تحولات الانتفاضة بين شعارين: من مقاومة النظام إلى مقاومة "داعش"


30 أيلول 2013

"واحد واحد، الأسد وداعش واحد"، و " هي ويلا هي ويلا، داعش تطلع برا"، هي بعض من شعارات كثيرة ترفع الآن في التظاهرات السورية المستمرة بعد دخول الانتفاضة السورية عامها الثالث على التوالي، مما يذكر بشعارات أخرى رفعها السوريون في بداية انتفاضتهم عام 2011 وهي " واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد"، و " هي ويلا هي ويلا، بشار يطلع برا".

بين الشعارات الأولى والثانية مرت أحداث كثيرة وتفاصيل كثيرة، إلى درجة أن البحث في كيفية انتقال السوريين من  الأول إلى الثاني، عبر مسيرة شهور طويلة من النضال والتحولات التي حصلت في مسار الانتفاضة المعقد بتفاصيل كثيرة، تكاد تعكس قصة السوريين ونضالهم وإصرارهم على بلوغ حريتهم مهما تعدد الاستبداد أو تلوّن بين سلطة "أسدية" ( كما يسمونها) أطلق السوريون الشعار الأول بوجهها، وسلطة " داعشية" رفعوا بوجهها الشعار الثاني، بعد أن تبين لهم أنّ ممارسات الثانية التي نمت داخل قوى الانتفاضة في مناخ معقد جدا لا تختلف عن ممارسات النظام، خاصة بعد أن بدأت الدولة باعتقال كل من لم يتمكن النظام من اعتقاله سابقا مع التركيز على النشطاء السلميين: من اعتقال "الأب باولو"، إلى الناشطين "سمر صالح" و"محمد العمر"، إلى اعتقال الكادر الاعلامي في قناة "الأورينت"، ونقصد الإعلامي "عبيدة بطل"، إلى تدمير الكنائس المسيحية، وإعلاء الرايات السوداء، و القيام بإعدامات ميدانية بحق الأهالي المدنيين على خلفيَّة انتماءاتهم الطائفيَّة والدينية والمذهبية، إلى اعتقال قائد المظاهرات السلمية في حلب "أبو مريم"، إلى تصفية قيادات من "الجيش الحر" بالاغتيال السياسي، إلى تنفيذ التفجيرات الإرهابية في كل المدن السورية، إلى هدم تمثال الشاعر التاريخي "أبي العلاء المعري" وهدم أضرحة كثير من الأولياء بسبب الانتماء المذهبي، إلى تحطيم التحف القنية والتماثيل التاريخية باسم إزالة الشرك.

لافتة مرفوعة في مظاهرة ضد داعش، المصدر: صفحة الفيسبوك لتنسيقية التآخي
لافتة مرفوعة في مظاهرة ضد داعش، المصدر: صفحة الفيسبوك لتنسيقية التآخي

تصرفات "داعش" هذه (التي هي اختصارا لدولة العراق والشام الإسلامية) دفعت الناشطين للبحث في كيفية مقاومتهم بعد أن فرضوا سلطتهم وفق موازين الأمر الواقع، فبعد أن كانت المقاومة عبارة عن ردود فعل على تصرفات معينة، بدأ الناشطون ينظمون مقاومتهم في إطار أوسع، بعد اكتشافهم أنّ الأمر ليس مجرد أخطاء بل سياسة ممنهجة لدولة تحمل أجندة غريبة عما حلموا به، فكان لا بد من تغيير المقاربة، بعد أن أصبحنا أمام ملامح صورة سوداء، تحاول "داعش" تطبيقها بالإرهاب على البيئة السورية، فأعلنوا بدء مقاومة ضدها رغم الأحوال المتردية، التي تحيط بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام نتيجة ما تعرضت له من قتل ودمار وخراب اقتصادي على أيدي قوات النظام وصواريخه وطائراته.

وهكذا بدأ الناشطون سلسلة اعتصامات وتظاهرات أمام مقر الهيئات الشرعية التي تعتبر مقرا رسميا لـ"داعش"، فبدأت الناشطة "سعاد نوفل" اعتصاما في مدينة الرقة، تطالب من خلاله بإطلاق سراح من اعتقلتهم ( نور مطر، الأب باولو، الحاج صالح ... وغيرهم)، إضافة إلى تظاهرات كثيرة ترفض تصرفاتهم، ففي 25/9/2013  قام الناشطون بمظاهرة رفعوا خلالها الصليب ردا على قيام الدولة بإنزال الصليب عن كنيسة سيدة البشارة في الرقة ورفعهم راياتهم مكانها.

وفي حلب، رفع المتظاهرون ( 20-9-2013) لافتاتٍ تدعو إلى إطلاق سراح المعتقلين والكفّ عن الاعتقال، بعدما أقدمَت قوّات "داعش" على اقتحام مدينة "اعزاز" و أعدمت الإعلامي "حازم الحريري"، إذ رفعت لافتاتٍ تدعو إلى إطلاق سراح المعتقلين والكفّ عن الاعتقال، بل وصفت إحدى اللافتات المرفوعة "داعش" بأنَّها "دولة النظام في العراق والشام"، إضافة إلى لافتات أخرى تقول: "أينَ دم حازم الحريري من اتّفاقكم"، "سوريّتنا ملوّنة، لا لداعش وسوادها".

 ولم يقتصر الأمر على النشطاء السلميين،  فتصدت بعض قوات من "الجيش الحر" لنهج "داعش" في السيطرة على المناطق السكنية والمعابر مثل "تل أبيض" وتوجهها إلى "معبر السلامة" قرب "اعزاز"، وحذرهم من سيطرتها على الطرق العامة من خلال حواجز تضعها على تلك الطرق، إضافة إلى قيام "الجيش الحر" في حمص بتاريخ 2/10/2013 بإصدار بيان يطالب فيه "داعش" بإخلاء ريف حمص خلال 48 ساعة، مما يدل على تبيّن الخطر منها لدى الأجنحة العسكرية للمعارضة أيضا.

لافتة مرفوعة في مظاهرة ضد داعش في حي الأشرفية بحلب، المصدر: صفحة الفيسبوك لتنسيقية التآخي
لافتة مرفوعة في مظاهرة ضد داعش في حي الأشرفية بحلب، المصدر: صفحة الفيسبوك لتنسيقية التآخي

ومنذُ ما يسمَّى بمعركة "تحرير الشمال" والناشطون السوريون يتبادلون النّكات حول "التحرير" المزعوم، إذ يقولون بأنَّ الشمال السوري أصبح خالياً من سلطة النظام السوري، وبنفس الوقت من أكثر المناطق الخاضعة تحت سيطرته، وذلك في إشارة للسخرية من "داعش"، الذي سيطر بالعنف على الفراغ الأمني والسياسي في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري.

وضمن نفس السياق، أصدرت "تنسيقيَّة التآخي الكورديَّة" بيانا جاء فيه أن  "داعش" تحاول "احتلال المدن وارهاب المواطنين"، واصفة ادّعاء "داعش" بوقوفها الى جانب السوريين، مثل ادّعاء ميليشيات "حزب الله" وقوفها إلى جانب النظام السوري، داعية إلى تصعيد المظاهرات السلميَّة ضد "داعش"، عبر "حقنا في النضال السلمي .. كما ثرنا سلمياً في وجه النظام المجرم, ونوجّه نداءً إلى كلّ القوى الثورية الفاعلة إلى التوحّد ضدّ هؤلاء الذين عاثوا فساداً في سوريّتنا وثورتنا" لأجل "الصمود في وجههم ومقاومتهم حتى طردهم من سوريا الحرّة نهائيّاً".

بعد مسار صعب وطويل، يعمل المقاومون المدنيون على استعادة انتفاضتهم ممن حاول سرقتها، في سعي دؤوب لمقاومةٍ تراجع نفسها وتعيد ترتيب أولوياتها، لتطوير رؤيتها وتصويب الحربة باتجاه أعدائها وخصومها الذين تخفوا تحت قناع مقاومة النظام، لإعلاء الصرخة بوجههم: من يتصرف كالنظام سنقاومه كما قاومنا الأول وأشد، فهل ينجحون رغم كل التعقيدات؟

هذا سؤال صعب، لا يملك حتى النشطاء الذين قابلناهم في سيريا أنتولد Syria untold " ترف الإجابة عليه، معلنين أن لهم شرف المحاولة والنضال مستمر.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد