ميسا وسمر بين سجون الاستبداد وبديله


17 آب 2013

تكاد حكاية سمر وأختها ميسا تختصران واقع الانتفاضة السورية والمآل الذي وصلت إليه اليوم، حيث اعتقلت ميسا في سوق ساروجة الشهير في دمشق بتاريخ (23/4/2013) في حين اعتقلت سمر منذ أيام (12/8/2013) على يد دولة العراق والشام الإسلامية، ليُطحن الجناح السلمي المدني وخاصة النساء المطالبات بدولة مدنية علمانية في طاحونة رحى حجرها الأول النظام المستبد الذي لم يزل متسيّدا في مناطق نفوذه وقوته، والثاني: وارثو الاستبداد في المناطق التي تخلّى عنها النظام مكرها ( جبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية والجيش الحر) التي تحاول استغلال الأوضاع الانتقالية الحالية لتثبيت أركان دولتها التي يرفضها السوريون جملة وتفصيلا.

ميسا المعتقلة اليوم في سجون النظام بدمشق انخرطت في الانتفاضة منذ بواكيرها، تاركة عملها في مشفى الشام، لتندمج أكثر مع طموحات شعبها بالحرية والديمقراطية مما أوصلها للانضمام للمنبر الوطني الديمقراطي الذي تشكّل بقيادة ميشيل كيلو وحازم النهار قبل أن تمّل السياسة سريعا وتعود للانخرط في مجريات الانتفاضة إلى أن اعتقلت في كمين نصبته لها قوات الأمن مع عدد من أصدقائها في سوق ساروجة وسط دمشق.

أما سمر المعتقلة اليوم عند دولة العراق والشام الإسلامية في حلب، كانت أيضا أوّل المشاركات في تظاهرات مدينة حلب ضد النظام، إضافة إلى انخراطها بقوة في أعمال الإغاثة ومساعدة الناس حين بدأ الصراع المسلّح ينشب مخالبه في أحياء المدينة، لترث مراقبة حثيثة لها بفعل نشاطها و وجعا في الظهر سيبقى ملازما لها، مما دفعها لمغادرة البلد إلى القاهرة حين اشتدت وطأة "الأعين" عليها، لتقرر العودة حين انسحبت قوات النظام من غرب حلب، يدفعها حبّها لترسيخ أسس ما حلمت به طويلا، لتجد أنصار "دولة العراق والشام الإسلامية" في انتظارها حين كانت تقوم بتصوير تقرير إعلامي برفقة زميلها محمد العمر في مدينتها الأتارب، كما قال أحد المصادر من المدينة لسيريا أنتولد syriauntold، التي أكدت أيضا أن سلوكيات دولة العراق والشام الإسلامية لا تختلف أبدا عن سلوكيات النظام، حيث كان أول ما فعلوه هو الدخول إلى حسابي سمر ومحمد على الفيسبوك وسكايب و الحديث مع أصدقائهم من حساباتهم الشخصية!

الصبيتان اللاتي نشأن في بيت مدني علماني قدّم لهنّ كلّ العناد اللازم للتمسك بالحرية فضيلة عليا في الحياة، لم يسكتن للظلم أو يركن لمحاولات إعادتهن إلى حظيرة الطاعة، سواء كان الأمر من النظام أو أشباهه وإن حكموا باسم المعارضة أو الانتقاضة، الأمر الذي دفع هؤلاء لاعتقالهم غير مدركين أن الحرية لا تعتقل لأنها أنثى رضعت الحرية من أب علّم أبناءه فضيلة الحرية، مما جعله يدفع ثمنا مضاعفا.

ميساء صالح المعتقلة في سجون النظام في دمشق
ميساء صالح المعتقلة في سجون النظام في دمشق

العائلة التي خرجت من الميراثين السلطوي والعائلي مبكرا مطالبة بالحرية والدولة المدنية، تدفع اليوم ثمن مدنيتها مرتين: مرّة على يد النظام وأخرى على يد وارثو الاستبداد الذين كان للأم جولة سخرية معهم حين كانت تراجع أحد الدوائر الشرعية في حلب.

سخرية تكاد تبدو اليوم جارحة حين تدفع العائلة ثمنها اعتقالا على يد الاستبداد و من نصّب نفسه بديلا، ولكنها أيضا تمثل نموذجا حيّا عن مقاومة المجتمع السوري لكل تلك الأشكال الهجينة من الاستبداد التي لم يناضل السوريون ليحصلوا عليها، بل أرادوا الدولة المدنية التي يكاد وجها سمر وميسا يشكلان أبرز معالمها.

سمر صالح المعتقلة في سجون دولة العراق والشام الإسلامية
سمر صالح المعتقلة في سجون دولة العراق والشام الإسلامية

اعتقال الصبيتين الذي عكس مأزق الانتفاضة السورية اليوم و عنق الزجاجة الذي ترقد فيه، تحوّل إلى تذمّر وغضب على ساحة الفيسبوك، حيث كتبت الناشطة وعضو الائتلاف الوطني ريما فليحان:"سمر صالح في قبضه دوله العراق والشام بينما تقبع شقيقتها ميسا في معتقلات النظام. الحريه لكما من تلك القبضتين الطاغيتين"، في حين كتبت الناشطة ميس قات: "ميساء صالح معتقلة لدى المخابرات السورية في دمشق. والبارحة أختها سمر صالح مختطفة لدى داعش في حلب. الحرية لميساء وسمر. والعار كل العار لملوك الظلام".

وتحوّل النقاش أحيانا ليصل إلى حد محاكمة المعارضة التي ساهمت بطريقة أو بأخرى بخلق هذا الوضع المتأزم على حد قول البعض، حيث وجّه ثائر كرباج لريما فليحان سؤالا مفاده : "أليس هذا ما سعى إليه الائتلاف؟" في محاولة لتحديد مسؤولية المعارضة وعدم قدرتها على إدارة المناطق التي تركها النظام رغم كل ما تتبجح به على شاشات التلفزة، وما اعتقال ميسا وسمر والأب باولو و نور مطر وغيرهم في مدينة الرقة، إلا انعكاسا لفشل المعارضة في إدارة هذا الملف.

ميسا وسمر: زهرتا حرية، شاء لهما نضالهما أن تعكسا تعقيد اللحظة السورية الآن، حيث الأولى تواجه الاستبداد والثانية تواجه سلطة ما بعد الاستبداد، لتكونا شاهدا على أن الانتفاضة ليست مجرد إسقاط نظام، بل نضال ومقاومة مستمرة ضد كل أشكال السلطات وسجونها، سواء كانت علمانية أو دينية.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد