السوريون يقاومون الكيمائي بالرسوم والأغاني وتحدي الدكتاتورية


28 آب 2013

 

لم يكن الموت طبيعيا في يوم إطلاق السلاح الكيمائي في سوريا، إذ رغم مشاهد الموت التي تصبغ حياة السوريين منذ بدء انتفاضتهم ضد النظام  فإن الموت بدا هذه المرة وكأنه ذو مذاق خاص، أسود، ملوّث بما لم يعهده السوريون يوما أو يذوقوه!

 إنه السلاح الكيمائي الذي لم يكن أحدا في سوريا والعالم يتوقع أن يستخدم بمثل هذه الكثافة والوضوح رغم معلومات عن استخدامه سابقا إنما بشكل محدود إلى درجة أن  الرئيس الأمريكي أوباما اعتبره خطا أحمرا!

إنه الكيماوي الذي أطلق على مدن ريف دمشق ( دوما – سقبا – المعضمية – عين ترما..)، وذهب ضحيته أكثر من 1300 ضحية و3000 مصاب ( حسب أرقام المعارضة)، لنكون أمام: أطفال منتشون براءة بلعنة الكيماوي، وجوه مموهة بالثلج كأنها خارجة للتو من ساحة اللعب، وجوه طازجة وصغيرة على الموت، أمهات تبكي بلا دموع، غضب يملأ السماء التي لم تعد تسمع..

أمام فتك السلاح وجنونه لم يقف السوريون والنشطاء مسلّمين بهزيمتهم، إذ أدركوا منذ زمن بعيد أنهم متروكون لوحدهم، وأنّ " ما حك جلدك إلا ظفرك" كما رفعت إحدى اللافتات في الجولان تنديدا بضرب الكيماوي، الأمر الذي دفعهم بعد استيعاب صدمة الحدث، لاستنفار مقاومتهم إلى أقصى حد، إذ لم تكد تمضي ساعة على انتشار الخبر حتى كانت بروفايلات السوريين على صفحات التواصل الاجتماعي متوّحدة حول صورة تظهر رمز الكيمائي مرفقة بعبارة    chemical massacre in syria، ومذيّلة بكتابات غاضبة، ترثي الضحايا من جهة، وتتوعد بمتابعة المقاومة ثأرا لبراءة الأطفال المهدورة.

مقاومة السوريين لضرب السلاح الكيمائي اتخذت أشكالا متعددة، إذ بدأت تغزو صفحات التنسيقيات والتجمعات والناشطين صورا ورسوما وكاريكاتيرات وأفلاما وأغاني، وكأن الحياة تنتشل من فم العدم/ الموت: أطفال معلقون ببوالين لها صورة رمز الكيماوي القاتل، كدلالة على الموت الهابط من سماء العدم على السوريين، غرافيتي تسخر من الكيماوي و أخرى تعبر عنه عبر وجوه الضحايا، كاريكاتير يسخر من النظام ورد فعل الخارج على المجرزة، بوسترات توّحد ما بين القناع الكيميائي والبوط العسكري، أغنية للفنان سومر شعبان تصرخ بوجه العالم " حاجي تبيعني حكي فاضي وتقول أديش زعلان عاولادي وتاريخ جدادي/ حاج تتاجر بدم ولادي"، تسخر من الدكتاتور وداعيمه:  ورتان وقاتل وعنده في كيماوي/ الأخضر واليابس كله بيهون كرمالي/ قال حتى لون عيونه في شي سماوي"، مع تسليط الضوء على لحظات الموت الأخيرة: عيله سوريه ما بقي منها ولا حدا ( إيراني)/ صورهم مخفيه لا جنازه ولاحتى عزا/ غلبو الجوع والبرد بس آخر نفس كان كيماوي.!

https://www.youtube.com/watch?v=ZVJh-RLEUio

وفي التعبير العملي عن مقاومتهم للطاغية وسلاحه الكيميائي، قام نشطاء دمشق بتوزيع مناشير  في المدينة شملت أحياء: المزة , المهاجرين , ركن الدين , الجسر الأبيض , الطلياني , الصالحية , العفيف , الشعلان وعدة مناطق أخرى، حيث نشروا شعارات منددة بالقصف، محرضين الناس للثورة ضد هذا النظام، وعدم الاستسلام له، عبر الدعوة لإضراب التجار الذي لم يقيّض له النجاح.


https://www.youtube.com/watch?v=GppbEMuKSkI

وردا على المجزرة دعا العديد من النشطاء والمجتمع المدني إلى اعتصامات وتظاهرات في كل أنحاء سوريا وخارجها، ففي مدينة حمص المحاصرة من شهور طويلة، خرج ناشطو تجمع نبض إلى الشوارع وكتبوا على الجدران "حبو بعض" في حملة حملت اسم " نحنا بخينا الحيطان والنظام بخنا بالكيماوي".

وفي حي الوعر المحاصر أقام الناشطون اعتصام بالشموع تضامنا مع ضحايا الكيماوي حيث غنوا أغنية " ياطير خدني عاوطني سوريا تاكحل عيني بساحات الحرية". ونفذ شباب وصبايا مدينة السويداء اعتصاما صامتا ضد مجزرة الكيماوي في 26/8/2013 حيث رفعوا صورا تمثل رمز الكيميائي القاتل وصور الضحايا غير عابئين بما يمكن أن يتعرضوا له من اعتقال أو قتل على يد مسلّحي النظام. وانضم سوريو الخارج إلى اعتصامات الداخل حين نفذ السوريون في مدينة ليون الفرنسية اعتصاما بمشاركة رئيسة بلدية المقاطعة الأولى.

ولعل أجمل الاعتصامات كانت تلك القادمة من الجولان المحتل، حيث نفذ السوريون الواقعون تحت الاحتلال الإسرائيلي اعتصاما رفعوا خلاله اللافتات والشعارات المنددة بما يقوم به طاغية دمشق ضد شعبهم، بمشاركة الناشط والمناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي ياسر خنجر، حيث رفعت شعارات: "المجازر لن تزيد شعبنا إلا إصرارا على الثورة" و "الكيماوي هدية السفاح لأطفال سورية".

وردا على الكيماوي نظّم السوريون في الداخل والخارج الكثير من الحملات، فقد دعا تجمع نبض ولجان التنسيق المحلية في مدينة سلمية إلى حملة "توقف يوم واحد عن الحياة، دفاعا عن حقي المسلوب بالحياة" بدأت بتاريخ 22/8/2013، تعبيراً عن مشاركتهم للألم الدمشقي بعد قيام نظام الأسد بضرب الغوطتين بالسلاح الكيماوي المحرم دولياً وأخلاقياً.

https://www.youtube.com/watch?v=EF5xjgvZuLc

رغم كل هذا الدمار والحزن والغضب الذي أثقل على الصدور أشرقت لحظات من قلب هذا العتم وكأنها نور في نهاية النفق، فقد انتشر فيديو يبيّن لقاء أب بابنه بعد أن فقده جراء القصف الكيميائي، لنعيش لحظات نادرة ومؤثرة، لحظة ينتظرها السوريون لتتمدد على كامل حياتهم التي سلبهم إياها الاستبداد الذي رفع السلاح الكيمائي بوجه حريتهم فردوا عليه بالرسوم والكاريكاتير والمناشير والأغاني، وكأن حالهم يرفع التحدي: لم ترهبنا الطائرات والمدافع حتى يرهبنا الكيماوي، وإن كان لابد أن نموت فلنمت بشموخ مثل الأشجار: وقوفا وقوفا مثل الأشجار. ولعل ما كتب على جدران "مضايا" أبلغ رسالة على ذلك: نموت قصفا، تعذيبا، أو اختناقا بالكيماوي.. لايهم كيف؟ فنحن نموت كل يوم آلاف المرات".

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد