"مو ميشان شي بس ميشان تعرف": اسم لفيلم خارج للتو من أحد أحياء حمص المحاصرة، التي تقصف بالطائرات والدبابات والمدافع.
للوهلة الأولى يظن المرء أن الفيلم كغيره من الأفلام عبارة عن دعوة من أناس محاصرين لإنقاذهم من براثن الموت والجوع والحصار الخانق، إلا أنّ حضور دقيقة واحدة من الفيلم المؤلف من خمس دقائق فحسب، سيجعلك تنجرف كليا باتجاهه لتعيده مرة تلوّ المرة: تبكي، تغضب، تلعن، تسب، تكفر، تصمت، تنحني أمام قدرة هؤلاء على الصمود والسخرية وقدرة طفل صغير على رسم البسمة على معالمك رغم قسوة الدقائق التي تحاصرك، تندهش من قدرة أناس محاصرون بكل هذا الألم والموت على إفلات ضحكة منك في الوقت الذي يداهم الحزن كل خلاياك، ويغص قلبك به، وعلى إشهار التحدي في وجهك: نحن هنا صامدون من دونك، باقون سواء انتبهت لمعاناتنا أم لا.
كلمة واحدة فقط: لا نحتاج منك شيء، صامدون لأنّ هنا حمصنا وماءنا وهواءنا.
"سيريا أنتولد syriauntold" بحثت عن القائمين عن هذا العمل، للوقوف على حكايتهم وسبب إنتاجهم لهذا الفيلم، لتفاجأ، بشاب واحد يقف خلفه، فكرة لمعت برأسه، فامتشق سلاحه /كاميرته، فصوّر وأنتج ومَنْتَجَ وأطلق فيلمه نحو الحياة على قناة يوتيوب.
بإيثار قل مثيله، يرفض مخرج الفلم التحدث عن نفسه، تاركا الحكاية للفيلم وشخصياته، لا خوفا من أحد، بل لأنّ الرسالة هي الحكاية: حكاية فقراء و أطفال ونساء يقاومون الدكتاتورية بعيدا عن ضجيج الإعلام وصخبه، والذي كان سببا في ولادة الفيلم، إذ يقول أن الفكرة بدأت " بعد رؤية الواقع الاعلامي السيئ، والطريقة السيئة في طلب المساعدة الإنسانية عبر الشحادة والمناجاة لأبو متعب، والإسلام والطريقة التقليدية.. وإلى ما هنالك من الطريقة المذلّة"، فيأتي هذا الفيلم ردا على أن الشعب السوري ليس شحاذا، فتقول المرأة في الفيلم بإباء وعز: "ابني يلي استشهد كان يقلنا نموت هون بشرف أحسن ما نطلع".
https://www.youtube.com/watch?v=R8aLaOFf3a4
وعمّا إذا كان اختار شخصيات فيلمه وفق طريقة معدة سلفا أم بشكل ارتجالي، يقول أنّ الأمر "كان أكثر من عشوائي، مع الانتباه على اختيار شخص من كل فئة: رجل الكبير بالسن، طفل، طفلة، فئة الشاب المتعلّم التارك للعلم و الملتفت للسلاح، الطفل الفاقد لكل شيئ، الأم المحتاجة للمساعدة".
رغم الحصار الأمني والقصف شاركت الشخصيات في الفيلم بملء إراداتها وبوجوهها الحقيقية متحدية السلطة في عقر دراها إذ أغلب الباقين في تلك الأحياء مطلوبين أمنيا، لإيصال رسالة واضحة للخارج: نحن هنا نتحدى الموت، وأنتم لا تجرؤون على القدوم، في دعوة مبطنة للعودة إلى الوطن. دعوة أطلقتها الطفلة في الفيلم: ليش تركتونا هون، ورحتو ليش نسيتونا!
الهدف من إنتاج الفيلم الذي صوّر في ظروف أمنية ومعيشية قاسية وفي ظل حصار خانق، هو "نقل الواقع بمصداقية، نقل قوة و إيمان وثبات الأهالي الموجودين بالحصار" وهو نفس هدف الصفحة التي أسست على الفيسبوك ، والتي تحمل نفس اسم الفيلم، والتي تعرف عن نفسها بالقول: "مجموعة من الشباب الناشط، الذي يحاول أن يظهر حقيقة الأمور، و يوضح بعض ما غاب عن الأنظار و الألباب من حقيقة الصراع بين الحق و الباطل".
رغم قتامة الواقع ثمة لحظات فرح لا تنسى عاشها مخرج الفيلم تتمثل بـ "أخطاء و عثرات الأطفال، و محاولة تلقينهم الكلمات ومحاولتهم قولها"، تتعايش جنبا إلى جنب مع لحظات "محزنة لا تنسى .. الفتاة الصغيرة و بكاءها أثناء التصوير و هو واضح في المقطع".
في كلمة أخيرة يقول مخرج الفيلم: "نحنا أقوياء من دون مساعدة من أي أحد. الله معنا . حمص ما بحاجة حدا .. الكل بحاجة حمص. و شكر لكلّ حرّة، رفضت تترك الحصار لما سمحتلا الفرصة"، لنكون أمام قصة صمود أسطوري، يؤكدها الرجل الشايب بقوله " نحنا بقيانين هون ما رح نطلع. مارح نطلع. هون رح نموت. وهون رح ننقبر"، والطفلة التي تقاوم أمام مدرستها متسائلة " رفقاتي صاروا صف تامن وأنا لساتني صف خامس، أنا شو ذنبي حتى ما داوم متلي متلن.. أنا هون أرضي وهون وطني ولازم قاوم"، ليكون صوتها رسالة لنا تقول" مو ميشان شي بس ميشان تعرف".