تكاد حكاية "الحراك السلمي السوري" تختصر المشهد السلمي في الانتفاضة السورية، وتشكل دليلا حيّا على استمراره في آن، رغم طغيان الجانب المسلح على ما عداه، إذ لم يكن ( ولازال) ثمة نشاط أو فعالية أو نوع من أنواع المقاومة المدنية إلا وكان للتجمع مشاركة أو قول فيه، عدا عن محوريته في إبداع وابتكار العديد من الأفكار المقاومة التي وجدت طريقها إلى الشارع وأصبحت علامات بارزة في تاريخ الحراك السلمي السوري مثل إضراب الكرامة وغيره.
التجمع الذي ولد بعد شهر (نيسان 2011) تقريبا من اندلاع الانتفاضة السورية يكاد يكون تاريخه الشخصي متقاطعا مع تاريخ الانتفاضة بمساراتها وتعرجاتها، ألمها وفرحها، بحيث تبدو حكاية التجمع تأريخا وتوثيقا لمجريات هذه الانتفاضة التي يشكل التجمع أبرز الفاعلين فيها، الأمر الذي دفعنا في سيريا أنتولد syriauntold لمحاولة البحث عن الحكاية من لحظة التأسيس حتى اليوم، حيث لا تزال الأحداث مستمرة، في نشاطات المجموعة التي تمكنت من تكييف عملها مع الأحداث المتحوّلة والجذرية، إذ لم تدفعها العسكرة للبكاء والندب على الأطلال، بل قاومت اليأس باحثة عن منافذ الأمل والفعل في كل منعطف، فكما كانت تجد الأدوات المبدعة للعمل ضمن مناخات الاستبداد القاسية بهدف تفكيكه، هاهي تجد وسائل العمل في مناخات العسكرة وانبثاق تيارات داخل الانتفاضة تتنافى مع مطالب السوريين بالحرية والعدالة.
تكاد حكاية التجمع تختلف عن الكثير من التجمعات التي تجمّع أفرادها في ظل الثورة لأنّ "أعضاء الحراك المؤسسين هم سوريون في الداخل و الخارج. جمعتهم لمدة تزيد عن 5 سنوات مجموعة تراسل فكرية تعتمد على وجوب العمل على الفكر لتغيير ما في الأنفس" كما يقول أحد مؤسسي المجموعة لموقعنا، حيث " شارك البعض الآخر في نشاطات سبقت الثورة بسنوات فيما عرف بمجموعة شباب داريا " في نشاطات تركزت على "مكافحة الفساد وخلق حالة تغيير للواقع الاجتماعي، لنكون أمام تجمع شبه منظم ويعرف أفراده ما يريدون بدقة حتى قبل اندلاع الانتفاضة، وهذا ما يفسر استمرارهم حتى اللحظة وقدرتهم على التجاوب والـتأقلم مع كل المتحولات الجارية، وقدرتهم على الصمود سلميا حتى اللحظة عبر ابتكار أدوات نضال ومقاومة تتلاءم مع كل طور من أطوار الانتفاضة.
أعضاء التجمع انخرطوا في النضال السلمي منذ البواكير الأولى للانتفاضة، إذ كان بعضهم متواجدا في الاعتصام الذي جرى أمام وزارة الداخلية بتاريخ 16 آذار 2011، ليأخذ عملهم صيغة أكثر تنظيما بعد تأسيس التجمع الذي انضم وشارك وأنجز الكثير من المشاريع على الأرض مثل "خليك بالبيت" الذي يمكن وصفه بأنّه أوّل دعوة للإضراب في الانتفاضة السورية، حيث هدفت المجموعة "أن يكون الإضراب لبضع ساعات فقط، مساء يوم الخميس، حيث ما يبقى الناس عادة في بيوتهم" في محاولة منهم لجعل "الأمر بسيطاً وسهلاً قدر الإمكان، و لنكسر حاجز الخوف و نوصل صوت الشعب الرافض لممارسات النظام الإرهابية دون إلحاق الضرر بالمشاركين في الفعالية من جهة الملاحقات الأمنية وتبعاتها"، إلى حملة "خبي قرشك" التي تعتبر أول دعوة للعصيان الاقتصادي، حيث دعت الحملة إلى " تأخير دفع الفواتير أو الامتناع عن دفعها ليتوقف الإمداد المالي للنظام من خلالنا، و لعل من أبرز الإعلانات التي ظهرت ضمن تلك الحملة صورة لشواهد قبور مكتوب عليها (راح بفاتورة مي)". إلا أن هذه الحملة لم تلقى تجاوبا كبيرا من الناس آنذاك كما يعترف ناشطو المجموعة " لأسباب أصنفها شخصياً على أنها تمثل طيبة الشعب –حتى الشريحة الثائرة منه- و حرصهم على الاقتصاد الوطني حيث لم تدرك الاغلبية العظمى حينها أن النظام يجرنا إلى ما هو أبشع من الخراب الاقتصادي".
وانضم التجمع لأيام الحرية الذي يعتبر "مظلة لمجموعات العمل السلمي السوري" ونفذ مشاريع "اليوم العالمي لسوريا – أنقذوا أطفالنا" و"شخابيط ثورية" و"قصاصات ثورية" التي تعتبر "وسائل إبداعية تنتهج أسلوباً سهلاً مبسطاً لإيصال رسائل توعية تتفاوت في درجة تعقديها، كالسلمية أو الحرب الأهلية، إلى شرح أسس العصيان الاقتصادي و إقامة النقابات البديلة"، إضافة إلى "قرآن من أجل سوريا"، وإنجيل من أجل سوريا" و"شبكة حراس لحماية الطفل" التي عينت " حارس في كل نقطة تعليمية يقوم برصد الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال و يمكنه التواصل مع مختصين من الشبكة"، عدا عن إصدار مجلة " طيارة ورق" المعنية بالطفولة بالتعاون مع مجلة "عنب بلدي".
ورغم كثرة النشاطات التي قام بها التجمع، إلا أنهم يرون أن "إضراب الكرامة" يمثل بالنسبة لهم "أجمل يوم مرّ عليهم"، لأنّه حقق "نسبة استجابة تفوق جميع التوقعات" إضافة إلى "ليلة إضراب الضجيج التي دعونا إليها مع مجموعات أخرى.الفرح كان مرتبطاً بإعجابنا الشديد بقدرة الشعب على الإبداع و الاستجابة للفكر المدني".
خسر التجمع العديد من ناشطيه و الذين تعاونوا معه خلال هذه المسيرة الطويلة في مقارعة المستبد، إذ "أول فاجعة كانت استشهاد الصديق غياث مطر و اعتقال يحيى الشربجي من أعضاء الحراك. واستشهاد الصديق باسل شحادة الذي تعاون مع الحراك على انتاج فيلم "أغاني الثورة" و "مشروع نقود الحرية"، إضافة إلى "استشهاد عضوين من أعضاء الحراك في داريا الجريحة. والشهيدان محمد قريطم مؤسس جريدة "عنب بلدي" و محمد شحادة أحد مدرائها".
الأثمان الباهظة التي دفعها التجمع وتحوّل الانتفاضة في قسم كبير منها إلى عمل مسلح لم يمنعا مواصلة الدرب من خلال "تعديل خطة العمل الحالية، لتشمل مساعدة المدنيين الواقعين تحت خط النار، ودعم كافة الأنشطة المدنية على الأرض الى جانب المتابعة بنشر الفكر التوعوي عبر كافة وسائل الإعلام المتاحة" الأمر الذي يجعلهم متجذرين أكثر بسلميتهم التي يصرون على التمسك بها "نعم. ما زال للسلمية و للأعمال المدنية دورها الأساسي و المهم. و نشاهد اليوم في المناطق المحررة إعادة استخدام لاستراتجيات المقاومة المدنية في إطار بناء المجتمع الديمقراطي و مواجهة التطرف و الاستبداد"، دون أن ينسلخوا عن الواقع الذي تفعل العسكرة فيه فعلها، إذ يرون أن "العسكرة اليوم واقع نرفضه فكرياـ و لكن نتعايش معه. كثير من العسكريين الذين التقينا معهم يدعموننا و يدافعون عنا في مواجهة العنفيين فكرياً. و كثير منهم يترحم على أيام السلمية حتى أن بعض الكتائب تقوم بحماية مشاريعنا لإيمانها بأهمية الحراك السلمي و المدني".
يؤمن شباب "الحراك السلمي" اليوم أن "منحنى الإيمان بالعمل السلمي يتجه صعوداً من جديد .. حيث بدأنا نرى تقبلّاً جيداً لأفكار العمل المدني و السلمي ضمن المناطق المحررة، والأخرى التي ما زالت تحت سيطرة النظام على حد سواء"، معتبرين أن "العمل المدني هو السبيل الأنجع لتأسيس الدول على أسس قوية اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً، و أنّه أحد أقوى ضمانات الديمقراطية"، وداعين الجميع لرعاية المشاريع المدنية التي هي "بذار المجتمع المدني السوري الراشد" للوصول إلى "أفق الحرية و الكرامة الذي يتسع للجميع".