دمى تهتف للحرية وتهزم الفضاء المقدس للدكتاتورية


07 تشرين الأول 2013

 

تظاهرات مطالبة بالحرية في قصر الأسد/ بيشو، دراكولا يمص دماء "شبيحته"، دمى تتقمص الشهداء والأطفال والشبيحة والأحرار، الدكتاتور يصرخ "أنا ماني مجنون"، حمزة الخطيب  وغياث مطر والقاشوش يحاكمون الدكتاتور المحاصر بأرواحهم ودمائهم، دمى لها رائحة "الغلابة" وصدق البسطاء وثورية الأحرار: دمى صنعها مجموعة من الفنانين السوريين الذين أطلقوا على أنفسهم "مصاصة متة" ليعبّروا عن صوت شعب يقاوم "بيشو"، متسلّحا بأمل سيوصل الدكتاتورية للمحاكمة والقبر، كما علّمهم المسرحي الكبير سعد الله ونوس حين قال"إننا محكومون بالأمل". فمن هؤلاء؟ وما هي حكايتهم؟

مع بداية الانتفاضة السورية، كان الفنانون والمثقفون والنشطاء من أوائل المشاركين بها، ومنهم أعضاء مجموعة "مصاصة متة" التي بدأت العمل في "الشهر الثامن من بداية الثورة السورية حيث كان معظم أعضاء المجموعة يشاركون في المظاهرات السلمية في ذلك الوقت. ولكن وبعد فترة كان من الضروري التوجه للعمل الفني لنقل ما يحدث على الأرض من جريمة كبرى بحق المتظاهرين السلميين"، كما يقول أحد أعضاء المجموعة لـ"سيريا أنتولد Syria untold".  

وهنا بدأ الفنانون يبحثون عن وسيلة تمكّنهم من المشاركة الفعالة في الانتفاضة "دون تعريض الممثلين والكادر الفني للخطر"، فكانت فكرة التعبير بالدمى "لقدرة هذه التقنية على إخفاء هوية الفنان الذي خلّفها، ومن ناحية ثانية قدرتها على السخرية والهجاء من رموز النظام وخاصة لكسر الهالة القدسية التي أحاط الدكتاتور بها نفسه في الماضي من خلال الكوميديا السوداء والسخرية"، ليولد أوّل عمل تحت عنوان "الشبيح الأول يوميات دكتاتور صغير" حيث يتجسد الدكتاتور بدمية تحمل اسم "بيشو"، في تقصد واضح يهدف إلى كسر الفضاء المقدس الذي يحاول المستبد إحاطة نفسه به، لتشجيع الناس على النقد وكسر هذا المقدس.

https://www.youtube.com/watch?v=fRMDPE_1Pwk

وهكذا بدأت تتوالى الحلقات واحدة تلو الأخرى، حيث تنوعت المواضيع المطروحة، من القمع إلى السجن، إلى كشف طبيعة النظام الدموية وتجسيد الشهداء الذين يتساقطون، وكل ذلك من خلال "حلقات مصورة كوميديا، لا تتجاوز الواحدة منها الخمس دقائق تعلق على ما يحدث في الداخل، و تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات التلفزة"، ليضاف لاحقا إلى أعمال المجموعة "القيام بعروض مسرحية على الأرض في المناطق المحررة كوسيلة للتواصل مع الناس. وكان أخرها في مدينة منبج في ريف حلب، حيث قامت الفرقة بالمشاركة بمهرجان "سورية موزايك" الذي أقامه مجموعة من الناشطين المدنين الشباب في هذه المدينة".

تعتمد المجموعة في أعمالها على رواية "الأحداث المتلاحقة" التي تشكل "مستند أساسي، ولكن دون إغفال الهدف الأعلى حيث يتم اختيار الموضوع للفيلم أو المشهد المسرحي على أساس الحوار مع الناس عن مفاهيم الدولة المدينة والعدالة الانتقالية ومفاهيم الديمقراطية وغيرها من هذه المفاهيم التي تشكل الأساس الذي تقوم عليه الدول القوية والديمقراطية الحديثة في أيامنا هذه"، حيث تبين الحلقات سعي القائمين على المشروع إلى تضمينها بعد توعوي بالشكل الذي يحلمون أن تكون عليه سوريا المستقبل.

المجموعة التي تضم فنانين من "اختصاصات متعددة مسرح سينما فنون جميلة تصميم أزياء...." اختارت الاسم نسبةً للمشروب الشعبي الشهير "المتة"، الذي تشربه شرائح واسعة من السوريين، إذ تعتبر المتة بمثابة مشروب طقسي يجتمع حوله الناس للنقاش والتسامر، لتذكير السوريين بوجوب الاجتماع والتحاور وخلق حالة من النقاش افتقدها الشعب السوري منذ زمن بعيد.

وكأغلب مجموعات العمل المدني تهدف المجموعة لتحقيق "دولة العدالة والكرامة والمساواة بعيدا عن الحكم الدكتاتوري الشمولي وبعيدا عن الاستئثار والعنف، و احترام الآخر وحقه في الوجود. طبعا هذا لا يعني أنه لا يوجد أهداف أخرى مثل خلق فسحة من الراحة للناس، وخاصة في هذه الظروف القاسية من خلال المسرح والفن و دعم المشاركة في الحراك المدني من خلال العمل مع مجموعات العمل المدني المنتشرة في معظم المناطق. وأخيرا وليس آخرا نقل جزء مغفل من الصورة لما يحدث داخل سورية من عمل مدني قامت وسائل الإعلام بطمسه وإخفاء معالمه في خضم المعارك المستعرة".

لا تربط "مصاصة متة" بين عملها و مسار الانتفاضة، وإن كانت هي الابنة الشرعية للأخيرة، لأن "الفن هو وسيلة لخلق مجتمع أفضل من خلال النقد والحوار، ولذلك لا أعتقد أن وظيفة الفن ستنتهي يوما ومن هنا فإن فرقة مصاصة متة باقية طالما عملها مفيد وقادر على العطاء".

https://www.youtube.com/watch?v=-zKcjd8tYMo

تتعاون المجموعة مع كل من يؤمن بأهدافها ( سوريا عادلة مدنية)، ولهذا نفذت عدد من مشاريعها بالتعاون مع مجموعات مثل"نص تفاحة، الدب السوري ، الشعب السوري عارف طريقه وغيرها"، وتعتمد في تمويلها على " أكثر من منظمة غير حكومية تعنى بالفن" حيث   موّلت "الجزء الثاني من " الشبيح الأول" مؤسسات مثل "برنس كلاوس ، هيفوس"، علما أن "الجزء الأول من المشروع تم بدون دعم وبجهود فردية".

فريق العمل الذي يحضر الآن "لعمل مسرحي سيعرض في المناطق المحررة في الأشهر القليلة القادمة" يهدف إلى أن يكون للفن دور في خلق سوريا الجديدة، لذلك هم سيقومون بـ "ورشات عمل للتدريب على تقنيات المسرح وفن التمثيل في هذه المناطق"، سعيا لخلق سورياهم الحرة من "بيشو".

الدمى التي تم تهريبها من سوريا بعد أن اشتد الضغط الأمني على الناشطين في الداخل، بات السوريون اليوم يعرفونها، لأنها جسدت أحلامهم وأصواتهم المخنوقة والمطالبة بالحرية، وهذا دليل على دور الفن في تقطيع أوصال الدكتاتورية، عبرالسخرية منها علنا، وهذا ما فعلته الدمية "بيشو" التي انضمت لصوت القاشوش وسميح شقير وفدوى سليمان الذين هتكوا الفضاء الرمزي للدكتاتورية ممهدين لدرب الحرية الطويل.

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد