عرسان يمشون على مذبح الموت، فلسطينيون تعددت مفاتيح بيوتهم بين فلسطين ومخيمات اللجوء، طائرات تقصف الجامعات، مشيّعون يرفعون لافتات الحرية تحديا للموت والسلطة في آن، خريطة سوريا تأخذ شكل أم تلد مرفقة بعبارة: شدي حيلك يا بلد.. في كناية واضحة عن حرية ستأتي مهما طال المخاض .. تلك بعض عوالم لوحات الفنان الفلسطيني ورسام الكاريكاتير الشاب سمير خليلي.
ورغم تعدد مواضيع لوحاته إلا أن ثمة تيمة تتكرر كثيرا في لوحاته، إذ تكاد الوجوه المسحوقة، الممحوّة الملامح، تشكل عنوانا بارزا لأغلب لوحات الفنان المولود في مدينة حمص (1990)، لتكون الوجوه هذه: صرخته واحتجاجه ضد ما يصيب السوريين الذين تحولوا أرقاما تعبر بسرعة على شاشات التلفزة، ساعيا بلوحته وكاريكاتيراته لتخليد كلّ لحظة و أنة ووجع، كلّ صرخة وثورة ولافتة صدرت عن انتفاضة " أخرجت شيء عظيم بداخل كل من آمن بها وانتظرها .. أعتقد أنها كانت ثورة فنية بامتياز أيضاً"، كما يقول لسيريانتولد syriauntold.
سمير الطالب بكلية الآداب والحاصل على شهادة مساعد مجاز بهندسة المعلوماتية بدأ مسيرته كمصمم "بوسترات "، لينتقل لاحقا للكاريكاتير الذي يرى فيه "أداة محركة للناس, كاشفة لعورات الجميع، ولأنّه يعبّر عن الحزن والفرح بطريقة تدخل القلوب بسرعة".
يرى سمير أن الانتفاضة السورية الحاصلة الآن دخلت في "صميم الفن السوري ولسنوات طويلة جدا"، لأنها غيّرت في الفنانين وطبيعة فنهم، فارضة نفسها بقوة إلى درجة أن "عدد كبير جداً من الفنانين السوريين الشباب أصبحوا معروفين على مستوى ضخم، وبصيغة إبداعية جديدة مختلفة عن الصيغة التي كانت قبل الثورة. صيغة فيها انطلاق وتحرر من كل العيوب التي مضت, أصبح هناك أيضاً جمهور كبير للفن لم يكن موجود سابقاً فالناس اليوم تنتظر من يعبّر عن ألمها وأحلامها بكل الطرق".
وعن علاقته كفلسطيني/سوري بالانتفاضة، يقول: "هذا النقاش دائماً مفتوح لدى الفلسطينيين السوريين ككل.. أنا أعتبر نفسي جزءاً منها كأغلب الفلسطينيين لأني سوري أيضاً مرتبط بكل تفاصيلي بشوارع البلد، بمدارسها، بأصدقائي السوريين بعملي وجامعتي. كنت سورياً طوال الوقت، لكن الشعور بهذا الإنتماء تفجّر بالشكل الأكبر عندما بدأت الحناجر الأولى بالصراخ "الشعب السوري ما بينذل" . كنت كأغلب الشباب السوري، أتابع بولع وأمل الدعوات للتظاهر حتى تلك التي فشلت, واشتد حماسي منذ أن خرج أطفال درعا وأهلها.. بدأت بعمل تصاميم رمزية غير مباشرة ومن ثم كاريكاتيرات وكان حاجز الخوف يكسر يوماً بعد يوم".
وهكذا بدأ سمير يتفاعل كفنان مع أحداث الانتفاضة، راسما وموثقا لها عبر الكاريكاتير الذي تحوّل إلى وسيلة مقاومة للظلم والطغيان، فكانت لوحة "الشعب ما بيموت" التي رسمها بعد مجزرة داريا التي راح ضحيتها 200 شهيد صرخة تقول أن "الموت لم يعد يخيف، وأن الشعب سيبقى حياً ليس هناك أحد يستطيع قتل شعب. في اللوحة يستشهد شخص,فترفع عائلته صورته, تستشهد العائلة فيرفع أبناء الحي صورتهم, يستشهد أهل الحي فيرفع الشعب كله صورتهم. شعرت أنها معجونة بالأمل لاقت تجاوباً وانتشاراً كبيراً وعبرت عن إصرار الشعب على المضي رغم كل الخسائر".
لوحة للفنان سمير خليلي. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك
وضمن هذا التشابه الذي بات يلف طرق التعبير عن الانتفاضة السورية إبداعيا بحث سمير عن شيء خاص به ليعبّر "عمّا يجول بذهن الناس في سوريا بعيداً عن "الكليشة" السياسية المتداولة للثورة بين رسامي الكاريكاتير"، الأمر الذي أوصله إلى وجوه "بلا ملامح" لتصبح "أكثر رمزية استخدمتها وأصبحت كتوقيع لأعمالي. كنت أرمز فيها للناس المسحوقين الذين تحوّلوا لأرقام يوميين على الشريط الإخباري في التلفاز".
وعن سبب استخدامه اللون الرمادي بكثافة يقول "سمير لموقعنا": "استخدمت اللون الرمادي ليس دائماً لرمزية محددة، أكثر من كونه طابع أميّز فيه أعمالي عن باقي الأعمال، ولأنّي لا أحبّ الأفكار المباشرة جداً بوضوحها في الفن لأنها تسلب حرية التذوق للمشاهد، ففضلت أن يغلب الرمادي على أكثر أعمالي".
يؤكد سمير على ضرورة وقوف الفنان إلى جانب شعبه، عبر رؤية تقول بأن للفن " رسالة قادرة دائماً على رسم الامل.. وتعميق الألم لدى المتابعين وإشعارهم بمدى تقصيرهم إزاء تضامنهم الإنساني مع الثورة"، إضافة إلى الدور الذي يلعبه الفن "بتوثيق الثورة السورية فنياً كتوثيق كبرى الثورات العالمية وهذا قد بدأ فعلا بشكل جيد ضمن الثورة السورية . أما القدرة الكبرى للكاريكاتير فهي كشف العورات والنقد اللاذع القادر دائماً على تصحيح الأخطاء ضمن الثورة وتجديد مسارها بشكل دائم وحيوي.
لوحات سمير معجونة بالهم اليومي السوري، إذ لا تغادر مجرزة الحولة رأسه حيث "كانت الفيديوهات على النت تعرض عشرات الأطفال مذبوحين بالسكاكين. إنه الدرك الأسفل الموجع"، ليتساءل: "ما ذنب هؤلاء الأطفال بخلافات الكبار؟" وكأن الجرح الفلسطيني تداخل مع السوري في هم واحد، فالخيمة التي طالما عرفت بأنها رمز اللجوء الفلسطيني قد جمعت هنا السوري والفلسطيني دون تمييز، حتى توّحد الاثنان في واحد.