بعدَ دخولِ الانتفاضة السورية إلى مطب انقسام اجتماعي طائفي، وتأكُّد السوريين بأنَّ الطائفية لا تحارب بالطائفيَّة، وبأنَّ سياسة المعارضات لم تؤدي إلا إلى مزيدٍ من التأزُّم، بدأ الناشطون المدنيون يدرِكون بأنَّ معالجة المشاكل الطائفيَّة لا تكون بالخطابات الدينيَّة، وبأنَّ الطوائف الدينية لا تلتقي سوى على أرضيَّة وطنيَّة، لذلك فقد ظهرت على صفحات الفيسبوك حالات إبداعيَّة عديدة من داخل الحراك السوري، تقوم بمعالجة المسألة الطائفيَّة في المجتمع بأدوات فنيَّة، كالرسوم الفنيَّة والقصص الواقعيَّة والسخرية الهادفِة بالإضافة إلى الأفلام الوثائقيَّة منها والتصويريَّة، فالإبداعُ وحدهُ عابرٌ للطوائف.
"كوميك من أجل سوريا"، أحد التجمعات الشبابية التي عالجت الطائفية بأسلوب فني، حيث يقوم الناشطون برسم قصص وحوادث من وحي الانتفاضة السورية تحارب الطائفية في المجتمع، دون قصد مباشر، لأنه " في الحقيقة لم يكن هدفنا التركيز على فكرة الطائفية بحد ذاتها بقدر التركيز على طريقة تعامل السوريين بعضهم مع بعض على تنوعهم، في قصَّة "كوكتيل" يعود الشابان المختلفان طائفياً صديقين حميمين، وفي قصَّة "طريق سفر" تساعد المرأة المسنة الشاب الصغير الذي لا ينتمي إلى طائفتها وتحميه. في قصَّة "الخوف" تعدل الراهبة عن الفكرة المسبقة التي أخذتها عن المعارضة، وفي قصَّة "عزاء" نوضح أن الجميع في ظل هذا النظام هم ضحية. نحن لا نعبِّر عن الطائفية، ولا نعتبر أن الأمر خطير. السوريون ليسوا طائفيين ولن يكونوا. نحن نعبّر عن قصص حصلت وتحصل بطرق مختلفة فيما يتعلق بتواصل السوريين مع بعضهم البعض. نحن لا نعالج الطائفية لأنها غير موجودة أو دخيلة وإلى زوال، بل نعالج سوء الفهم والأحكام المسبقة ونذكر كيف يفكر السوريون ببعضهم البعض"، كما يقول أحد أعضاء المجموعة لموقعنا سيريا أنتولد syriauntold.
وعن حدود الدور الذي يمكن للفن أن يلعبه لمواجهة الطائفية يقول أحد أفراد مجموعة كوميك لأجل سوريا " بالتأكيد لا يكفي هذا. الحل الحقيقي للمشكلة أن يستطيع السوريون التواصل مع بعضهم البعض بحرية، وأن يكتشفوا أن كل الأفكار المسبقة التي تشكلت مؤخراً ليست حقيقية، الطائفية كذبة ونحن نصرّ على أنها غير موجودة، الفصل المناطقي الكبير الذي حصل خلال السنوات الماضية والذي جعل الناس يتمترسون في مناطقهم ويشعرون بأنّهم مهددون إذا تجاوزوا حاجز لمنطقة أخرى هو سبب المشكلة. الرسم والفن أداة متطورة لنقل الأفكار. وكلما كانت الافكار حقيقية وواقعية وصادقة كلما كان مؤثراً، قد يستخدم الفن لبث الطائفية، وقد يستخدم لنفي وجودها كما نفعل نحن. وهو بالتأكيد عامل مساعد يؤدي إلى تغيير المزاج العام لكن العمل الحقيقي هو على الأرض وهو تواصل الناس مع بعضهم. وقد يستخدم الفن أيضاً لهذا الأمر"
ومن أهم آليات المقاومة الفنية للطائفية هي السخرية، لأنَّ الجدية دوماً مملة وسهلة الرفض، والسخرية لاذعة ونفاذة أكثر، هذا ما تدركه تماماً صفحة الفيسبوك الساخرة "أنا صرت منهم، شو بدّك تعمل"، فهي صفحة تعتمد على مقاطع السخرية المكتوبة، بالإضافة إلى الرسوم الانطباعية التعبيرية، وذلك من أجل مواجهة الطائفية والانقسام الاجتماعي بين الموالاة والمعارضة في سوريا، بعيداً عن التقريرية والمباشرة، إحدى المنشورات في هذه الصفحة تقول: "أنت لم تولد مسلم .. مسيحي .. يهودي ..معارض أو مؤيد ... رأسمالي أو شيوعي ...،أنت ولدتَ مخلوقاً بشرياً .. عش و دافع عن كل البشرية" أو المنشور القائل:"الله يوفق الجيشين مشان ماحدا يصيبنا "بالغلط" ،ونتفشكل بشي قناص او شي هاون بالغلط".
وعندما تأكَّد الناشطون المدنيون بأنَّ بعض الإعلام الخارجي لا يختار من الحدث السوري سوى ما يجذّر الطائفية ويبث الكراهية والحقد، اعتمدوا على وسائل النشر في شبكات التواصل الاجتماعي، وبأدوات ذاتية فنيَّة بسيطة، تعتمد على دمج اللقطة الواقعية بالحس الفني، فأطلقوا مجموعة من الأفلام الوثائقيَّة حول استغلال الطفولة في الصراع المسلح المندلع الآن في سوريا، كمحاولةٍ لتطييف البراءة، ويظهر فيلم "إطلاق سلسلة: الأطفال والسلاح PROMO: Kids with Guns"، كيف يتم غرسُ العنف في الأطفال السوريين، وتعبئتهم بالكره والحقد والانتقام، ومحاولة القضاء على الشعور الوطني البسيط لديهم، وذلك بتغليب ثقافة السلاح والمعتقدات الدينية المتشددة، وينبَّه الفيلم بطريقة فنيَّة غير مباشرة، على مستقبل الطفولة في ظل الصراع المسلح المندلع في سوريا الآن، وخطورة غرس الأفكار الطائفية بين الأطفال. ومن لقطات الفيديو الوثائقيَّة الواقعيَّة المصورة من قبل الناشطين، مقطع شاب في مظاهرة في مدينة بانياس، تحت عنوان "شام - بانياس - يد واحدة ضد الطائفية سنبني بلد جديد"، ، يتحدث قائلاً "نحن شعب الحرية، سنة وعلوية إيد بإيد، بدنا حرية، سنة وعلوية إيد بيد، ما بدنا طائفيَّة"، بالإضافة إلى تصوير مظاهرة صامتة في مدينة حلب بعنوان 7-4 Aleppo أوغاريت حلب مساكن هنانو لوحة بشرية ضد الطائفية، معتصمين بشكل صامت، يحملون لافتات تنادي بالوحدة الوطنية، وتدعو إلى الإخاء الاجتماعي والسلم الأهلي، كاللافتة التي يحملها طفلٌ والقائلة "أنا سني أمي وأبوي كردي وأمي درزية وخالي مسيحي وعمي شيعي وجاري علوي، بس كلنا سوريين"، أو اللافتة بيد فتاة والتي تقول "لا مكان للمتعصبين والمتطرفين في سوريا الحرّة"، وغيرها الكثير من اللقطات الواقعية المصورة المهملة من قبل الإعلام والتي تنبذ الطائفية وتدعو إلى الوحدة الوطنية والتعايش الوطني.
أكد الناشطون السوريون بأنَّ الفن يأخذ موضوعه من الواقع لأنَّه انعكاس له، وبعد أن يعالج هذه المواضيع بأدوات فنية ونقدية، يعود ليدخل هذه المواضيع في قلب الواقع من أجل تغييره، لأنَّ المسألة التي تفشل فيه السياسية، ينجحُ فيها الفن.