لم تمعنهم الحرب الدائرة والدمار المحيط بهم من زراعة الأمل والحب لتقديمه هدية لـ "المدنيين العالقين بين نارين في ساحات القتال. الناس هناك بحاجة إلى الشعور بأنّهم ليسوا بمفردهم، وأن هناك من يريد مساعدتهم، ولذلك اخترنا تلك المنطقة".
إنهم مجموعة من الشباب السوريين، طلاب في كلية الفنون الجميلة وكليات أخرى، التقوا صدفة في معرض للرسم وستوديو في حلب يحمل اسم: "le pont" أي الجسر، لإجراء دورات في الفن، إذ كانت الورشات مكان نقاش وجدل مع الفنان عيسى حول الظروف التي تعيشها سوريا اليوم عبر طرح سؤال محوري: ماذا يمكن للفن أن يفعل؟ ليقود الجدل إلى ولادة مشروع "فن .. سلام"، بهدف "نشر الحب والسلام بدون أي توجه سياسي كان أم ديني".
أنجزت المجموعة أولى حملاتها قبل أيام قليلة في 20 تموز, حيث قامت بتعليق لافتة ضخمة كتب عليها (فن سلام. art is peace)، بمجموعة من السيديات القديمة في منطقة الجديدة بحلب القديمة، التي تم اختيارها بعناية لأنها تعبّر عن سوريا التي تجمعهم بكل ألوانها، فهي منطقة أثرية قديمة تحتوي مطاعم و بيوت عربية وكنائس أثرية، ويقطنها سوريون من مختلف الطوائف، حتى هذه اللحظة رغم تعرّض نصفها تقريبا للدمار والقصف، وكأنها نموذج مصّغر عن سوريا التي يعملون لأجلها، سوريا التي تتعايش بها الأديان جنبا إلى جنب دون أن تتحول إلى صراع على الهوية، ولذا يدفع الفنانون الناس نحو السلام طالبين منهم " فلنمنح الفن فرصة, فالفن لا شروط أو قيود له, هو الطريق الأمثل للحرية وللسلام, حافظ على دينك لك وشارك الفن مع الجميع".
وعن تفاصيل اختيار المكان يقول أحد أعضاء المجموعة (محمد) لموقعنا سيريانتولد syriauntold: "كنا نريد تعليق اللافتة في ساحة الجامعة لتحدث ضجة ويراها جمهور أكبر، إلا أن اتحاد الطلبة لم يسمح لنا بذلك. فقررنا تعليقها في منطقة "الجديدة" الأثرية بحلب القديمة. وهي منطقة اشتباكات ساخنة، حيث كان موقع عملنا يبعد عن خط النار مسافة 20 متر".
وكون عملهم موّجه للناس بالدرجة الأولى، فإن السؤال عن تفاعل الناس مع هكذا مشروع وسط كل هذا الدمار يبدو مشروعا، إذ يقول محمد أن "سكان تلك المنطقة في البداية كانوا مستغربين جداً لرؤية مجموعة من الشباب يعملون في هذه المناطق المهمّشة منذ أن أصبحت ساحة حرب، إلا أنهم اعتادوا وجودنا بعد فترة وكانوا سعداء بنا جداً، حتى أنّهم دعونا لدخول منازلهم ورؤية "البيت العربي" الذي تشتهر به حارات حلب القديمة".
يعمل الفنانون الشباب على استخدام مواد طبيعية في أعمالهم، سعيا منهم لخلق الفن من أيّ شيء يحيط بهم مهما قلّت قيمته، لذا يستخدمون أقمشة قديمة وسيديات غير مستعملة لرسم وإنجاز لوحات يقومون بتعليقها في المناطق التي يتم زيارتها، لتكون عنوانا للأمل، ومحفّزا للناس على أنّ الحرب محطة وأنّ الحياة مستمرة رغم كل الصعوبات.
أهم الأعمال التي قامت بها المجموعة تلك المتعلقة بنسخ رسومات وخطوط وتفاصيل من حياة الناس اليومية وتفاصيل المدينة الصغيرة، مثل قالب حلوى أو رسمة على جدار أو خطوط آثارية على مقعد ما، ليتم العمل عليها لاحقا، وجمعها في عمل يعّبر عن التنوع السوري المذهل، لنكون أمام فكرة مبدعة تجمع بين الفن والحياة، التي يسعى هؤلاء الشباب لمقاومة الحرب والموت من خلالها، إذ رغم خطورة المناطق التي تقيم المجموعة فيها نشاطاتها، وإمكانية تعرّض مكان عملهم للقصف في أي لحظة، إذ سبق و سقطت أربع قذائف بالقرب منهم، يصممون على إكمال مقاومتهم، مستمدين عزيمتهم من لحظات الفرح التي تحصل معهم لتكون زادا ودافعا لهم، كما حصل معهم حين سألتهم طفلة: لمن تقومون بهذا العمل؟ فقال لها أحدهم: من أجلكم. عندها ابتسمت وطلبت أن تأخذ الصور مع صديقاتها تحت لافتة "فن، سلام"، ساعين لتحويل اللحظات العصيبة التي يمرون بها أثناء القصف إلى مواقف تدعو للضحك بعد انتهائها.
الآن، تحضّر المجموعة لإنتاج فيلم قصير عن مجموعة أشخاص يتحدثون عن التغيير الذي طرأ على حياتهم بسبب الحرب التي يقاسونها يومياً، ورأيهم بالقصف الذي يطال كل شيء في المدينة ويحيله دماراً، مع التركيز على الأطفال الصغار الذين "يبدعون" عندما تسلط عليهم الكاميرا كما يقول أحد أعضاء المجموعة.
"فن وسلام" مقاومة بالفن لزراعة الأمل ونشر الحب بين السوريين في مستوى أوّل، وهي دعوة ضمنية للعلمانية التي تدل عليها عبارة "حافظ على دينك"، وكأننا أمام فن يقول على طريقته: "الدين لله والفن للجميع".