"أريد أخي"، " أريد فلذة كبدي".. و"بدنا بابا" تلك ليست لافتات مرفوعة بوجه السلطة السورية كما قد يتخيل البعض، إذ لم يتوقع السوريون حين صرخوا بوجه الدكتاتورية في شباط وآذار عام 2011 "الشعب السوري ما بينذل" و "سلمية سلمية" أن يستخدموا نفس الشعارات ضد مستبد من نوع آخر جاءهم باسم الانتفاضة، وبات يمارس نفس ممارسات السلطة، الأمر الذي دفعهم للانتفاض من جديد ضد من يحاول أن يعلن نفسه سلطة بديلة في المناطق التي رحل عنها النظام، معلنين أنّ التاريخ لن يعيد نفسه، وأنّ " الحرية أقدس من أن تسرق".
هذا ما فعله أهالي ونساء مدينة الرقة التي كانت أوّل مدينة تخرج عن سيطرة النظام ضد " دولة العراق وبلاد الشام الإسلامية" (جبهة النصرة)، إذ نفذت أمهات وزوجات معتقلين لدى الدولة اعتصاما أمام المقر الرئيسي بتاريخ 17/6/2013، للمطالبة بإطلاق سراح أولادهم و "بوقف السرقات وفك اللثام" إذ "هزّت هتافات "يا حرام ويا حرام باقونا (سرقنونا) باسم الاسلام" و "ابعد يا متلثّم عني" مسامع المسلحين الإسلاميين، كما يقول أحد نشطاء حركة "حقنا" العاملة في المدينة لموقعنا "سيريا أنتولد".
إلا أنّ رد فعل المسلحين على الاعتصام في يومه الأوّل، كان شبيها بقمع النظام، حيث أقدم المسلحون على الاعتداء على الإعلاميين، وطوّقوا منطقة الاعتصام، مما دفع المعتصمين للتهامس فيما بينهم "بتشابه هذا الاعتصام مع اعتصام أقيم أمام المحكمة لأمهات معتقلين لدى الأمن، ولكن ما تجاوزته الكتائب الإسلامية والدولة الاسلامية خاصة، هو أسلوب التصفية والتلويح به، وهذا ما أدى إلى شحن في المجتمع الرقي" الذي انتفض بكامله وقرر المتابعة والتصميم على الاستمرار في التحدي حيث واصل أهالي المعتقلين اعتصامهم أمام مقر الجبهة، حيث ارتفع سقف المطالب إلى "إزالة اللثام للحد من الاغتيالات العشوائية"، فالرقة أصبحت محررة. وهذا القناع أصبح وسيلة لارتكاب عمليات منافية للحرية، إضافة إلى رفع علم الثورة (علم الاستقلال) كممثل عن جميع القوى الثورية في سوريا"، بديلا عن الرايات السوداء.
ولتفعيل هذا الأمر انضم المجتمع المدني والناشطين السلميين مباشرة للاعتصام، " حيث تبنت المنظمات خطاب الشارع ومطالبه، أمّا النساء فقد كانت الأولى وصاحبة المبادرة لما تتعرض له من استبداد وعنف ممنهج ضدها"، الأمر الذي يعني أنّ هذا الاعتصام أعاد للمجتمع المدني عمله كمنظّم للشارع، و مبادر إلى طرح نشاطات أخرى بوجه كل يحاول سرقة ثورتهم، لأنّ "الحرية التي طالبنا بها أقدس من أن تسرق، ورغم ما تعمل عليه الكتائب الإسلامية من سرقة لما أنجزناه كثوار، ولكن أثبتت الرقة وحلب أنها تنجح باستعادة دور الشارع، الذي هو أصل لكل ما حصل وما سيحصل"، حيث سيبقى سلاح التظاهر مرفوعا ضد "الكتائب التي تمارس العنف والسرقة باسم الدين" وليس فقط ضد دولة العراق و بلاد الشام الإسلامية التي "تجاوزت حدود المعقول، وذلك بطرح مشروع الخلافة الذي ينسف مبدأ وحدة التراب السوري".
وهنا عمل المجتمع المدني والناشطون السلميون مباشرة على تجذير الاعتصام وحركة الشارع وتطويرها باتجاه مطالب محددة مثل "حفظ مقدرات الدولة، واحترام الحريات، واحترام الكتائب للمدنيين وعدم إهانتهم"، أي الالتزام بمقولة " مقاتل لا قاتل".
إلا أن أهم ما يلفت الانتباه في الاعتصام هو المشاركة النسائية الرائعة، وإصرار المعتصمات على متابعة اعتصامهن و إيصال رسالتهن بوضوح وأمام الكاميرا دون خوف، حيث تقول إحداهن بغضب "اللي سوا علينا دولة يجي.. نحنا مانريدو دولة"، الأمر الذي يعني أنّ محاولات الكتائب والهيئة وغيرها فرض نماذج استبداد أخرى لن تجدي أبدا، وما رفع الشعارات الأولى للانتفاضة السورية، إلا رسالة ذات دلالة بالغة تقول: كما ثرنا ضد النظام نثور ضدكم وقد فعلنا، علما أن المقاومة ضد هذه الكتائب الآن أصعب، لأن النظام بطبيعته مستبد وطبيعة المقاومة ضده واضحة، في حين أن تلك الكتائب تحاول أن تمارس استبدادها تحت "شرعية الثورة وإسقاطها النظام، إضافة إلى أن الفوضى القائمة تسهّل أية عمليات خارج القانون، ومع ذلك لم يخف السوريون الذين باتوا ينتفضون ضد كل محاولات الهيمنة عليهم باسم الانتفاضة، وما تلك السورية التي تصرخ بملء حنجرتها أمام مقر الجبهة دون خوف: " هي الجبهة ما بدنا ياها هاي الجبهة مساوية حالها إسلام على أساس"، إلا دليل على أن "الشعب السوري ما بينذل".