"براعم الحرية": لوحة طفل بمواجهة الدكتاتورية


17 تشرين الأول 2013

منذ بدء التغريبة السورية في رحلة البحث الطويل عن الحرية، والتي تجلت في بعض وجوهها لجوءا وتشردا، كان الأطفال السوريون دافِعو الثمن الباهظ، لأنهم "ضحايا أبرياء لممارسات ممنهجة من قبل النظام للترويع والتخويف" إذ "فتحوا عيونهم، على الرصاص هو يخترق أجساد" أهلهم وأقاربهم وأحبائهم، فكان لابد من العمل على إخراجهم من أوضاعهم هذه، ليبدأ الناشطون والفنانون السوريون البحث عن طرق ووسائل تمكنهم من تحييد الأطفال عن هذا الصراع من جهة، وإكمال معركتهم ضد النظام المستبد من جهة أخرى.

 وإن كانت أغلب النشاطات انطلقت من السعي لتحييد الأطفال وإبعادهم عن المعركة ضد الدكتاتورية، فإن مشروع "براعم الحرية" الذي نحن اليوم بصدد رواية حكايته، تمكن من جعل أعمال الأطفال رأس حربة في النضال الطويل نحو الحرية، دون أن يزج بهؤلاء الأطفال في لجّة الصراع، إذ تم تحييد الأطفال وبنفس الوقت جعلهم رأس حربة ضد الاستبداد  و"وثيقة وشاهد عيان على همجية النظام"، فما هي الحكاية؟

الفكرة بدأت حين رأى الفنان "عبد الكريم الحسن"  النتائج السلبية التي يحصدها الأطفال من جراء هذا الصراع، حيث "أجبرت العائلات السورية على الفرار إلى الشريط الحدودي مع دول الجوار وما بعد الجوار. كل أسرة تصطحب ثلاثة أطفال أو أكثر. وهؤلاء الصغار يخوضون هذه الرحلة الصعبة بعدما شاهدوا صور موت ودمار، نتيجة آلة الحرب التي يستخدمها النظام. من هنا خطرت لي فكرة إنشاء مرسم براعم الحرية" كما يقول لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

الهدف من المرسم هو العمل مع الأطفال من أجل إخراج "المشاهد القاسية التي رصدتها عيونهم ومخيلاتهم من قصف ودمار وموت" وزرع "صور جميلة مكانها، لتكون الطبيعة بمفرداتها الخلابة فسحة لأمزجة الأطفال والصور التي قد تعبر أذهانهم، وذلك عبر خلق هذا المكان. نتخيّله معاً، ثم أعطيهم أوراقاً بيضاً وألواناً ليخربشوا أحلامهم وما تشتهي مخيلاتهم من أطياف وصور وأمنيات".

الفنان عبد لكريم الحسن بين الأطفال وهم يرفعون لوحاتهم بيد وشارة النصر بيد. المصدر: صفحة براعم الحرية على الفيسبوك
الفنان عبد لكريم الحسن بين الأطفال وهم يرفعون لوحاتهم بيد وشارة النصر بيد. المصدر: صفحة براعم الحرية على الفيسبوك

بإمكانات بسيطة جدا لا تتجاوز إمكانات شخص واحد تمكن الفنان عبر العمل الدؤوب من الوقوف إلى جانب الأطفال الذين كانوا في البداية  "ﻳﺨﺮﺑﺸﻮن أﻧﺎﺳﺎً ﻣﻘﺘﻮﻟﯿﻦ وﺑﯿﻮﺗﺎً ﻣﺪﻣﺮة وأﻟﻌﺎﺑﺎً ﻣﻀﻤﺨﺔ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء، وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺣﻠّﺖ اﻟﻤﻨﺎظﺮ اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ اﻟﺨﻼﺑﺔ واﻟﺸﻤﺲ واﻟﻤﯿﺎه ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺻﻮر اﻟﻤﻮت".

 إلا أن القمع المتواصل من قبل النظام ضد الناشطين والفنانين الذين قرروا الوقوف جانب شعبهم، دفعه لمغادرة البلاد في 7102011 باتجاه العاصمة الأردنية "عمان" ليعاود نشاطه ويقيم أكثر من ورشة عمل توّجت مهرجان "براعم الحرية الأول" الذي ضمّ أكثر من سبعين طفل، رسموا الكثير من اللوحات التي "أرسلت إلى العديد من السفارات حتى تشاهد لوحات الاطفال التي أصبحت وثيقة وشاهد عيان على همجية النظام"، وهو الأمر فتّح أعين النظام عليه من جديد، فـ "تعرضت لضغوطات كثيرة بعد ظهوري إعلاميا وتركيزي على الكم الهائل من المأساة التي فرضها النظام على الأطفال مما اضطرني إلى مغادرة عمان بتاريخ 2572012 إلى القاهرة".

هذا الرحيل لم يدفع الفنان المهموم بقضية أطفال وحرية بلده إلى اليأس، بل إلى المزيد من التحدي والعمل، حيث تمكن من جمع "الكثير من الأطفال في الحدائق والميادين، وأقمنا ورشات رسم، و تواصلت مع "قصور ثقافة الطفل" في مصر، وحصلت على كتاب رسمي يسمح للأطفال السوريين الدخول إلى كل قصور ثقافة الطفل في مصر، لكن هذه الاتفاقية لم تلق أي دعم ولم أستطيع نقل الأطفال إلى المراكز, مع هذا لم أتوقف. أقمت المعارض على صدور الأطفال في ميدان التحرير ومدينة  6 اكتوبر وقصر ثقافة الطفل والنقابات، وتواصلت مع أغلبية المنظمات الإنسانية حتى تشاهد همجية النظام بأنامل طفل سوري"، ليكلل الأمر بمهرجان "براعم الحرية الثاني" في القاهرة بعنوان "سورية بعيون أطفالها شاهد على همجية النظام"، الذي أقيم في ساقية الصاوي 21/6/2013.

الفنان الذي عاد إلى عمان، يحضر الآن لمهرجان "براعم الحرية الثالث"، مواصلا نشاطه في التنقل بين الملاجئ والمراكز والجمعيات الأهلية لالتقاء "أطفال يعانون من ضغط نفسي هائل، وبعد عدة جلسات مع الأطفال نقوم من خلالها بإقامة أنشطة ترفيهية منها الرسم والمسرح والموسيقى والألعاب"، مساهما بذلك "بانتزاع المشهد الدامي الموجود في مخيلة الاطفال وتحويلهم الى أطفال طبيعيين" ليصار إلى جمع لوحاتهم في معرض يفضح الدكتاتورية في رسالة يصرّ الفنان أنها ليس رسالته هو بل "رسالة الأطفال الهاربين من جحيم الأسد، ويعيشون مأساة الجوء. هي رسالة طفل صاغ بأنامله لغة يفهمها العالم"، معتبرا أن أمر النجاح أو الفشل "يتوقف على المجتمعات العربية والعالمية التي شاهدت لوحات الاطفال"، إذ يعتقد أنه نجح في مهمته الأولى المتمثلة بإخراج الأطفال من جحيم الحرب، راميا مهمة فضح الدكتاتورية عالميا في ملعب الضمير العربي والعالمي، الذي إن لم تهزه رسومات طفل سوري، فلن يهزه شيء.

من لوحات الأطفال السوريين. المصدر: صفحة براعم الحرية على الفيسبوك
من لوحات الأطفال السوريين. المصدر: صفحة براعم الحرية على الفيسبوك

لم يتلق الفنان أي دعم، وهو ما يجعل أسوأ اللحظات تمر عليه حين "ألتقي بكثير من الأطفال، ولا أملك ما يسد احتياجاتهم من ألوان ودفاتر الرسم". فهو وحده يقوم بزيارة الأطفال حيث يتواجدون، مكتفيا بلحظة الفرح التي يمنحه إياها هؤلاء الأطفال حين يشاهدهم "فرحين أمام لوحاتهم، ويقومون بشرح لوحاتهم وما رسموه، وأنا أنظر إليهم كأنهم فنانين كبار".

الفنان الذي يناضل ضد الدكتاتورية من خلال لوحات هؤلاء الأطفال قرر اليوم العمل "خارج اختصاصي حتى أتمكن من تمويل نشاطات المرسم،  فعملت في الكثير من المقاهي والمطاعم وفي نهاية كل شهر لي لقاء مع أطفال وطني"، لإدراكه أن أطفال سوريا هم مستقبلها، وأن إطاحة الدكتاتورية يجب أن تترافق مع بناء هذا المستقبل، موّجها رسالة لـ"المعارضين  والمؤيدين" بأنه "يجب أن تعلموا أن المستقبل يعيش الآن في خيمة ينتظر الموت البطيء. حاولوا أن تجدوا حلولا تنقذوا فيها مستقبل وطن يموت على الحدود".

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد