"أكل القطط" كوسيلة مقاومة ضد "الجوع أو الركوع"


02 تشرين الثاني 2013

"الجوع أو الركوع" .. هذا ما قرره النظام السوري بعد أن أفلست خططه في مواجهة التمرد المسلح ضده في مناطق دمشق الجنوبية (مخيم اليرموك- مخيم فلسطين - ببيلا- يلدا- حجيرة ..)، وفي بعض مناطق حمص القديمة، إذ بمجرد إدراكه أن القصف اليومي لتلك المناطق لم ولن يؤدي إلى إخماد التمرد ضده، باشر عملية تجويع ممنهجة عبر فرض حصار شامل، منع بموجبه دخول أي طعام أو ماء إلى تلك المناطق منذ أربعة أشهر، الأمر الذي خلق جوا كافكاويا بامتياز، إذ قاوم الناس الحصار بكامل ما استطاعو رافضين أن يكون الجوع سبيلا لإذلالهم فاستعاضوا تدريجيا عن كل المواد التي تفقد بأخرى، فأصبحوا يطحنون الشعير والمعكرونة والعدس لصناعة الخبز وفق طرق بدائية بعد أن نفذ الطحين، إلا أن تلك المواد بدأت تنتهي مما اضطرهم لأكل أوراق الشجر وكل نبات يؤكل، إلا أنه مع دخولهم نهايات الخريف وقدوم فصل الشتاء جعل من المتعذر الاعتماد على هذه الموارد التي بدأت تجف وتقل، فبدأ الجوع الحقيقي يحاصر تلك الأماكن التي بدأ أطفالها يموتون من الجوع فعلا، الأمر الذي دفع شباب هذه المدن وأهلها لبدء إضراب عن الطعام، سعيا لتوفير الأكل للنساء والأطفال، دون أن يكفي أيضا، مما دفع خطيب مسجد فلسطين في مخيم اليرموك لإصدار فتوى تجيز "أكل لحم القطط والحمير والكلاب للمحاصرين في المخيم بعد أن بلغوا مرحلة الاضطرار المفضي إلى الهلاك"، عززها الشيخ "صالح اليلداني" ( الذي أضرب عن الطعام ليوفره لأهله) من جنوب دمشق في حوار له مع قناة العربية إذ قال أن " أكل لحوم القطط والكلاب ليس فتوى أو محاولة الظهور إعلاميا وإنما هو أمر واقع، أجبر عليه الناس على بعد أمتار من وسط العاصمة دمشق حيث يوجد الأكل والشرب واللهو".

الفتوى التي أثارت جدلا مكثفا في وسائل الإعلام أراد موقعنا "سيريا أنتولد Syria untold" أن يرصد تفاصيلها، ويتأكد من حقيقة ما جرى على الأرض، خاصة أن ثمة من نفى أن يقوم الناس بأكل لحم القطط، خاصة أنه خرجت في مخيم اليرموك الذي يعتبر مصدر الفتوى مظاهرة رفض المشاركون فيها الفتوى، معتبرين أن الأمر يسقط عنهم إنسانيتهم إن قاموا بذلك، مطالبين بالحرية والخبز معا، عبر رفعهم شعار "سوريا بدها حرية".

https://www.youtube.com/watch?v=--4VUQP4RdQ

خلال بحثنا عن المصادر الأساسية من أرض الواقع لمعرفة ما حصل فعلا، عثرنا على فيديو نشرته صفحة "مكتب جنوب دمشق الإعلامي" على الفيسبوك، يظهر رجل يقوم بسلخ لحم قطة وطهوها على النار، الأمر الذي أعطانا خيطا للدخول إلى الحقيقة التي نبحث عنها، فكان تواصلنا مع المكتب الإعلامي الذي أكد لنا صحة الفيديو، الذي تم تصويره بمحض الصدفة، حين كان "أحد أعضاء المكتب يقوم بجولة ميدانية بأحد الأحياء بين يلدا وببيلا، فرأى الرجل يحاول إمساك القطة، فبدأ بالتصوير من بداية مطاردة القصة إلى حين انتهاء طبخها، إلا أن ثمة مشاهد لم نعرضها كلها" بسبب بشاعة الصور و الفيديوهات، إضافة إلى أخرى تم حظرها من قبل إدارة اليوتيوب لاعتبارها تتضمن مشاهد مسيئة.

صورة لرجل وهو يطهو القطة. المصدر: صفحة مكتب جنوب دمشق الإعلامي على الفيسبوك
صورة لرجل وهو يطهو القطة. المصدر: صفحة مكتب جنوب دمشق الإعلامي على الفيسبوك

وعن الوضع المعيشي في تلك المنطقة، يقول عضو المكتب الإعلامي أن "الوضع بالجنوب الدمشقي مأساوي جداً. والحصار محكم منذ أكثر من سنة كاملة، وبدأ منذ أربعة أشهر يتحول إلى حصار لا يمكن تداركه نهائياً، بحيث لم يبق عندنا سوى العدس في الجنوب الدمشقي، الأمر الذي دفعنا لأكل لحم القطط بعد الفتوى التي أصدرت من على جامع فلسطين، و بعد تأكيدها من عدة مشايخ في الجنوب الدمشقي، و من أبرزهن الشيخ صالح اليلداني".

يذكر أنه في العام الماضي صدرت في أحياء حمص المحاصرة نفس الفتوى، الأمر الذي دفعنا في "سيريا أنتولد Syria untold" للبحث عما إذا كانت الفتوى مطبقة هناك أم لا، فقال لنا أحد الناشطين الإعلاميين في حمص القديمة المحاصرة أن " الفتوى ما طلعت إلا بمناطق معينة، ونحن نرفض هذا الشيء، و نتمنى ألا يتكرر. صار مرّة بحمص ونتمنى ما يتكرر، نحنا ما أكلنا قطط"، مما يعطينا فكرة واضحة عن مدى رفض الناس لهذا الأمر، إلا أن الجوع كافر، ويبدو أن الإنسان حين يجوع يأكل القطط وليس فقط "يغرز أسنانه في لحم القمر" كما قال الشاعر الراحل نزار قباني.

موضوع الحصار وحملة "الجوع أو الركوع" التي فرضها النظام استنفرت طاقات المجتمع المدني السوري الذي أطلق عدد من الحملات للتضامن مع المناطق المنكوبة لفك الحصار عنها، وكنا في "سيريا أنتولد Syria untold" غطينا بعضا منها كما في حملة "لرفع الحصار عن مخيم اليرموك"، و"إضراب عن الطعام لأجل سوريا" التي رفعت شعار "  نعم للجوع التطوعي من أجل إيقاف الجوع القسري"، كما أبدع السوريون والفلسطينيون عبر إنجاز الكثير من اللوحات والكاريكاتيرات التي تمجد صمود البشر ورفضهم المساومة على حريتهم عبر تجويعهم، إضافة إلى الأغاني و الأشعارالخارجة من تحت رحم الحصار، لتكون المقاومة الإبداعية والمدينة خير سند للمقاومة الحقيقية عبر إيصال صوتها والتعبير عن "جوعها" الذي يرفض الركوع.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد