لا يتوقف هدفهم عند إطاحة النظام السوري فحسب، بل يتعدى الأمر إلى رفضهم كل سلطة، لأنهم ( بدءا من الاسم:Anarchadia أناركاديا) يطرحون "مشروع الأناركية"، ألا وهي رفض أي شكل من أشكال السلطة وبالأخص الديكتاتورية". ولهذا ليس عجبا أن يكون أول عمل لهم تزامن مع "خروج الشعب الأمريكي في تظاهرات سلمية في نيويورك ضد النظام المالي في "والـ ستريت" ساعين لتسليط الضوء على "القوى الاقتصادية التي تسيطر على هذا العالم وتوصيفاً للمعاناة والصراع البشري المستمر منذ الأزل ضد جميع أنواع الظلم واللا مساواة التي تتعرض لها الإنسانية" ليتخذ نضالهم منحى كونيا، دون أن يغفل المحلي الذي تبقى عينهم عليه برؤية نقدية، ترفض السلاح وتتفهم بذات الوقت دوافع حامليه، فمن هؤلاء؟
إنهم فرقة موسيقية مؤلفة من خمسة أفراد التقوا منذ فترة طويلة على حب الموسيقى، فشكلو فرقتهم (Anarchadia أناركاديا) القائمة على مبدأ الأخوة بين أعضاء الفريق، وهم يعملون في أكثر من قطاع "من الترجمة إلى صناعة الموسيقى" ليتمكنوا من تمويل أعمالهم الموسيقية التي توصلوا إلى شكلها الأخير بعد " تجربة أكثر من مشروع من مختلف أنماط موسيقى الميتال"، ساعين لأن "تستطيع موسيقانا في يوم من الأيام أن تكون مصدر رزقنا"، كما يقولون لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
الفرقة التي اضطرت إلى نشر ألبومها الأول عبر الأنترنت لا تخفي انحيازها الواضح إلى الانتفاضة السورية، فـ "نحن مثل الكثير من السوريين الشباب الذين تحمسوا وأحبوا مبدأ الثورة لإلغاء المركزية الموجودة في السلطة في سوريا"، إلا أن أملهم بذات الوقت خاب "عندما قرر بعض السوريين حمل السلاح"، مصرّين على دعم "كافة أشكال الثورة ضد القمع والطغيان ولكن بطرق سلمية"، معتبرين أنه "لا زال هناك أصوات كثيرة منادية بالسلم الأهلي وانتقال السلطة بشكل سلمي ومحاربة المتطرفين المنتشرين في سوريا رغم تجاهل الكثير من الثورجيين السوريين لوجود المتطرفين أو التقليل من شأن تأثيرهم".
رأيهم النقدي هذا للسلاح وللمتطرفين لا يمنعهم من تفهم دوافع حاملي السلاح، لأنه "لا يمكننا لوم من قرر حمل السلاح، لا يمكننا الحكم على هؤلاء الأشخاص لأنه بالتأكيد، كل شخص لديه أسبابه ودوافعه، ولكن آمنا ولا زلنا مؤمنين بأن الثورة لو استمرت على سلميتها لما كنا فيما نحن فيه الآن، وسيكون بالتأكيد هناك تغير في شكل السلطة في سوريا من الشكل الديكتاتوري إلى الشكل الديمقراطي".
الملفت أن كل أعمال الفريق باللغة الانكليزية، إذ كانت "هناك بعض المحاولات من قبلنا" للغناء بالعربية "ولكن لم ننجح حتى الآن .. ولا أعتقد بأننا سنقوم بذلك في القريب العاجل إذ أن ألبومنا القادم سيكون أيضاً باللغة الانكليزية وبعيد عن السياسة قليلاً" الأمر الذي يجعل تأثيرهم محدود في البيئة المحلية، مقابل دور لهم في العالم من خلال "إيصال صورة أخرى للمجتمعات العالمية عن سوريا وعن السوريين مغاير لما يطرحه الإعلام الغربي عن السوريين وعن العرب بأنهم إرهابيون. ولحسن الحظ هناك الكثير من الموسيقيين السوريين الذين يعملون بشكل فعال في هذا المجال، وهو الأمر النابع من حبهم لوطنهم وكيف يعبّرون عن هذا الحب من خلال موسيقاهم".
وهذا ما دفعهم لتوسيع دائرة معارفهم واتصالاتهم عالميا مما أوصلهم للتواصل مع الموسيقي الأمريكي جون شيفر (Jon Schaffer) الداعم لحقوق العرب والمطالب بتوقف تسلط السلطة الأمريكية حول العالم، إذ وصل التعاون بينهم إلى "موافقته على تأليف وتسجيل أغنية مشتركة".
عدم وجود أغاني باللغة العربية ومعرفتهم غربيا أكثر مما هم معروفون عربيا إلى درجة أن موقعنا سيريا أنتولد Syria untold هو أول موقع ناطق "باللغة العربية يطلب لقائنا بعد الكثير من المقابلات التي قام بها الفريق مع صفحات المجلات الالكترونية الأجنبية". قد يعود هذا إلى طبيعة فن الميتال الذي يقر أعضاء المجموعة أنفسهم بعدم تقبل المجتمعات له بما في ذلك المجتمعات الغربية "لغرابته"، مصرين على النضال في هذا الإطار لأنه لو "قام الناس باحترام رأي الآخر واختلافه فستحل الكثير من المشاكل الاجتماعية العالقة ليس المتعلقة بنوع هذه الموسيقى فقط"
ولكن غيابهم عن اللغة العربية يحد من تأثيرهم عربيا خاصة أنهم يسعون لأن يقدموا لسوريا "شكل من أشكال الثقافة مختلف كثير الاختلاف عن ما يتم طرحه من قبل المغنيين العرب"، معتبرين أن ما نشهده الآن هو "عصر انحطاط حقيقي، انحطاط أخلاقي وثقافي متجسد فيما نراه على شاشات التلفزة وقنوات الموسيقى العربية لذا نجد أنفسنا في موقع، ليس محاربة الطغيان فقط، وإنما في موقع محاربة أشكال الثقافة التافهة أيضاً والتي تم طرحها وتغذية الشعب العربي والسوري بالأخص بها لمدة الثلاثين سنة الماضية".
عوائق كثيرة تقف في طريق عمل الفريق بدءا من النظرة المجتمعية السلبية التي وصلت حد اتهامهم بعبادة الشيطان وغيرها من التهم التي أدت إلى سجن بعضهم، رافضين أن يعمم عليهم "تصرفات بعض الأشخاص الخاطئة من الذين يستمعون إلى هذه الموسيقى"، وليس انتهاءا بأجندة شركات التسجيل التي تبحث عن "الربح بغض النظر عن ما يتم طرحه في الموسيقى أو كلمات الأغاني"، إضافة إلى صعوبة التفرغ للعمل الموسيقي.
يجعل فريق العمل اليوم من توقف "حمام الدم السوري، أحد الركائز الأساسية في عملنا" آملين أن "يتحد الفرقاء السوريون في القريب العاجل على كلمة واحدة تنطوي تحت راية الوطن، وأن يتيقنوا حقيقة أنه لا وجود للحسم العسكري في هذه المعضلة" علهم يتمكنوا إذ ذاك من تحقيق حلمهم الأكبر بـ "عزف الموسيقا التي نحب في كل بقعة من هذه الأرض وتحقيق الشهرة التي نطمح إليها".