الداخل السوري بين تسليم الكيماوي وتذبذبات الضربة الأمريكية


13 أيلول 2013

أثارت خطوة النظام السوري وضع ترسانته من السلاح الكيمائي تحت وصاية دولية كما تقول موسكو أو تفكيكها كما تريد أمريكا جدلا حادا في الداخل السوري بين رافض للأمر من كونه تفريطا بقوة الدولة السورية وسلاحها الرادع بوجه إسرائيل، وقابل به كونه يجرّد النظام السوري من أحد أسلحته التي يستخدمها ضد شعبه مما يعني إضعاف هذا النظام وردعه عن القتل.

"سيريا أنتولد Syria untold " استطلع آراء عدد من السوريين في الداخل للوقوف على رأيهم في تلك التحولات المتسارعة من التهديد بالضربة إلى تأجيلها أو عدم حصولها، وكيفية قراءتهم لها وانعكاسها على آرائهم وأفعالهم وموقفهم من النظام سواء كانوا موالين أو معارضين، إذ بات يلاحظ اختلاط الأوراق بحدة في الداخل بين المؤيدين والمعارضين حول هذا الأمر، إلى درجة أن تجد مؤيدا للنظام رافض لتسليم النظام سلاحه الكيمائي على اعتبار أنه تفريق بقوة سورية ولا يحق لهذا النظام التصرف به بهذا الشكل، معتبرا أن هذا " الانبطاح" لن يمنع الضربة، وأن هذا الأمر ليس أكثر " تأجيل للضربة" حيث الهدف إفقاد النظام سلاحه بانتظار أن تكون كلفة إسقاطه أقل ثمنا مما هو عليه الآن، مستشهدين بالدرس الليبي والعراقي، إذ لم يستفيد صدام حسين ولا القذافي من عملية تسليم سلاحهما الكيميائي، وتجد معارضا ضد الضربة في حين تجد آخرا معها، وتجد معارضا ضد تسليم السلاح في حين تجد آخر مع عملية تسليمه على اعتبار أن هذا "السلاح لم يستخدم يوما إلا ضد الشعب، وطالما نظام كهذا موجود في الحكم فالأفضل تسليمه لأن هكذا نظام لا يؤتمن على شعبه فكيف إذا كان بيده كيماوي؟" كما تقول "ريما" العاملة في أحد مؤسسات الدولة السورية حتى الآن.

ورغم أن "ريما" مع خطوة تسليم السلاح، إلا أنها تقف ضد الضربة بقوة، " لأنها ستفتح سوريا على جحيم مخيف، نعم أنا أخاف من سقوط النظام المفاجئ، ودخول سوريا في أتون المجهول وغياب سلطة الدولة بالمطلق. الضربة قد تؤدي لشيء من هذا، إذ أنها قد تكون مقدمة لاختلاط الحابل بالنابل، لذا أفضل حلا سياسيا على ذلك".

المهندس "يسار محمد"، ابن مدينة دير الزور و العائد لتوّه من إحدى بلدان الخليج إلى سوريا يعتبر أن خطوة النظام ذكية لتجنب الضربة التي هو ضدها لأن " الغرب حتما لا يريد حتما الحرية ولا الديمقراطية لسوريا، إذ رغم حزني على تسليم سلاح الوطن، إلا أنه يبقى أفضل من عملية إعطاء الذرائع للغرب لإكمال تدمير ما تبقى من سوريا"، دون أن يشرح "يسار" معنى أن النظام نفسه يقوم بعملية التدمير، إلى درجة أن إحدى النكات راجت في سوريا بعد الضربة، و مفادها أن ضابطا من جيش النظام قال لمحكوميه: يا كلاب بدكن أمريكا تجي تضربنا وتدمر البلد، ليش جيشنا بشو مقصر معكم؟".

صورة من صفحة شعارات راسخة تمثل احدهم يكلم حبيبته صفاء حول الضربة الأمريكية المتوقعة
صورة من صفحة شعارات راسخة تمثل احدهم يكلم حبيبته صفاء حول الضربة الأمريكية المتوقعة

المترجمة "رنا حسن" ابنة الساحل السوري والمقيمة في دمشق، تقول أنها شعرت بالإهانة حين أعلن النظام أنه موافق على تسليم السلاح الكيميائي، فعدا عن أنه سلاح استراتيجي لمواجهة إسرائيل  فهو يعرّي كذب نظام الممانعة والمقاومة بوجه إسرائيل، وهي الكذبة التي روّجها على مدى عقود، وتمكن من كسب الكثيرين وخداعهم تحت هذه اليافطة.

"رنا" ترفض الضربة الأمريكية رغم أنها ضد النظام، لأن "بصراحة العامل الشخصي لعب دورا بارزا في مستوى أول، حيث أخواي الاثنان يخدمان في جيش النظام، إذ أخاف أن يتعرضا لأي أذى،  وفي مستوى ثاني أنا ضد الضربة لأنها لن تؤثر سلبا على النظام، ولن تردعه فهو لديه الطائرات والمدافع، عدا عن كون هذه الضربات ستؤذي السوريين أكثر مما ستؤذي أركان النظام".

"حسام الحاج" ابن مدينة دير الزور المقيم في دمشق، يرفض الضربة الأمريكية، معتبرا أن النظام "خائن" لأنه فرّط بسلاح سوريا الاستراتيجي ضد إسرائيل، فهو مستعد لأن يتنازل عن أي شيء في سبيل بقائه في السلطة، ولذا على هذا النظام أن يرحل بأي ثمن.

"سماهر سليمان" ابنة مدينة حمص والعاملة في القطاع الخاص، والمؤيدة للضربة ضد النظام، تتحسر على قدرة روسيا والنظام على منع الضربة عبر عملية تسليم السلاح الكيميائي، لأن هذا النظام "يناور مرة أخرى" و"لن يرتدع عن قتل شعبه" بمجرد أن يخف الضغط الدولي عليه، وقد فعل ذلك ولا يزال طيلة عقود، لهذا عملية ضربه تأتي تمهيدا لإسقاطه".

أوساط مؤيدي النظام السوري تتوزع بين موافق على خطوة النظام لتفادي الضربة الأمريكية على اعتبار أنها "حنكة سياسية" ويمكن للنظام أن يعوّض ترسانته العسكرية لاحقا حين تخف الضغوط كما يرى "سامر سليمان"، وبين من هو ممتعض من خطوة النظام هذه، لأن الأمر يعني تأجيل الضربة ليس أكثر، " حيث يأخذنا الغرب نحو مستقبل عراقي أو ليبي، إذ لم يكن تفكيك الكيماوي إلا مقدمة لإضعاف البلد تسهيلا لاستهدافه"، كما تقول هند. هذا الرأي  دفع صفحة "شعارات راسخات" لرفع شعار ساخر يقول" صفاء ما تخافي الضربة بتجي وبتروح"، إضافة إلى شعار آخر يسخر من تذبذب أوباما تجاه الضربة، مفاده "أرضية زاحفة تعلو العارضة بقليل"، وهي عبارة ساخرة مأخوذة من قاموس معلّق رياضي سوري يصفه السوريون عادة بالغباء، وأخرى تقول "منلاقي عندكن ضربة عسكرية أمريكية عالمكسر".

صورة من صفحة شعارات ساخرة تتحدث عن اللعبة السياسية بين النظام السوري و روسيا و امريكا حول الأزمة السورية
صورة من صفحة شعارات ساخرة تتحدث عن اللعبة السياسية بين النظام السوري و روسيا و امريكا حول الأزمة السورية

الداخل السوري يعيش على قلق، رغم أن "صفقة الكيماوي" كما بات يطلّق عليها في الشارع السوري قد قلّلت حظوظ الضربة، إلا أن الجميع يخشى أن يكون الأمر مقدمة لابتزازات أخرى، حيث تغيب الحرية والديمقراطية التي خرج لأجلها السوريون لصالح أجندة لم تكن في بالهم يوما، إذ يشعرون أن ثمة " تآمرا" ضد " انتفاضتهم" من داعمي النظام والمعارضة في المجتمع الدولي، حيث يعمل الطرفان على وضع "أهدافا" تحقق مصالحهم، متناسين بشكل مقصود ومتعمد ما يريده السوريون حقا، وكأن كل العالم يقف "ضد حريتنا وديمقراطيتنا" كما تقول إحدى المشاركات في هذا التقرير. (الأسماء كلها مستعارة).

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد