يبدو أن السخرية هي ما بات يجمع السوريون في الداخل والخارج، فأمام هول المأساة و صمت العالم أمام ضربهم بالكيماوي واتجاه الدول لـ " التفاهم" مع المستبد على عدم تسليم السلاح الكيميائي مع إبقاء ضربه بالأسلحة التقليدية ( صواريخ، طائرات، مدافع..) لم يملك السوريون إلا السخرية من هذا العالم واستمرار المقاومة بوسائلها كافة، خاصة المدنية التي تجلت في العديد من الحملات والفعاليات والرسوم والأفلام والغرافيتي التي عبّرت عن غضب السوريين وسخريتهم.
كما أدهشت كفرنبل العالم بلوحاتها المعبّرة عن نضال السوريين حتى باتت عنوانا من عناوين الانتفاضة السورية، أنتجت مؤخرا فيلما (الثورة السورية في ثلاث دقائق) أكثر إدهاشا وتكثيفا عن حال السوريين وتساؤلاتهم بعد تعرّض الغوطة الدمشقية للسلاح الكيميائي، في رسالة بسيطة/ مقاومة تكاد تختصر الغضب السوري من العالم الذي يتعامل مع السوريين كوقود لمصالحه، من خلال لوحات معبّرة تؤكد تفرّج العالم على موتهم، عبر محاكمة ضميره الذي يتفرج على المذبحة المستمرة، والذي يركز على آداة القتل أكثر من المقتول في تبرئة واضحة للقاتل، وكأنه من الطبيعي أن يموت السوريون بأسلحة أخرى غير الكيميائي!
يعتمد الفيلم على مخاطبة السوريين والعالم ببساطة فردية من نوعها، عبر العودة إلى العصر الحجري حيث ينتفض الشعب السوري كل مرة مطالبا بحريته ليتم وأد مطالبه بسلاح فتاك أمام نظر العالم، إلى أن يستخدم القتلة السلاح الكيميائي فيحتج العالم وينزع السلاح الكيميائي من يد النظام، تاركا الأسلحة الأخرى بيده، في محاكاة مؤلمة لما يحصل اليوم.
https://www.youtube.com/watch?v=rGlgUU3E14Y
وإذا كانت "كفرنبل" تمكنت من إيصال صوت الداخل واحتجاجه، فإن إقدام مجموعة من السوريين المقيمين في مدينة شيكاغو على إنتاج فلم ( Chicago on Syrian Intervention) عن رد فعل المجتمع الأمريكي على ما يحصل في سوريا ورأيه حول الضربة التي تهدد حكومتهم بتوجيهها لسوريا يعكس وعي السوريين لضرورة إيصال قضيتهم إلى أبعد نقطة ممكنة من جهة، وتعكس المرارة والمفارقة التي تعيشها قضيتهم في أروقة العالم من جهة أخرى، نظرا للمحتوى الذي يعرضه الفيلم عن أمريكيين يجهلون أين تقع سوريا التي ستضربها حكومتهم؟ إذ يقول أحدهم أنها في روسيا و آخر في أوربا في جهل واضح لما يحصل هنا، الأمر الذي يجعل معدي الفيلم يطلقون صرخة مفادها: كيف نترك مصير سوريا بأيدي من لا يعرف أين تقع على الخريطة؟ في دعوة مبطنة للسوريين ليحملوا قضيتهم ونضالهم نحو الحرية وحدهم دون الاعتماد على أحد.
سيريا أنتولد Syria untold تمكّن من لقاء منتجي الفيلم، إذ حدثنا "مهند رشيد" الذي ينحدر من حي الميدان الدمشقي، ويدرس الاقتصاد والطب في جامعة "لايولا" في شيكاغو الأمريكية عن فكرة الفلم التي بدأت حين قرر هو وأصدقائه العاملين في أوساط الجالية العربية في شيكاغو لجمع أموال للسوريين (عمرو قاوجي من حلب و يمان كواملة من دمشق) إيجاد طريقة لإيصال فكرة ما يحصل في سوريا للأمريكيين، حيث "اجتمعنا واتفقنا على الأسئلة و على توزيع منشورات كتب فيها ما يحدث في سوريا".
https://www.youtube.com/watch?v=Yx9c5ABs1i8
مهند الذي زار "سوريا المحررة أول هذه السنة .. أخذت معي كمية كبيرة من الأدوات الطبية و الأموال لمساعدة اللجان المحلية"، يقول أن هدف الفيلم "أن نُعلم المجتمع الأمريكي عن جرائم بشار و عن حقيقة الثورة السورية، و أعتقد أننا نجحنا في هذه الناحية، وأيضاً كنّا نريد أن نوصل صوت السورين في سوريا إلى العالم".
بين الفيلمين يعمل السوريون على مقاومة تشويه صورة انتفاضتهم عبر نضال دؤوب يقوم بمهمة إيصال الصوت الحقيقي من جهة، والاحتجاج بوسائل ساخرة من تعامل العالم من مأساتهم من جهة ثانية، مصممين على بلوغ أهدافهم رغم كل الصعاب، ومؤكدين ضرورة الاعتماد على سواعدهم، عبر إنتاج المزيد من المقاومة المدنية المتمثلة بالتظاهر وإعادة تأهيل المدن والمدارس والمجتمع، وعبر المقاومة الإبداعية المتمثلة باللوحة والغرافيتي والرسوم والأفلام التي يمثل الفيلمان المذكوران غيض من فيض الإبداع السوري.