انتفاضة بالألوان: غضب، دم، تحذير، تحدي


27 آذار 2013

أربعة ألوان (أزرق، أحمر، أصفر، أخضر) من ألوان الطيف السبّعة اختارها فريق "ثورة إنسان من أجل الحياة" لتلوّن أيام احتفائهم بالذكرى السنوية الثانية لانتفاضتهم التي أصرّوا على إحيائها رغم العنف والدمار، ليواجهوا العالم وإعلامه الذي لا يرى في انتفاضتهم إلا حرب أهلية، مؤكدين أنّ هذا العنف ليس إلا محطة عابرة، وأن السوريين ( رغم ظرفهم الصعب هذا) يبدعون لوحة وأملا ولونا وأغاني وسينما وشعارات برّاقة تخرج من ضمير انتفاضتهم (كفرنبل) لتحاكي العالم، منتزعين من براثن هذا اليأس أملا يعينهم على الاستمرار عبر استعادة الزمن الذهبي/ السلمي لها، لما تحمله من ذاكرة تأسيسية لعصر جديد: عصر الحرية الذي يسعون لبلوغه، خائضين في لجة الاستبداد لكسره.

يحتفي السوريون عاما بعد عام بانتفاضتهم وذكراها، بما يشبه طفولة شعب حمل من الدهشة والبراءة ما أعانه على مواجهة أعتى استبداد، ليبدأ زهر الحرية بالتفتح على مدى أربعة أيام متتالية أرادوا أن يميزوها عن سواها بألوان أحلامهم الخارجة من رحم العذاب الذي ذاقوه: ألوان لحظة الضوء الأولى/ الأمل التي غمرت وجه شعب بالكاد يخرج من ظلمة الاستبداد باتجاه نور الحرية.

أزرق: "صرخة بوجه الإنسانية، لماذا؟":  تساؤل مرير وغاضب، صرخة مشوبة بالتهكم والسخرية، بكاء على حال إنسانية خذلتهم دون أن تقدر على كسر إنسانيتهم: هذا ما أراد الناشطون إيصاله في اليوم الأول من ذكرى انتفاضتهم (15/3/2013) عبر اختيارهم اللون الأزرق "المعتمد في شعار الأمم المتّحدة للتذكير بدورها في حماية حقوق الانسان والدّفاع عن حريّته"، لتوجيه رسالة من "إنسان إلى إنسان" مخاطبين ضمير العالم بأفراده وبشره وإنسانيته بعد أن يئسوا من مؤسسات لم تقدّم لهم إلا العجز، فواجهوها إبداعاً وجمالاً يختزن من التهكم ما يفيض على العالم بأسره، عبر غرافيتي أزرق لمضخم صوت في حالة إغلاق، في لفتة ذكية تدل على صمت المنظمة وتقاعسها، وأخرى تحمل أرقام الضحايا والمعتقلين والمفقودين والمختطفين واللاجئين والمشردين والمجازر، علّ ضمير العالم يستفيق لأنينهم! ولإدراكهم أن ضمير العالم أصبح أصمّا، أبدع السوريون في إخراج لوحة بكل اللغات من ضمير انتفاضتهم ( كفرنبل) لتجوب العواصم العالمية والمدن والسورية، مترجمة بكل اللغات: لافتة/ حلم/ صفعة، تقول: "أيها العالم! عذابنا كشف أن الإنسانية التي تفخروا بها هي وحدها ما  يجب أن تخجلوا منها.."، لتستولد الأمل من قلب اليأس.

 

 

أحمر: "ألم تشبعوا من دمائنا بعد .. إلى أين !!": تساؤل مشوب بلون الشهادة، محاكاة ومناجاة لأرواح كانت ترفرف هنا عمّا قليل فغيّبها الاستبداد في دهاليز الموت أو السجون، تحية لمن "صعدوا إلى موتهم باسمين" مستضيئين بضوء الحرية: هذا ما أراد فريق الحملة إيصاله في اليوم الثاني من احتفاليتهم ( 16/3/1013) عبر لوحات وشرائط وغرافيتي مضمّخة بالأحمر، حملت أسماء الضحايا والناشطين الذين سقطوا خلال مقارعة الاستبداد، من أيقونة المدينة "مصطفى كرمان" إلى "غياث مطر" و"باسل شحادة" و"أيهم غزول" وسواهم، لتعلّق في شوارع المدن السورية مذكرة الجميع بأن ثمة من سقط على الدرب الطويل لأجل الحرية، مرفقة بشعارات من نوع: "أم الشهيد نحنا ولادك"، "سوريا لينا وما هي لبيت الأسد"، في رسالة واضحة في تحديها: مستمرون رغم التعب، مستمرون حتى النصر.

أصفر: " أوطاننا لا تبنى بالنكايا !!": دعوة للحب و نبذ الخلاف، انتفاضة داخل الانتفاضة، سعيٌّ حميم لتأكيد قيم الانتفاضة الأخلاقية بوجه محاولات حرفها عن مسارها الصحيح، نقد ذاتي مرفق بدعوة مضمرة للمعارضة السورية وللناشطين في آن: أن كفى خلافا: هذه رسالة الحملة في يومها الثالث ( 17/3/2013) التي عبر عنها الناشطون من خلال لوحاتهم الصفراء الداعية للمحبة وتجاوز الخلاف عبر شعارات: " إسلاميين، علمانيين، اطرحوا برامجكم واتركوني أختار"، و " كل قلوب الناس جنسيتي فلتسقطوا عني جواز السفر"، لتكون رسالتهم إلى قلوب السوريين داعية للتوحد والحبّ والأمل ونبذ الخلاف، إضافة إلى حملة "معارضة على عكس الشارع" التي توّجه رسالة واضحة الدلالة للرموز المعارضة بأن صوركم " قد تحرق" إن لم تحملوا تطلعات الشعب وتلتحموا به.

أخضر: " ثورة الربيع .. ثورة الكرامة ": رغم اليأس فالأمل باق، زادنا قليل ودرب الحرية طويل ومع ذلك سنخوض غماره، تحدي مليء بالعنفوان موّجه للداخل والخارج والمعارضة بأنّ الشعب حين يريد الحرية فإنه يستجيب القدر، وقد قرر السوريون أنّ قدرهم الحرية: هذا ما أراده الناشطون في ختام احتفاليتهم ( 18/3/2013)، قارنين القول بالفعل عبر غرافيتي بلون الأخضر/ الأمل لوّنت جدران أغلب المدن السورية، وحملت شعارات: "ثورتنا حياة" ، "شعب واحد، مصير واحد"، لخوض الدرب إلى نهايته، وحملة " حيطان سراقب أيقونة الحياة" التي تسلط الضوء على هذه المدينة التي حولت جدرانها إلى معارض فنية تضج بالحياة ولها.

 لعل أكثر ما يلفت النظر في احتفالية "ثورة إنسان من أجل الحياة" أمرين اثنين: الأول هو التشاركية التي بنيت مع الجمهور: "من و إلى،  إلى و من"، حيث قام النشطاء بوضع برنامج بعناوين عريضة تاركين للجمهور والتنسيقيات والتجمعات المشاركة التعبير عنها وفق ما يريدون، ليستجيب الجمهور ويغني الاحتفالية بإبداعات من خارج البرنامج الرسمي مضيفة عليه إبداعاً فوق إبداع، في رسالة ذات مدلول عميق، تؤكد أن السوريين يتشاركون منذ الآن في مصير انتفاضتهم، وبالتالي فهم قادرون مستقبلا على التشارك في بناء الوطن. والثاني: هو مشاركة أبناء الجولان السوري المحتل في الاحتفالية، حيث قاموا برسم لوحات وإطلاق طائرات ورقية تحمل شعارات مناصرة للانتفاضة، للتأكيد على أن قضية السوريين واحدة: الحرية والتحرر في آن.

كل يوم من أيّام الاحتفالية حفل بنشاطات موزّعة بين الداخل والخارج والمناطق المحررة وتلك التي تحت سيطرة النظام إضافة لمخميات اللجوء التي كان لها نصيب وافر من المشاركة حيث زارت فرق المتطوعين المخيمات ( غازي عنتاب، الزعتري) و قدّمت مهرجانات للأطفال.

نقطة ضعف الفعالية في رأي البعض تكمن في بعدها السياسي التابع للإئتلاف الوطني، خاصة حين تضمنت البروشورات دعوة لتلوين السفارات السورية في الخارج باللون الأحمر وتسليمها للإئتلاف، إضافة إلى تمجيدها المعارضة المسلحة، الأمر الذي يضعها بمواجهة تيارات سياسية أخرى ترفض العنف نهائيا ولا تعترف بالائتلاف، في تناقض ضمني مع أحد شعارات الحملة الداعية للتوحد! إلا أن ما قدّمته الحملة في نهاية المطاف قد يبرّر لها، خاصة أنها أكدت في كثير من نشاطاتها على أنّ هذا السلاح ينتهي بمجرد انتفاء الحاجة له من خلال غرافيتي يمكن اعتباره من أجمل الإبداعات التي أبدعها السوريون، لأنه يحمل بندقية مكسورة من منتصفها مرفقة بعبارة: "بعد الثورة منكسرا"، في معنى يختزن اضطرارهم لحمل السلاح من جهة، و شوقهم  للحياة المدنية الحرة التي تنبذ السلاح لتعيش الحرية بتفاصيلها الصغيرة والبسيطة والهامشية جدا.

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد