"خاين يللي بيقتل شعبوا".
مرة أخرى يعود هذا الشعار ليحتل لافتات النشطاء السوريين وتصدح به حناجرهم، إذ بعد أن استخدموه للمرة الأولى أمام السفارة الليبية في دمشق (شباط 2011)، تضامنا مع الانتفاضة الليبية من جهة، و كرسالة غير مباشرة للأمن السوري على هيئة "احكي يا جارة اسمعي ياكنة"، عاد و رفعه النشطاء السوريون الكرد في مدينة عامودا الواقعة في شمال شرق البلاد ضد قيام حزب الاتحاد الديمقراطي ( الجناج السياسي لحزب العمال الكردستاني) باعتقال تعسُّفي لمجموعةٍ من قادة الحراك الاحتجاجي السلمي المدني في المدينة، بعد اتهامهم بتهم غير مدعومة بوثائق مثبتة أو أدلة منطقيّة، بغية فرض سلطة الأمر الواقع وتطبيق الهيمنة الحزبيَّة، الأمر الذي دفع نشطاء المدينة والمجتمع المدني لتنظيم اعتصام يوم27/6/2013 حيث تجمع ما يقارب الـ 100 متظاهر في شارع منير حبيب - الحي الغربي، وهم يرفعون لافتات مناشدة لعامودا، ومنددة بممارسات الحزب في اعتقال النشطاء وملاحقتهم و قمع الحريات، حيث رفعت لافتات مثل: "عامودا لم تركع للاسد فكيف تركع لكلابها"، و " أبوي بس شاطر ع أمي" و " القصير :النظام احتلها بمساعده حزب الله. عامودا: احتلها النظام بمساعده حزب العمال، الكردستاني".
الشعارات المرفوعة استفزت حزب الاتحاد الديمقراطي الذي قامت قوّاته ( الأساييش ) بإطلاق الرصاص الحي بشكل مباشر على الكتلة المدنيَّة السلميَّة المحتجَّة، مردية المتظاهرين بين قتلى وجرحى، عُرفَ منهم حتى الآن سبعة قتلى وأكثر من أربعين جريحاً، بالإضافة إلى حملة مداهمات واعتقالات طالت كثيراً من القياديين في أحزاب "المجلس الوطني الكردي"، الأمر الذي دفع المتظاهرين لاستعادة شعار " خاين يلي بيقتل شعبو.. كان مين كاين" الذي رفع في بداية الانتفاضة، لأن إطلاق الرصاص هذا ذكرهم بممارسات النظام السوري التي لم تجرؤ على إطلاق النار في عامودا، إذ قال الناشط السياسي في حزب "يكيتي" الكردي "بنكين" لموقع "سيريا أنتولد": "لم يتجرَّأ النظام السوري على إطلاق الرصاص على المتظاهرين في عامودا، ولكن ميليشات حزب الاتحاد الديمقراطي تحاول وأد أي تحرك مدني لا يخضع لسلطتها، لقد نجح النظام فيما يريد، جرّ مناطق الاحتكاك الطائفي إلى حرب أهليَّة، وجرّ المنطقة الكرديَّة إلى حرب داخليَّة كردية-كردية".
رد فعل النشطاء الأكراد في المدينة والأحزاب الأخرى كان فوريا وواضحا، إذ يقول "سوار" وهو ناشط مدني سلمي من مدينة عامودا "لا نريدُ ميليشيات مسلحة تحتكرُ الفضاء العام في عامودا ولها صلات واضحة مع الاستبداد السوري"، أمَّا روجين وهي ناشطة في منظّمة "شاويشكا" للدفاع عن حقوق المرأة، فتقول:"السلاح ليس فقط تذكيرٌ للحراك الاحتجاجي وتهميش لدور المرأة، بل هو قضاء على نواة العقل المدني الكردي"، في حين أصدر "المجلس الوطني الكردي" (الإطار السياسي الذي يجمع كافة الأحزاب السياسية الكردية ما عادا حزب الاتحاد الديمقراطي)، بياناً طالبَ فيه بالتهدئة وعدم الانجرار إلى دعوات التسليح المضاد، حيث قال "سيبان" لموقعنا وهو عضو مستقل في المجلس الوطني الكردي:"حزب الاتحاد الديمقراطي منظمومة إقليمية خطيرة جداً، ومواجهة هذه الطغمة بالسلاح سيودي بالمنطقة الكردية إلى صراع مسلح عنفي دامي لن يخدم أحد، على الشباب الكرد التسلح فقط بثقافة المدنية والاحتجاج السلمي المنظم".
إذن لازال الشباب المدني السلمي في مدينة عامودا يصرّ على مواجهة السلاح بالعمل السلمي المدني رافضا الانجرار للسلاح، بهدف الامتناع عن إعطاء الحزب فرصة في مكان يتفوق فيه من جهة كونه يمتلك السلاح والدعم الإقليمي، إضافة إلى الحرص على عدم جرّ الساحة الكردية السورية نحو السلاح، إذ يقول: "الناشط المدني " ديرسم" الذي كان في المظاهرة عند إطلاق الرصاص:"سنصعد من حركات الاحتجاج المدني السلمي ضد حزب الاتحاد الديمقراطي، ولن نلجأ إلى ثقافة العنف المضاد، لانريد أن يصبح الصراع اشتباكاً بين طرفين مسلّحين، بل بينَ طرفٍ يحتكرُ العنف والقوة، وطرفٍ يحتج بشكلٍ سلمي ومدني".
ولم يتوقف الاحتجاج في مدينة عامودا وحدها، بل امتد إلى سائر الوطن السوري، حيث قام مجموعةٌ من النشطاء والمثقفين الكرد في اليوم التالي بالاحتجاج في مدينة القامشلي على سلوك حزب الاتحاد تجاه المتظاهرين، أمام "جامع قاسمو" في منتصف المدينة، رافعين لافتات تحيي عامودا وتستلهم شعاراتها، ولكن سرعان ما انقضت ميليشات الحزب على المظاهرة، وقاموا باستخدام العصي والسكاكين، واعتدوا بالضرب المبرّح على كلّ من وقع بين أيديهم من المتظاهرين، ووجهوا لهم الشتائم والإهانات الشخصية، صارخين بوجههم بالكردية " لنشوف كيف راح تطلعوا مظاهرات"، إضافة إلى مداهمة البيوت التي يعتقد بأنها أوت المتظاهرين الذين اتهموهم بالعمالة لــ "أردوغان" وتركيا، إضافة إلى ضرب شديد للناشط والإعلامي الكردي فرهاد أحمي.
ولم يتوقف التضامن مع نشطاء عامودا على المناطق الكردية في سوريا، بل امتد إلى كامل المناطق، إذ رفع أحد نشطاء تجمع "نحل الساحل" في مدينة اللاذقية، لافتة كتب عليها " آزادي.. عم نادي حرية من عامودا. هنا اللاذقية: البحر والجبل والوادي يقول: عامودا من بلادي". وفي حمص رفع الشباب السوري الثاثر لافتة تقول: " أخوتنا الكورد : حريتكم حريتنا وشهيدكم شهيدنا.سنمضي معاً في ثورتنا ضد شبيحة النظام"، وكالعادة كان للافتات كفر نبل وقفة في لافتة رفعت في جمعة "ثورة متوقدة ومعارضة مقعدة" تقول: "عامودا: ثورة أشعلها القلم وتكاثرت عليها البنادق. عامودا: في بريق عيون أطفالك تشرق سوريا الأمل".
تظاهرات واعتصامات عامودا صرخة بوجه من يحاول سرقة الانتفاضة وتجييرها لمصالح شخصية، ودليل على أن المجتمع المدني السوري رغم ضعفه والمشاكل التي يعاني منها حاضر، ليقول: لا بوجه من يقول نعم للاستبداد من أية جهة جاء، و"خاين يلي بيقتل شعبو كان مين كاين".