب:"دعوا أسلحتكم غير المميتة لكم... سنصنع أسلحتنا بأيدينا... وننحت الصخر... وبإذن الله نموت او ننتصر"، وذلك في دلالة على التحدي والمثابرة على بلوغ هدفهم الذي عبروا عنه مرارا منذ بداية الثورة" الموت ولا المذلة"، مؤكدين إصرارهم على دفن الأبد الأسدي إلى غير عودة، حتى ولو خذلهم العالم أجمع.