على وقع خطى الربيع العربي الذي بدأ في تونس وأينع في مصر وليبيا واليمن أورقت أفكار الحرية وأزهارها في سورية على هيئة اعتصامات متضامنة مع تلك الشعوب بوجه طغاتها، منتظرين أسئلة أزلية من نوع: ماذا عنا؟ هل سيحصل المستحيل هنا؟ لم يكن يدرك الشباب المعتصمون آنذاك أمام تلك السفارات أنهم الإرهاص الأول والبرعم الأول الذي يشق تراب الحرية ليورق ويشب سريعا في أرض متعطشة للحرية منذ عقود، لأن الاستبداد طيلة عقوده الخمسين تلك، أحرق كل مساحات
التعبير المدنية، إلى درجة أصبح معه حلم التغيير مستحيلا في نظر الكثير من النخبة المثقفة وعدد لا بأس به من السياسيين الذين تحنطوا في مكاتبهم بأمر من الاستبداد فاستحالوا مستحاثات سياسية إلى أن حصل المستحيل السوري الذي أبهر العالم ولم يزل، رغم كل العنف والدمار المرافق له، فهاهي الانتفاضة تعيش ميلادها الثاني على وقع زخم قوي يوزاي بين العسكرة والحراك السلمي المدني ( رغم رجحان الكفة للأولى!) الذي يتجلى في الفعاليات التي يجهز لها الناشطون لتكون احتفالا بالميلاد الثاني من جهة، وتأكيدا على استمرار الانتفاضة وعلى أن الشعب السوري قرر دفن الأبد الأسدي ليولد الأبد/ المستحيل السوري.
كيف ولدت حكاية هذا المستحيل؟ وكيف تطورت؟ وإلام انتهت؟ وكيف نحكي حكاية الانتفاضة دفعة واحدة، ولكل يوم حكاية، ولكل تفصيل حكاية، ولكل سوري حكاية شخصية، ولكل حزب وتنظيم وفتاة و وشاب وعاشق و" مندس" ومنحبكجي" ومناضل و"شبيح" حكاية خاصة يصعب اختزالها في سطور، فكيف نختزل عامين من المستحيل السوري المستمر في الوقت الذي يكسر فيه السوريون مستحيلا جديدا كل دقيقة وثانية، وبالتالي حكاية جديدة لها وقعها وحبكتها و ألمها وفرحها الخاص؟
رغم أن ما سبق هو أصعب الأسئلة، وأصعب أنواع الكتابة (إذ كيف يمكن أن تختزل حكايات متعددة في حكاية واحدة)، إلا أنه لابد للحكاية في نهاية المطاف أن تروى بعمومها وتفاصيلها وأوجاعها وأفراحها الأهم والأكثر رسوخا في الذاكراة، على أمل أن يكون في المستقبل متسع أكثر لرواية كل حكاية من حكاياتها المهملة، والتي أخذ موقعنا على عاتقه مهمة البحث عنها وروايتها كي لا يأكلها النسيان.
الإرهاصات والبواكير والبداية:
إذا كانت الثورات تراكم مستمر وغليان لامرئي يحصل في القاع قبل أن ينفجر، فإن الأمر ينطبق على السوريين وحكايتهم مع نظامهم المستبد الذي كلما أوغل في استبداده وإجرامه كان يزرع بذرة فنائه ليولّد مقاومة كانت تعبر عن نفسها كلما وجدت بؤرة ضوء، وليس ربيع دمشق (2000) وانتفاضة الكرد المجهضة ( 2004) وإعلان دمشق ( 2007) إلا محاولات في هذا الصعيد، تشبه الخمرة التي تتعتق في العتمة، مستندة إلى نضالات المناضلين الصامتة في سجون الأبد الأسدي، منتظرة لحظة الانعتاق التي جاءت بعد بدء ربيع العرب في تونس، حيث استغل الشباب السوري خوف السلطات اللامرئي من الربيع ونزلوا إلى أمام سفارات تونس ومصر وليبيا، ليرفعوا شعار "خاين يلي بيقتل شعبو" ليكون التحذير الأول الذي أطلقه السوريون باتجاه سلطة غاشمة لم تتعلم من تاريخ الاستبدادات التي سبقتها، حيث كان للقاء الأسد مع صحيفة " وول ستريت" ( 1شباط 2011) وقعا سيئا على الجمهور السوري المتعطش للتغيير، الأمر الذي زاد الاحتقان في صدورهم وزادهم إصرارا على التغيير، وهو ما دفع الناشطة والمعارضة المعروفة سهير الأتاسي للاعتصام (2 شباط 2011) مع عدد من الشباب في ساحة باب توما وهم يحملون الشموع، تضامنا مع ثورة مصر، حيث تعرضت للضرب في مخفر باب توما، وكذلك اعتقل الروائي عبد الناصر العايد لمدة يومين وعدد آخر من الناشطين على إثر محاولتهم التظاهر.
في هذه الأثناء ظهرت على صفحات الفيسبوك دعوة للتظاهر ضد النظام في الخامس من شباط، ولكن عدم معرفة من وراء الدعوة و عدم انكسار جدار الخوف بعد، جعل الناس أكثر حذرا في تلبية النداء، الذي تأخر حتى السابع عشر من شباط حيث تظاهر عدد من السوريين في سوق الحريقة الشهير في دمشق على وقع إهانة أحد رجال الشرطة لأحد أصحاب المحلات التجارية، ليرفع للمرة الأولى شعار " الشعب السوري ما بينذل"، الأمر الذي دفع وزير الداخلية للقدوم ومخاطبة الجماهير " عيب.. هيدي مظاهرة!" مما يعكس عقلية الاستبداد المزمنة، وهو الأمر الذي كان مكان تندر وسخرية من الناشطين والمثقفين الذين كتبوا ورسموا لوحات تعبر عن ذلك، مشكلة مع ما يسطره الناشطون على الأرض الغرسة الأولى للحرية.
هذه الغرسة التي سيحملها أطفال درعا بوعيهم النقي والبريء حين كتبوا في السادس والعشرين من شباط على جدران مدرستهم " الشعب يريد إسقاط النظام" متأثرين بما رؤوه على شاشات التلفزة، ليعود الأمن ويعتقلهم ويوبخ أهاليهم بطريقة مهينة على يد رئيس فرع الأمن السياسي " عاطف نجيب" ومحافظ درعا "فيصل كلثوم"، ليبدأ بعدها الاحتقان الشعبي يتزايد، وهو ما دفع مجموعة من الشباب لتشكيل مجموعة عبر الفيسبوك حملت عنوان " أما آن لجوري دمشق أن يزهر" بهدف الدعوة والتحضير لتظاهرة ستخرج من الجامع الأموي الكبير وتمتد في سوقي الحميدية والحريقة في الخامس عشر من آذار ليبدأ تاريخ جديد للسوريين، استمر في اليوم التالي (16/3/2011) باعتصام نفذه مجموعة من الناشطين وأهالي السجناء أمام وزارة الداخلية في المرجة حيث كان لتعامل الأمن الهمجي وقع سيء جدا على الشعب السوري، حيث اعتقل بطريقة مهينة المفكر والفيلسوف الكبير الطيب تيزيني بعد ضربه وجره وضرب رأسه بالعمود، وكذلك المحامية سيرين الخوري و السجينة السابقة ناهد بدوية والشاعر نارت عبد الكريم وغيرهم، مما سيحفز السوريين على مزيد من التصعيد وسيجعل أهالي درعا يتذكرون أبناءهم الذين لم ينجحوا بإطلاق سراحهم من سجون الطاغية على وقع الإهانات التي تلقوها، ليكونوا أول المستجبين لنداء "جمعة الكرامة" التي كانت فاتحة جمع الانتفاضة السورية في الثامن عشر من آذار، حيث سقط أربعة شهداء في هذا اليوم بينهم محمود الجوابرة، معلنين "من حوران هلّت البشاير"، بمشاركة أهالي مدينة بانياس بمظاهرة صغيرة ذات طابع مطلبي، أدت لاعتقال عدد من ناشطي المدينة مثل الشاعر محمد ديبو والمدون أحمد حديفة في التاسع عشر من آذار، ليولد تاريخ جديد يفصل ما بين الأبد الأسدي والأبد السوري الذي سيدخل مخاض الحرية الصعب والطويل.
https://www.youtube.com/watch?v=rv5t2EEKrdI
تجذر الثورة وتمددها:
كعادته كان تعامل الأمن السوري مع المتظاهرين والمعتصمين في درعا قاسيا وهمجيا حيث حدثت اعتقالات و سقطت أول دفعة من الشهداء في درعا على أثر اقتحام الجامع العمري في درعا في جمعة الكرامة لتبدأ مسيرة الانتفاضة بالتمدد مع تشييع كل شهيد يسقط، إلى درعا وكل ريف حوارن الذي هب لمشاركة أبناء مدينته في ثورتهم، إضافة إلى دوما في ريف دمشق وحمص التي ستحوز لقب عاصمة الثورة، بعد أن حازت درعا لقب مهد الثورة، ولتبدأ المدن واحدة تلو الأخرى بالتظاهر تحت شعار التضامن مع درعا وفك الحصار عنها مع المطالبة بالحريات وإنهاء حالة الأبد السوري، حيث كانت جمعتا العزة( 25/3/2011) و جمعة الشهداء(1نيسان 2011) فاصلتين بشأن تمدد الانتفاضة إلى بانياس وحمص ودوما و السلمية والصنمين والتل وعامودا وكفر سوسة واللاذقية، ليواجه الأمن المتظاهرين ويسقط الشهداء الذين سرعان ما يتحول تشييعهم في اليوم التالي إلى تظاهرة أكبر عددا من التي قبلها، لتواجه السلطات كرة ثلج تتدحرج بقوة، الأمر الذي دفع السلطات لاحتواء الأمر بسلسلة من الإصلاحات التي أعلنت عنها المستشارة الرئاسية بثينة شعبان دون أن يتوقف الأمر إذ أدرك الشعب بخبرته الطويلة مع الاستبداد أن الأمر ليس أكثر من مسكن خاصة أن خطاب الرئيس الذي جاء في الثلاثين من آذار(2011) لم يحمل أي جديد سوى وعود خاوية واتهام ما يحصل في سوريا بأنه مؤامرة! عدا عن نبرة التحدي التي استفزت الناس ودفعتهم للمزيد من التحدي المقابل الذي وصل أحيانا حد استخدام العنف كما حصل في حادثة إحراق القصر العدلي في درعا.
https://www.youtube.com/watch?v=dlXfOqzVa2o
إلا أن التفصيل الأكثر أهمية في تلك الفترة هو محاولة أهالي حمص إقامة اعتصام في ساحة الساعة في حمص، حيث وصل عدد المعتصمين في الثامن عشر من نيسان لحوالي مئة ألف معتصم تقريبا خلال ساعات النهار بمشاركة نسائية لافتة، لتقوم السلطات في فجر اليوم التالي بإطلاق النار على المعتصمين الذين قتل بعضهم، لتبدأ المدينة تتحول إلى درعا أخرى، من ناحية عدد المشيعين، مما دفع المدن الأخرى والأحياء الأخرى في العاصمة السورية ( القابون، المعضيمة، القيمرية، الميدان، داريا، كفر سوسة..) للتظاهر، إضافة إلى انضمام المثقفين والمجتمع المدني إلى التظاهر، حيث دعت الممثلة الشهيرة مي سكاف إلى تظاهرة عرفت باسم تظاهرة المثقفين أمام جامع الحسن في الميدان، ليعتقل البعض على إثرها، إضافة إلى مشاركة الممثلين في التعزية وإطلاق مبادرات مثل مبادرة زرع أشجار الساحل السوري في المدن السورية كدلالة على الوحدة الوطنية، عدا عن تأليف أغاني خاصة للانتفاضة من قبل مغنين معروفين مثل سميح شقير الذي قدم واحدة من أجمل أغاني الانتفاضة السورية " ياحيف ياحيف" التي سرعان ما تلقفتها حناجر المحتجين وبدأت تؤديها ضمن التظاهرات إلى جانب شعارات "يلعن روحك يا حافظ" و "حرية للأبد هذا مطلب البلد".
https://www.youtube.com/watch?v=4c6cuMUipSU
جسر الشغور: محطة مفصلية: بداية ظهور العنف والانشقاق عن الجيش
نتيجة العنف الذي مارسه النظام رفع الشعب السوري سقف مطالبه من الإصلاح والحرية إلى إسقاط النظام، حيث بدأ الشعار يظهر رويدا رويدا على لافتات المتظاهرين إلى أن أصبح الشعار الأهم، مترافقا مع تمدد الانتفاضة إلى إدلب وجسر الشغور ومدينة حماه التي لها حساسية خاصة حيث بدأت المدينة تنفض عنها جدار الخوف الذي حكمها لثلاثة عقود بعد أن ذاقت ما ذاقت جراء الصراع المسلح في الثمانيات من القرن، حيث أقيم أول اعتصام في 3 يونيو 2011 في ساحة العاصي، واجهها النظام بمزيد من العنف الذي فجر مكنونات الثمانيات وفتح الاحتقان ضد السلطة على مصراعيه.
هذا الوضع دفع النظام إلى استخدام الجيش بكثافة أكبر بعد أن أصبحت الأجهزة الأمنية وحدها غير قادرة على احتواء التظاهرات، فنشر قناصته وجيشه في كل الأماكن و أقام الحواجز والمتاريس بين الأحياء والمدن لمنع التقاء المظاهرات بعضها ضد بعض، وقد انعكس الأمر عليه إذ أدى إلى ظهور الانشقاقات في صفوف الجيش السوري، فبعد انشقاق الملازم أول عبد الرزاق طلاس بشكل فردي سابقا تتالت الانشقاقات الجماعية، حيث انشق الضابط حسين هرموش مع عدد من رفاقه ليشكل ما عرف بتنظيم "حركة الضباط الأحرار" بتاريخ 28 حزيران الذي أعلن استعداده لحماية التظاهرات ولنكون أمام أول حالة عسكرية ضمن الانتفاضة، تطورت لاحقا إلى تشكيل الجيش الحر بتاريخ 29 تموز 2011 على يد العقيد رياض الأسعد، لنكون أمام أول نواة للعسكرة داخل الانتفاضة.
ولكن رغم ذلك بدأت العوامل السلبية للسلاح تظهر منذ هذه الفترة وهو ما تجلى فيما حدث في جسر الشغور حيث قتل حوالي 120 عنصرا من الجيش والأمن على يد الأهالي والضباط الأحرار كما قال الهرموش في لقاء معه على محطة العربية، وهو الأمر الذي غيبه الإعلام لأجندته الخاصة، حيث جاء الاعتداء ردا على ما قام به هؤلاء من إطلاق نار على المتظاهرين في جمعة أطفال الحرية الحرية في 3 حزيران 2011، حيث خرجت مظاهرات في جسر الشغور مطالبة بإسقاط النظام، فواجهها النظام بالعنف لترد عناصر مسلحة من السكان المحليين بإحداث مجزرة الجسر بحق عناصر مفرزة الأمن السياسي على عكس ما ادعت وسائل الأعلام والمعارضة السورية التي استندت في التغطية على المجزرة إلى تجذر الحراك السلمي وطغيانه في هذه المرحلة على العنصر المسلح من جهة، وعلى عنف النظام الذي وصل حد استخدام أقصى درجات العنف ضد الناشطين السلميين مثلما حدث مع بلبل الثورة " ابراهيم القاشوش" صاحب الأغنية الشهيرة " يلا ارحل يا بشار"، إضافة إلى مقتل الطفل حمزة الخطيب سابقا، وكذلك مقتل الناشط ابن درايا "غياث مطر" الذي اشتهر بتقديم قارورات الماء للجيش السوري لكي لا يطلق النار على المتظاهرين، إضافة إلى تمدد الحراك السلمي و ابتكار الناشطين أساليب تعبير جديدة تمثلت بالرجل البخاخ والغرافيتي وتلوين البحيرات بلون الدم السوري ورمي كرات صغيرة مكتوب عليها " ارحل" وتوزيع منشورات وسبيركات الحرية في كل المناطق التي تمكن الناشطون من الوصول إليها، عدا عن محاولات المتظاهرين التظاهر في مدينة حلب التي كانت تعد صامتة قياسا بما يجري في المحافظات الأخرى، حيث شهدت المدينة الجامعية أولى محاولات التظاهر، إضافة إلى بعض الأحياء.
https://www.youtube.com/watch?v=TLtiCtfFUzs
على المستوى السياسي شهدت هذه المرحلة نشاطا سياسيا لافتا، حيث عملت القوى السياسية في الداخل والخارج على عقد مؤتمرات وتشكيل هيئات و مجالس سياسية لتواكب الانتفاضة، ففي السابع والعشرين من حزيران انعقد مؤتمر سميراميس في دمشق الذي ضم مجموعة من المعارضين والمثقفين السوريين، حيث تعرض المؤتمر لحملة شرسة من معارضة الخارج واتهم بأنه يصب في خدمة النظام مما يعكس وعيا ديمقراطيا ضحلا للمعارضة السياسية وللمجتمع، وفي 30 يونيو 2011 تأسست هيئة التنسيق لقوى التغيير الديمقراطي التي ضمن أحزابا سياسية وشخصيات وطنية معارضة أغلبها من الداخل السوري، وفي 2 اكتوبر 2011 تشكل المجلس الوطني في اسطنبول والذي ضم أغلب أحزاب ومعارضي الخارج، إلا أن أغلب هذه التشكيلات لم تتمكن من توحيد رؤاها ولم تتمكن من استقطاب الشارع الثائر، ليبقى الشرخ قائما بين الحركة السياسية والشارع المتظاهر من جهة ثانية.
رغم العنف، النضال السلمي مستمر:
أدى عنف النظام المتصاعد إلى زيادة أعداد القتلى بين صفوف المتظاهرين من جهة، وإلى زيادة الانشقاقات في صفوف الجيش من جهة ثانية مما يعني زيادة أعداد عناصر الجيش الحر، الأمر الذي فتح الباب مشرعا للدفاع عن النفس بوجه النظام، حيث بدأت تعابير مثل حماية التظاهرات تتداول بين الناشطين، ليقرر في نهاية المطاف استخدام الأمر بشكل رسمي بعد أن تم توقيع اتفاق بين الجيش الحر والمجلس الوطني السوري الذي كان له دور كبير في تأمين الغطاء السياسي للجيش الحر في خطوة يرى البعض أنها أضرت بالانتفاضة ودفعتها في سياق العسكرة، وبين من يرى أن الأمر جاء كتطور موضوعي داخل الثورة، لنصل في نهاية المطاف إلى بدء انحسار العامل السلمي لصالح تصاعد العمل العسكري الذي سيتطور ( بناء على معطيات داخلية وأخرى خارجية) إلى تنفيذ عمليات عسكرية ضد قوى النظام والأمن السوري، وهو ما سيدفع النظام إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة ضد الجميع حيث بدأ قصف المدافع والطائرات يظهر كمعطى جديد ضد المناطق التي يتواجد فيها الجيش الحر، محدثة المجزرة تلو الآخرى، حيث كانت مجزرة كرم الزيتون في 26 يناير 2012هي أول مجرزة يسلط عليها الضوء رغم حدوث مجزرتين قبلها ( مجزرة الصنمين في 25 /3/2011 ومجرزة اذرع في 22/4/2011) إلا أنهما لم تأخذا حقهما إعلاميا، لتصبح المجازر بعدها سمة وحيدة لتلك المرحلة، ففي 3 شباط (2012) صعد النظام عنفه في الخالدية وباب دريب وبعض أحياء حمص محدثا خلفه العديد من القتلى، وفي 27 شباط 2012 حدثت مجزرة بابا عمرو الشهيرة والتي قام الأسد على إثرها بزيارة الحي، وفي 2 مارس 2012 حدثت مجزرة في الرستن، وفي 9 مارس(2012) مجزرة في جوبر وفي12 مارس(2012) مجزرة في كرم الزيتون مجددا، وفي 27 أبريل (2012) في دير بعلبة وفي 25 مايو (2012) في الحولة، وفي 7 يونيو (2012) في القبير وفي 26/8/2012 في داريا، وهو ما يسلط الضوء عليه هذا التقرير.
https://www.youtube.com/watch?v=qQ-ETI8BPyw
رغم ارتفاع مستوى العسكرة إلا أن النضال السلمي لم يتوقف في تاريخ الانتفاضة السورية ففي يوم الأحد 11/12/2011 أعلن النشطاء السلميين بدء إضراب الكرامة والذي يستمر حتى نهاية هذا الشهر، إلا أن عدم نجاح الإضراب في فرض حالة العصيان المدني التي ابتغاها في نهاية عام 2011، أعطى العسكرة مزيدا من الدفع، بحيث يمكن اعتبار فشل إضراب الكرامة هو بداية تفوق العمل العسكري على السلمي، حيث ولدت بنفس الوقت جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة التي أصدرت أول بيان لها في 24 يناير 2012، لينفتح الداخل السوري على عنف وعنف مضاد دون أن يعني ذلك اختفاء العمل السلمي بالكامل، إذ لا تزال المجموعات السلمية تعمل وفق المتاح ففي حي ركن الدين الدمشقي لا تزال تنشط مجموعة "الشباب السوري الثائر" كما لايزال تجمع نبض و17 نيسان و أيام الحرية وغيرهم يعملون على الأرض عبر تنظيم حملات تحفز الناس على المشاركة في الثورة وتتصدى للانحرافات الحاصلة في صفوفها، كما في حملة نحن بديل أخلاقي وحملة ميلاد الحرية وغيرها.
على الصعيد السياسي ولد قطبان سياسيان جديدان بعد فشل قطبي المعارضة الأهم ( المجلس الوطني والهيئة) في تمثيل الشارع، حيث تشكل الائتلاف الوطني برئاسة أحمد معاذ الخطيب بتاريخ 11/11/2012من جهة، و الحلف الديمقراطي المدني بجهود هيثم المناع في 6/3/2013 من جهة ثانية، ولكن ليبقى الانقسام السياسي حاصلا بين الحسم العسكري والتفاوض السياسي مع النظام، في الوقت الذي لاتزال فيه سوريا تنزف يوما بعد يوم، مشكلة إسطورة ومستحيلا يتجدد يوميا على وقع أمل السوريين الذين عقدوا العزم على كنس الاستبداد من حياتهم مهما كلفهم من أثمان، ولعل استعداد السوريين للاحتفال بالذكرى السنوية الثانية لثورتهم يدل على ذلك، حيث يعمل الناشطون حاليا على إطلاق احتفالية الشارع السوري والتي يقوم بها مجموعة من التيارات السلمية ومؤسسات مجتمع مدني ( كياني، بصمة سورية، مؤسسة الشارع للإعلام والتنمية..) التي تتضمن نشاطات مثل الرسم على الجدران في حلب وإدلب وإقامة مهرجانات موسيقية وتوزيع منشورات وأسبوع سينما في فرنسا وندوات تتحدث عن الثورة، إضافة إلى إطلاق حملة "ثورة إنسان من أجل الحياة" التي تضم مجموعة أخرى من مجموعات الحراك السلمي ( تجمع نبض، أيام الحرية، 17 نيسان...) وسيقومون بتنظيم تظاهرات وتوزيع مناشير...، مما يدل على أن السوريون مصممون على دفن الأسد الأبدي و جعل ما كان مستحيلا واقعا اقترب تحقيقه.