قاشوش حرستا: أيمن الدحدوح: أبو سعيد:
خطيباً في جلسات العزاء، وهتّيفاً في المظاهرات، ومؤلّفاً للأغاني، وصادحاً بأغنيات الثورة، ومنظّماً للتظاهرة الشهيرة التي كانت تهدف الوصول إلى ساحة العباسيين الشهيرة في العاصمة دمشق قبل أن يطلق الأمن النار عليها ويمنعها من التقدّم، ومتظاهرا وناشطا ومنشدا ومحرّضا على حب الحرية.. تلك رحلة مختصرة لأبرز مغنّي في مدينة حرستا التي انتهت به شهيداً في سبيل الحرية التي أنشد، رحلة يصعب اختصارها بكلمات وسطور، رحلة تنحني أمامها الحرية وتخجل منها الدماء.
أطلق عليه الأهالي والنشطاء" قاشوش حرستا" تيمنا بالقاشوش الشهير في حماه "ابراهيم القاشوش". يعرف في مدينته (حرستا) بـ " أيمن الدحدوح، أبو سعيد"، فكلّ من شارك في تظاهرات حرستا يعرف صوته ونغمته ونبرته الصارخة حريةً في وجه الاستبداد، حتى غدا أبو سعيد جزءا لا يتجزأ من تظاهرات حرستا، خاصة بعد أن قدّم أغنيته الأولى:
سمّع سمّع سوريا .. بشار فقد الشرعيّة
بدك تسقط يا جزّار .. بقدرة الله الأبية
ليصبح واحداً من أهمّ المطلوبين للأجهزة الأمنية في البلد، ويبدأ رحلة الاختباء والتواري دون أن يمنعه ذلك من المشاركة في المظاهرات والهتاف للحرية بغية تحريض الناس على التظاهر.
هذا الأمر دفع الأجهزة الأمنية لمواجهة منزله أكثر من ثلاث عشرة مرة، والطريف في الأمر أن الأجهزة في مداهماتها تلك أصبح لها ثأر شخصي مع براد "أبو سعيد"، إذ كانوا في كل مرة يخلعون له باب البراد، الأمر الذي دفع الناس للاطمئنان عليه من خلال الاطمئنان على براده. وقد عبّر عن هذه الحادثة صديقه الناشط "محمود مدلّل، أبو مرشد" الذي شاركه في كتابة أغنيته الشهيرة (سمّع سمّع سوريا) حيث قال: "كان لدى قوات الأمن مشكلة مع البراد في بيت أبو سعيد… كلما داهموا منزله خلعوا باب البراد… مرة، مرتين، ثلاثة، حتى أصبحنا نطمئن منه عن باب براد بيته في كل إقتحام قبل السؤال عن أهله وعائلته".
صورة لقاشوش حرستا مأخوذة من صفحة أنشئت له بعد وفاته
بعد أن قتّل قاشوش حماه واقتلعت حنجرته، باتت حنجرة "أبو سعيد" أوّل المطلوبين للأجهزة الأمنية في مدينة حرستا، الأمر الذي دفعه لمغادرة حرستا إلى درعا حيث بقي في ضيافة أهلها أياما قبل أن يغادر للأردن ويبدأ تواصله من الثوار والمتظاهرين من هناك، إلى درجة أنه كان يشارك بالمظاهرات في حرستا وهو في الأردن عبر التلفون، إذ بمجرد أن يعلن هتّيف المظاهرة وهو على ظهر السيزوكي للمتظاهرين عبر مكبّرات الصوّت أن أبو سعيد معهم من الأردن، حتى يعلو صوت المتظاهرين مرحبا: "أبو سعيد (تصفيق) الله يحميك… (تصفيق)"، ليلقي أبو سعيد التحية عليهم ويطلب منهم الاستمرار في تظاهراتهم حتى إسقاط النظام، مخالفا ما طلبه منه الرئيس حين التقاه ضمن وفد من حرستا، حيث قال في مقابله معه على سوريا الشعب "التقينا ببشار الأسد مع وفد من حرستا، وقلنا له بأن إعلامك كاذب، فقال لنا أنا مشغول ولا أنتبه على الاعلام... وقال بأنّكم من تروجون الشارع وعليكم إسكاته"، ليخرج أبو سعيد أكثر إصرار على الحرية.
ولأن حب الوطن تجذّر في روحه لم يطق البقاء في الأردن بينما الانتفاضة تتجذر ضد النظام، فقرّر العودة إلى البلد ليكون بين أهله مشاركاً ومناصراً لهم ضدّ الطاغية، وبقي يمارس نشاطه إلى أن داهم الأمن شقة في حي القصور في دمشق في 5 شباط/ فبراير (2012) كان يتواجد فيها هو ورفاقه، فتمّ إطلاق النار عليهم حيث قتل ثلاثة وبقي البعض الآخر أحياء، لينضم "أبو سعيد" إلى قافلة "قاشوش حماه" في رحلة الموت طلّبا للحرية، وكأنّ لعنة الاسم الذي نسب له تلاحقه، فتحوّل رمزا و "شخص لا ينسى… حرستا لن تنساه"، وهاهي تردد في تظاهراتها وترنيمات أطفالها: "سمّع سمّع سوريا .. الدحدوح تركنا، وترك لنا الحرية" في مفارقة لم يتوقع يوما أن تنشد له، وهو الذي كان ينشد الجميع حرية، وهو الذي قال:
بسم الله وإيد بإيد… وقبل الخبز الحريّة
نادتنا أم الشهيد… سألتنا عن يوم العيد
قلنالا ماعاد بعيد… بكرة جاية الحرية