جنيف 2: معارضة تهرول و شارع يرفض


30 تشرين الأول 2013

رغم أن السوريين لم يتفقوا منذ بدء انتفاضتهم ضد النظام على رأي واحد سوى سعيهم للوصول إلى النظام الديمقراطي، فإن اختلافهم اليوم يغدو أكثر جذرية وتشتتا من كل ما اختلفوا حوله سابقا.

ولم لا يكون ذلك؟ والمختلف عليه اليوم هو أهم استحقاق يعني السوريين، لأنه سيحدد مستقبلهم، ويؤكد إن كان سينقلهم من الحالة الراهنة في ظل الاستبداد والعنف الدائر إلى برّ الأمان أو الديمقراطية التي ينشدون!

ورغم اتفاق أغلب السوريين وسعيهم للوصول إلى الحرية والديمقراطية ووقف العنف، إلا أنهم اختلفوا إن كان "جنيف 2" الذي يزمع المجتمع الدولي عقده الشهر المقبل، سيوصلهم إلى شاطئ الحرية والديمقراطية وإسقاط الاستبداد.

"سيعقد أم لن يعقد"، "يحضر الائتلاف أم لا"، "سينتهي برحيل الأسد أم لا"،" سيتوقف العنف بعد بدء المؤتمر أم لا"، ماذا عن محاسبة من سفكوا الدم السوري"، " ماقيمة المؤتمر إن كان الرئيس لن يرحل بعد كل ما سفك من دماء"، و"هل يجب أن يقتل مئة ألف سوري آخر، حتى يرحل؟"، و " وهل يحق له الترشح بعد نهاية ولايته؟"...

هذا غيض من فيض الأسئلة المعلّقة اليوم على شفاه السوريين: معارضين ومؤيدين، نخبة وشارعا، ساسة وجمهورا، مثقفين و متعلمين وعامة، حيث تتعدد الآراء وتنقسم إلى درجة يصعب معها تحديد رأي كل جهة سواء في الجانب المؤيد أو المعارض، وهي صعوبة تلّمسها "سيريا أنتولد Syria untold" أثناء إعداده هذا التقرير، الذي حصرناه في تلمس آراء الكتل السياسية وشارعها، على أن نسلّط الضوء في مقالات لاحقة على جدالات السوريين وإبداعاتهم وسخريتهم من جنيف سواء مع أو ضد.

ففي الجانب المعارض تنقسم المعارضة السياسية حتى الآن حول جنيف2، إذ وافقت أغلب فصائل معارضة الداخل (هيئة التنسيق الوطينة، تيار بناء الدولة السورية) على الحضور، في حين أعلنت معارضة الخارج رفضها ممثلة بالمجلس الوطني السوري الذي أعلن رفضه الصريح مهددا بالانسحاب من "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، و انقسم الائتلاف بين مؤيد ومعارض مع عدم القدرة على  اتخاذ قرار رسمي حتى الآن، بسبب تهديد أعضاء وكتل سياسية بالانسحاب منه، إضافة إلى انسحاب أغلب الأجنحة العسكرية التي كانت تابعة له، بعدما برزت مؤشرات تدل على قبوله جنيف 2، حيث عبّرت الفصائل العسكرية قاطبة رفضها المؤتمر وسحبها الشرعية من الائتلاف ومن كل من يحضر المؤتمر، لنكون أمام احتمال كبير باستمرار العنف في الداخل السوري حتى لو وافق الائتلاف، وانعقد المؤتمر لأن هذه الفصائل العسكرية المعارضة أصبحت منفصلة عن السياسي الذي كان يضبط حركتها إلى حد ما، وتابعة لجهات إقليمية تريد عرقلة المؤتمر، وهو ما أشار إليه المعارض السوري ورئيس هيئة التنسيق في المهجر "هيثم مناع" في لقاء له مع قناة الميادين، حين قال أن العنف سيزيد أكثر مع انعقاد مؤتمر جنيف، لأن الرافضين للحل السياسي سيعبرون عن رفضهم بالعنف!

وأما على صعيد السلطة السورية فقد أعلنت رسميا قبولها لمؤتمر جنيف، لأن كل المؤشرات تدل على أنه يصب في خدمة رؤيتها، فهو لم ينص على تنحي الأسد وفتح الباب أمام احتمال ترشحه في انتخابات العام 2014 ومشاركته في الحكومة الانتقالية حين أعطى الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي مؤشرات في هذا السياق، مستفيدة ( السلطة) من توافق روسي /أمريكي، وتقدم عسكري جزئي حققته على الأرض، وعدم توّحد المعارضة السياسية ودخول الكتائب المعارضة في صراعات فيما بينها من جهة، وبينها وبين داعش والنصرة من جهة ثانية.

ولكن على مستوى شارع كل فئة من الفئات السياسية السابقة يبدو الأمر معقدا جدا، فمؤيدو الائتلاف والحل العسكري والشارع الأكبر للمعارضة السياسية يرفضون الذهاب إلى جنيف2 في ظل الشروط الحالية، معتبرين أنه انتحار. وهو أمر يضع السياسين أمام خيارين أحلاهما مر، إما العكوف عن المشاركة وإفشال المؤتمر أو خسارة شارعهم الذي عبّر عن رفضه بطرق شتى بدءا من ساحات الفيسبوك التي أنشاؤوا عليها عددا من الصفحات التي تعبر عن رفضهم الكلي عقد المؤتمر في ظل الشروط الحالية، بدءا من صفحة "التجمع الوطني لإسقاط جنيف 2"، التي اتخذت من عبارة "لا لجنيف" التي تدل على الهزيمة صورة شخصية لها، في حين وضعت الصورة الرئيسية لها طاولة مكتوب عليها جنيف 2 وهي محاطة بقبور مكتوب على شواهدها أسماء المجازر التي حصلت ومرفوع فوقها لافتة كتب عليها " الحل في لاهاي لا في جنيف" في إشارة واضحة إلى ضرورة إحالة النظام إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي لمحاكمته على جرائم الحرب التي ارتكبها.

كاريكاتير يرفض مؤتمر جنيف ويطالب باستبداله بمحاكم لاهاي. المصدر: صفحة التجمع الوطني لإسقاط جنيف 2 على الفيسبوك
كاريكاتير يرفض مؤتمر جنيف ويطالب باستبداله بمحاكم لاهاي. المصدر: صفحة التجمع الوطني لإسقاط جنيف 2 على الفيسبوك","title":"A caricature rejecting the Geneva 2 conference and demanding going to The Hague instead. Source: Downfall of Geneva 2 Coalition Facebook page.

 وقد أخذت الصفحة على عاتقها نشر كل ما هو ضد جنيف 2 بدءا من تصريحات السياسيين إلى بيانات وفيديوهات الكتائب العسكرية المعارضة وليس انتهاءا بصور وبرشورات ولوحات السوريين الساخرة من جنيف ( والتي سنخصص لها مادة خاصة) تتقدمها لوحات كفرنبل التي عبرت عن رفضها انعقاد المؤتمر، مشبّهة إيّاه بأنه يقود السوريين إلى حتفهم عبر سفينة عليها رمز الائتلاف وهي تبحر نحو الهاوية!

لسان حال الشارع المؤيد للعسكرة والائتلاف يقول أن الذهاب إلى جنيف2 يعني الانتحار، وهو كان قاسيا جدا في تعبيره عن رفضه للمؤتمر الذي لا يحقق أي من مطالبهم المتمثلة بضرورة تنحي الأسد قبل الشروع في أي مفاوضات، خاصة بعد الثمن الكبير الذي دفع، وهم بذلك يضعون الائتلاف وممثليهم السياسيين أمام اختبار لا يبدو أن النجاة منه سهلة جدا، خاصة أن لافتات كفرنبل رفعت لافتة تقول " الائتلاف هزيل منبوذ معدوم التمثيل. لكنك لم تسقط بعد. مقبرة جنيف تأويك حين تقبلها بغير شروط تحفظ ثورتنا"، مما يعني أن الذهاب إلى المؤتمر دون شروط الشارع يعني نهايته كائتلاف ممثل لهذا الشارع!

لافتة يرفعها أهالي كفر نبل ترفض جنيف 2. المصدر: صفحة التجمع الوطني لرفض جنيف 2 على الفيسبوك
لافتة يرفعها أهالي كفر نبل ترفض جنيف 2. المصدر: صفحة التجمع الوطني لرفض جنيف 2 على الفيسبوك","title":"A banner from Kfarnbel rejecting the Geneva 2 conference. Source: Downfall of Geneva 2 Coalition Facebook page.

و مما يعمّق الأزمة أكثر أن الشارع هذا ليس لديه رؤية بديلة عن القتال حتى إسقاط النظام، علما أنه ليس هناك أي رؤية بأن يؤدي القتال إلى إسقاط النظام بعد تخلي أغلب الدول الداعمة له، مما يعني أن السير بهذا الطريق ليس إلا استمرار لإراقة الدم السوري في حرب طويلة الأمد.

وعلى صعيد شارع هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة السورية، الذي تكاد رؤيتهم تقترب من تمثيل الشارع الوسطي أو ما يسمى الكتلة الصامتة، فإن هؤلاء يؤيدون الذهاب إلى جنيف2، رغم أنهم لا يكفون عن إعلان قلقهم من الشروط التي يتم التفاوض في ظلها، خاصة أن شرط نقل صلاحيات الرئيس للحكومة الانتقالية غير مضمون، وقد عبرت الدكتورة "ريم تركماني" ( من تيار بناء الدولة) عن هذا الأمر حين قالت: " لا يوجد أي سبيل آخر الآن إلى إنقاذ البلد وأهلها سوى البدء بعملية سياسية. عندما يكون خيار الانتصار العسكري غير متوفر يكون الحل عن طريق السياسة. نعم, التفاوض يجب أن يكون على صلاحيات الرئيس, وهذه حتى لو لم يتم نقلها كلها إلى يد حكومة انتقالية فإنه من الضروري جداً الإصرار على مشاركة السلطة الفعلية كخطوة أولى لإنهاء استبداد النظام".

 كلام تركماني من وجهة نظر كثيرين يغدو قاصرا عن فهم تعقيدات السلطة السورية الذي تعني له السلطة فقط وزرات (الدفاع والداخلية والخارجية) وهي لن يسلمها لأي حكومة كما تشير المؤشرات مما يعني أن "جنيف 2 " قد يكون مجرد تجديد لشرعية النظام وليس تغييرا له!

أما أنصار هيئة التنسيق الوطنية فيبدو أنهم غاضبون من تخلي الهيئة عن شرط المشاركة في جنيف دون الإصرار على إطلاق سراح معتقليهم ( عبد العزيز الخير، إياس عياش، ماهر طحان)، حيث نشرت زوجة المعتقل ماهر طحان السيدة "يارا فارس" صورة ليدين مقيدتين مكتوب عليها " جنيف قبل حرية كل المعتقلين والمعتقلات خيانة"، في حين كتبت أم المعتقل "فدوى محمد" تلوم هيئة التنسيق، قائلة:  "عبد العزيز الخير ماهر طحان واياس عياش الا يستحقون منكم وقفة جديه للمطالبه بحريتهم قبل جنيف ؟؟؟"، مما يعني أن الهيئة أمام احتمال خسارة العديد من شارعها نتيجة الذهاب دون إطلاق سراح معتقليهم من جهة، ودون ضمان الحصول على حكومة كاملة الصلاحيات.

صورة نشرتها زوجة المعتقل ماهر طحان على صفحتها على الفيسبوك تعتبر فيها أن المشاركة في جنيف قبل إطلاق سراح المعتقلين خيانة. المصدر: صفحة السيدة يارا فارس على الفيسبوك
صورة نشرتها زوجة المعتقل ماهر طحان على صفحتها على الفيسبوك تعتبر فيها أن المشاركة في جنيف قبل إطلاق سراح المعتقلين خيانة. المصدر: صفحة السيدة يارا فارس على الفيسبوك

الشارع المؤيد تبدو تصريحاته نسخة كوبي عن تصريحات السلطة، ففي محاولة من قبل "سيريا أنتولد Syria untold" لمعرفة آراءهم عن جنيف2 كانت أغلب التصريحات ضبابية وعمومية من نوع " نحن مع الأسد وضد محاروة الإرهابيين"، و " نعم لجنيف إن كانت ستؤدي إلى بقاء الأسد في السلطة"، في حين يبدو أن الشارع الصامت يبحث عن الأمان فقط، وعمن يوقف الحرب بأي ثمن، فهو وإن كان يتذمر من فكرة بقاء الأسد حتى نهاية ولايته والترشح بعدها، إلا أنه يقبلها إن كانت مقابل إيقاف هذا الموت وعودة الحياة إلى طبيعتها، ولكنه قبول يشبه "تجرع السم" على حد قول أحدهم!

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد