حين بدأت الانتفاضة السورية لم يفكر الفنان والنحات السوري محمد عمران بالانضمام لها، بل انخرط بالتعبير عنها بشكل غريزي، وكأنه ينتظر الأمر ويجهز له من سنوات الطفولة التي رسمتها ملامح الخوف البعثي الذي ترك تفاصيله في "طلائع البعث" الذين حاول النظام سرقتهم من طفولتهم ورسم ملامحهم في صورة تشبه الخوف تماما.
ولأن عمران أراد أن يتماهي مع الانتفاضة قدر الإمكان، ترك النحت الذي طالما عرف وتميز به ليتجه نحو الرسم بهدف مواكبة ما يحدث على الأرض في سورية، ربما لأن الرسم أسرع وأقدر على التفاعل مع اللحظة السورية اليومية / النازفة/ المتفجرة، فكانت لوحته ورسوماته خير معبر عن مشاعره تجاه شعبه، وتجاه الانتفاضة التي انتظرها طويلا، فجاءت لوحته تحمل عنصر المباشرة الذي " أصبح حاملاً أساسياً أو نقطة التقاء في رسومي بعد ١٥ آذار (مارس)، والحقيقة ان هذا لم يكن خياراً واعياً تماماً، فأنا أرسم كما استقبل الأحداث، وهذا ليس بمثابة تعليق عليها، كما أنني لا أريده أن يشبه الكاريكاتور، وإن تقاطع معه، بل أريده ألماً ناطقاً"، كما يقول لصحيفة الحياة.
ولهذا انخرط الفنان الحائز على جوائز متعددة في النحت في نشر أعماله في صفحته على الفيسبوك وعلى صفحة "الفن والحرية" التي أسسها مجموعة من الفنانين على الفيسبوك لنشر الأعمال الإبداعية التي تواكب الانتفاضة بهدف تقديم " عمل جديد كل يوم.. صفحة مفتوحة لكل الفنانين السوريين والعرب، للتضامن مع الشعب السوري، مع الحرية، ضد العنف.. كل أشكال التعبير التشكيلية المعروفة مرحب بها... توقيع الفنان الصريح مطلوب، لأنه بحد ذاته فعل تضامن"، ليساهم عمران ورفاقه في كسر حاجز الخوف الذي بنته السلطة طيلة عقود مبكرا.
لا وجود للمكان في لوحة محمد عمران المناصرة للانتفاضة بل أجساد تنضح سخرية ومأساوية أو شخصيات مستمدة من الواقع الحي، بعضها ذو نكهة جمالية وبعضها الآخر ساخر كتلك اللوحات الكثيرة التي يرسمها للدكتاتور الأب ( حافظ الأسد) في محاولة لقراءته من الداخل وتعريته، أو ربما ثأراً من سنوات الخوف التي زرعها الدكتاتور في طفولة الفنان الذي يقول في جريدة المدن الالكترونية: "في طفولتي، كنت أخاف من حافظ الأسد. شكله وملامحه هي أكثر ما كان يرعبني. أراه مرتفعاً عن الأرض، كإله. عبسة عينيه، صوته الذي يصعب وصفه. صوت يخرج مخنوقاً، رفيعاً كصوت عجوز. دفاتر المدرسة كانت مروّسة بصورته. البيئة المحيطة تزيد الأمر سوءاً إذ تربّي الخوف فينا. الهمس والضحك المكتوم والحذر والهلع، كلها أمور جعلتني أنشأ في بيئة مخيفة. الخوف له صورة.. والصورة مرتبطة به شخصياً".
يكرر الفنان كثيرا وجه الدكتاتور الأب في لوحاته التي رسمها طيلة شهور الانتفاضة، وكأنه يسعى لهتك لحظة تأسيس الاستبداد فنيا على اعتبار أن النظام الذي يثور ضده السوريون هو نظام الأسد الأب في الجوهر، وهو ما التقطه ربما محمد عمران من مقولة "يلعن روحك يا حافظ" التي صدح بها المتظاهرون في شوارع المدن السورية، فأراد تخليدها فنيا عبر السخرية من صور الدكتاتور الكثيرة في لوحاته.
غياب المكان في لوحة الفنان لا يعني التغريد في سماء التجريد بل ثمة دلائل ما تشير إلى المكان في اللوحة وإن لم يحضر بذاته لأنه "عندما أرسم دبابة مثلاً، تكون إشارة على المكان. فكرة وجودها في مكان عام، تخيفني.. لقد احتلوا المكان ولم يتركوا لنا أي فضاء".
انخراطه في الانتفاضة والتعبير عنها فنيا لم يمنعه من كشف أخطائها و تشغيل عينه النقدية، لأن الفن في أحد تعريفاته هو نقد، ولهذا في "بداية الثورة، لم يكن وارداً أن أشتغل عملاً أنتقد فيه سلوك وممارسات الثوار. أما الآن، فباتت تستفزني بعض تلك الممارسات. علينا أن نبدأ بالنقد".
بقدر ما أعطى محمد عمران الانتفاضة فهي أعطته بالمقابل لأن التعاطف مع الانتفاضة يؤدي إلى وجود تعاطف مع الفن الذي يعبر عنها، ولهذا فهو يرى أن من "الواجب على التشكيلي في هذا الظرف أن يدوّن ما يحدث بطريقته الخاصة"، ولعل لوحاته خير دليل على تدوين تاريخ الانتفاضة وتفاصيلها عبر لوحات تنضح فنا وسخرية.
محمد عمران في سطور:
- مواليد دمشق، 1979.
- إجازة من كلية الفنون الجميلة، قسم النحت، جامعة دمشق، 1999-2000.
- دبلوم (دراسات عليا)، قسم النحت، جامعة دمشق، 2001-2002.
- عضو بنقابة الفنون الجميلة بدمشق، 2001.
- معيد في كلية الفنون الجميلة بدمشق، قسم النحت، 2005-2007.
المعارض والمشاركات:
- معرض الشباب السوري الثاني، صالة الشعب، دمشق، 2001.
- معرض الشباب السوري الثالث، صالة الشعب، دمشق، 2002.
- معرض ربيع الفن (برعاية شركة شل)، بيت نظام، دمشق، 2002.
- المركز الثقافي الفرنسي، دمشق، 2002.
- بينالي المحبة الدولي في مهرجان المحبة، اللاذقية، 2003.
- مهرجان السنديان الثقافي، طرطوس، 2003.
- معرض مع الفنان ياسر صافي (حفر)، صالة زارة عمّان، الأردن، 2004.
- معرض مع الفنان بسام البدر (تصوير ضوئي)، المركز الثقافي السوري، باريس، 2004.
- معرض ألوان دمشق، صالة مصطفى علي، بالتعاون مع شركة (RC) الايطالية، دمشق، 2005.
- معرض إحياء الذاكرة التشكيلية في سورية، الجزء الرابع، برعاية الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية.
- معرض فردي، صالة عشتار، دمشق، 2003.
- معرض فردي «Palette Art House» ، دمشق، 2006.
الجوائز والتقديرات:
- جائزة تقديرية، معرض الشباب السوري الثاني، 2001.
- الجائزة الأولى (النحت)، معرض الشباب السوري الثالث، 2002.
- الجائزة الكبرى، بينالي المحبة، اللاذقية، 2003.
- الجائزة الأولى (النحت)، مسابقة ألوان دمشق، صالة مصطفى علي، دمشق، 2005.
الصفحة الشخصية للفنان محمد عمران على الفيس بوك: