ميديا

"حمّام": هل هذا مستقبل أطفال سوريا إن لم توقف الحرب؟


منذ دخول الانتفاضة السورية مرحلة العسكرة بدأ الناشطون السوريون ينتبهون لمخاطرها، التي حصد الأطفال السوريون الثمن الأكبر لها: فقدانا للتعليم وتشردا وموتا على الأرصفة، وهم يبحثون عن لقمة خبز استعصت عليهم، لهذا عمل بعضهم على البحث عن سبل لتجنيب الأطفال السوريين هذا المصير، أو تسليط الضوء على معاناتهم حين يعجزون عن منعها، فعمل البعض على توزيع الهدايا والألعاب لهم في العيد، والبعض الآخر على إنشاء مدارس في مناطق اللجوء أو الذهاب إليهم حيث تواجدوا لتعليمهم ما تيسر من علوم، مرفقة بفعاليات ونشاطات لتأمين مواد دراستهم ودورات دعم نفسي تحاول انتشالهم من صقيع الحرب المحيط بهم، في حين سعى البعض على توثيق معاناتهم في أفلام وثائقية كان منها فيلم "حمّام" الذي أنتجته "مؤسسة الشارع للإعلام والتنمية"، والذي سنروي حكايته اليوم، لأنه خارج من رحم الواقع السوري المرّ وحضيضه: صور حيّة كأنها خارجة من الجحيم الدانتي، طفولة مبتورة تحت سيف الفقر والعوز والحاجة، فقر الهامش السوري الذي لا تلتقطه وسائل الإعلام، والتي تعكسها حكاية طفل سوري يجمع من القمامة ما يصلح، وما تيّسر حمله عبر رحلة تبدأ بطفل يبحث في مزبلة لتصل بنا إلى واقع عائلة تعيش على هامش الحياة، وكأننا أمام نبوءة مفجعة تقول: إن استمرت الحرب، هذا ما سيكون عليه مصير السوريين؟

أمام هذا الواقع المر، قرّر كل من المخرج و المصوّر "أحمد خليل اسماعيل"  (26  سنة ) والمشرفة "عليا خاشوق" العمل على مجموعة أفلام صامتة تسلط الضوء على " أحوال الأطفال السوريين وكيف خسروا طفولتهم؟  تحت عنوان "بدي إكبر" ليتجه أحمد إلى مدينة منبج في ريف حلب، باحثا عن "أطفال وقصص ممكن أصورهم.  سمعت إنو في أطفال كتير بيروحو لسوق الهال، بيلمو  بقايا الخضروات  التي تقع من السيارات وياخدوها ليأكلوها مع عوائلهم"، كما يقول أحمد لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

في صباح أحد الأيام الشتائية القاسية من عام 2012، حيث كانت منبج غارقة بالظلمة بسبب انقطاع الكهرباء والغاز،  خرج أحمد الذي تفرّغ للتصوير بعد اندلاع الانتفاضة السورية إلى سوق الهال المركزي في مدينة منبج للبحث عن هؤلاء الأطفال الذين سمع عنهم، ليجد أطفالا كثرا تتبعهم بكاميرته وهم ينتظرون الخضار والفواكه التي تقع من السيارات ليلتقطوها ويأكلوها إلى حين رآى ذلك الطفل الذي سيكون بطل فيلمه وسيقود الحكاية إلى منتهاها، إذ "رأيت طفلا يبحث بين أكوام الزبالة. أثار فضولي حين رأيته يبحث عن أشياء بلاستيكية وقابلة للحرق. وهذا أمر طبيعي لأن الناس بحاجة لأي شيء لتشعله وتتدفأ عليه، وحين شاهدته أخذ فروج ميت ووضعه في كيس، أثار فضولي و دفعني للاقتراب منه وطلب الذهاب معه"، لتنفتح الحكاية على قصة عائلة من أهل المدينة، دفعتها الحرب إلى هذا الحد من الفقر، لأن الأب والعم الذين يعيشون في نفس المنزل توقفت أعمالهم بعد اندلاع الحرب، والطفل محمد (9 سنوات) كان  يبيع الخبز بعد أن يذهب لأماكن بعيدة لتأمينه، رغم ما في ذلك من خطر في ظل قصف النظام للأفران، بسبب وجود أزمة خبز في المدينة، إلا أن "الجيش الحر" منعه من "بيع الخبز بسعر أغلى  ومساعدة أهله بالمصاريف" فتوّجه للبحث في المزابل التي تنتظر السوريين إن لم تتوقف الحرب سريعا، لنكون أمام مخاطر انفتاح الأزمة السورية على كارثة إنسانية كبرى، وهو ما انتبهت له المحطات الإعلامية التي سلطت الضوء على الفيلم كفرانس 24.

https://www.youtube.com/watch?v=_NGFK68WTZU

النقاش بين عليا وأحمد الذي اعتقل مرتين على خلفية نشاطاته في التصوير والإعلام، حيث ساهم بتصوير مقابلات "مشعل الحرية"  لقناة العربية، كان استقر على أن يكون الفلم أطول من ذلك ( مدته 4،53 دقيقة) لتقديم وثيقة شاملة حول أوضاع الأطفال السوريين في تلك المنطقة، إلا أنه بنفس اليوم بين الساعة الثالثة والرابعة ظهرا " تم قصف مدينة منبج  بصاروخ فراغي من طائرة، وصارت مجزرة، واستشهد أكثر من 24 شخص، وترافق الأمر مع قدوم  شهداء كثر  من مطار كويرس فتحولت المدينة للسواد والحداد،  وسافرت ماقدرت أكمل التصوير".

أحمد الذي كان يعمل مؤخرا على فيلم جديد يصوّره بين الرقة دير الزور عالق اليوم في تركيا، منتظرا انتهاء المعارك بين "الأكراد وداعش"، لأنه يخشى من استهدافه حتى لو لم يكن "كردي مسلح"، خاصة بعد استهداف "الصحفيين من قبل بعض الجهات التي تحسب حالها على الثورة بنفس الوقت الذي يستهدف النظام الصحفيين ويعتقلهم ويغيّبهم"، متحسرا على الزمن الذي كان يتنقل فيه بين كافة المحافظات السورية "لرصد كل تفاصيل الثورة والحياة والجوانب الإنسانية، والآن  لا أستطيع أن أفعل شيء منذ شهر" بعد أن عملت كمصور لمدة سنتين وثلاثة أشهر في مختلف أنحاء سورية.

أحمد يحلم اليوم بأن تهدأ جبهات القتال قليلا ليعود ويكمل مجموعته " بدي إكبر" ليروي المزيد من عذابات السوريين، لأن  " تفاصيل قصة محمد الموجعة لا تقل وجعا عن تفاصيل أخرى، أخطرها  لجوء الأطفال للتسلح  والقتال" ساعيا لتسليط الضوء على هذه الأخطاء علّه يتمكن بذلك من وضع "حد إلها" كما يقول، فهل ينجح؟

  

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد