لم يترك النظام وبدلائه وسيلة عنف لاحتواء الشارع السوري ومنعه من التظاهر أو المقاومة، إلا واستخدموها: من السجن والتعذيب والقتل إلى القصف بالطائرات والبراميل وفرض التقاليد الدينية المتزمتة والجلد، ليرد الشارع السوري بدوره بأدوات مقاومة تتغير مع تغيّر الواقع بدءا من المظاهرة واللافتة والفلم والغرافيتي والمناشير وصولا إلى تقديم المسرح في الشارع كوسيلة فنية ومقاومة في آن، وهو موضوع حكايتنا اليوم عبر "فرقة الحلم العربي"، لنكون أمام آخر ما ابتكره السوريون في مواجهة خصوم الحرية، وكأننا أمام صراع الأدوات: أدوات المستبدين بكل فجورها، وأدوات النشطاء والسوريين بكامل إبداعها وتألقه و توقها اللا يخبو للحرية.
ورغم أنه من المبكر والمغامرة في آن، التعبير عما يحصل في سوريا فنيا وإبداعيا، نظرا لما يحتاجه الإبداع من نظرة نقدية بعيدة يبدو من المتعذر توفرها حاليا في ظل انهمار الدم السوري الذي يعطب القلوب و الأرواح، فإنّ بعض الفنانين والشباب السوريين الذين أسسوا "مجموعة الحلم العربي" لهم رأي مختلف، إذ يرون أن للفن دور كبير، لأنه "يترك أثراً عميقا في اللاوعي للمشاهد"، ولأن "الثورة ليست محض فوضى فارغة من أي فكر أو مشروع" كما يقولون في حوار مع موقعنا "سيريا أنتولد Syria untod".
لكن ليس ما سبق وحده هو من يدفع "الحلم العربي" التي تضم ثمانية شبان من "ائتلاف شباب الثورة" للمغامرة وتقديم عروض مسرحية في الشارع السوري رغم القصف والدمار والمعارك رغم المخاطر، بل إن الأمر نابع من رؤية نقدية تربط بين الفن والمقاومة، و ترى ما يحصل حولها من تحولات، فتعمل وفق ما يتيحه الواقع بدلا من الندب والركون لليأس، فجاء اللجوء إلى الشارع لتقديم عروض مسرحية، تحت ضغط ثلاثة عوامل: هي:
- تطوير أدوات النضال لأن "أدوات الحراك الثوري يجب أن تتطور لتواكب هذه المرحلة، إذ إن التظاهر لم يعد فعالا لأن النشطاء لم يعودوا قادرين على تعبئة وحشد الرأي العام" الذي " أنهك من شدة القصف والدمار والتهجير والتجويع والسرقة والنهب".
- عدم توفر شروط العمل المسرحي التقليدي، "فأداء عمل مسرحي كلاسيكي يتطلب إمكانيات مادية من حيث الإضاءة والمسرح واللباس والإنتاج والتصوير وغيرها وكلها غير متوفرة حاليا".
- تقديم خطاب إبداعي وثفافي مواز لانتفاضة السوريين، كي لا تبدو الانتفاضة وكأنها بلا ثقافة خاصة بها، وهو " وجه كان شبه غائب إلا من خلال ظواهر نادرة هنا وهناك لذا لا بد من تكريس هذا الجانب لكي لا تكون الثورة محض فوضى فارغة من أي فكر أو مشروع".
أما سبب الإصرار على تقديم الأعمال في الشارع والأماكن العامة رغم واقع العسكرة المفروض على الأرض، فيأتي لأن القائمين على المشروع وهم "مجموعة من الشباب السوري الثائر/ الهواة، والذين يملكون خامة إبداعية" لاحظوا أن ثمة الكثير من العروض والأعمال المسرحية التي يقوم بها زملاء آخرون لهم، ويتم نشرها عبر الأنترنت لا تؤدي الغرض المطلوب منها، لأن "الجمهور المستهدف لم تصله الرسالة لأن الانترنت منقطع في سوريا ولا يستخدمه إلا فئة قليلة في سوريا، وبالتالي تبقى رسالة هذه العروض على روابط اليوتيوب دون أن تصل للشارع بالشكل المطلوب"، فأخذت المجموعة على عاتقها تقديم "العروض في أكثر الشوارع والساحات ازدحاما في المناطق المحررة لتصل الرسالة إلى أكبر قدر ممكن من الناس في الشارع" لتلمس "مدى تأثير هذه العروض البسيطة ومدى تفاعل الشارع معها" عبر "مشاهد ايحائية صامتة" لأن الفرقة اعتمدت "المشاهد الإيحائية الصامتة في الوقت الحالي لعدم تقبل الشارع في الوقت الحالي لعروض تمثيلية تتضمن سيناريو وحوار، ولكي تستقطب أكبر كم ممكن من المتابعين، إذ يكفي أي من الاشخاص المارة في الشارع أن يلقي نظرة لمدة اقل من ثلاثين ثانية ليقرأ المشهد بالكامل".
العرض الأول الذي قدمته الفرقة يشبه "المظاهرة الأولى التي سنخوضها ضد النظام" حيث كانت "قلوبنا جميعا تخفق" ليس خوفا من النظام يا للمفارقة! بل خوفا من "داعش" لأن فكرة المسرحية "تتمحور حول حالة الصراع بين داعش والجيش الحر، واستغلال النظام لهذه الظاهرة وانعكاسها على الشارع"، وهو ما وضع الفرقة من بداية عملها في مواجهة مع التيارات الإسلامية المتطرفة التي ترى أن المسرح والموسيقا "كفر وحرام، وقد لمسنا ذلك حيث حاولت الدولة منع العرض الذي يجسد حالة قتل الإعلاميين بحجة أن الموسيقى المرافقة للمشهد حرام، ولكن على الرغم من ذلك أصر الشباب على العرض".
المواجهة الأولى هذه، دفعت فريق العمل للتأني كثيرا في اختيار مكان العرض واختياره بدقة، إذ "نفكر بأكثر الأماكن المناسبة من حيث فكرة المشهد ومن حيث الازدحام وتجمع الناس لعرض المشهد كما نقوم قبل العرض بالتواصل مع بعض الاصدقاء في الجيش الحر والتنسيقيات المتواجدة في المكان ليكونوا جاهزين لأي طارئ".
https://www.youtube.com/watch?v=FHkzy6MiD3Q
تحضر المجموعة الآن لعمل مسرحي يدور حول مقولة " الله ينصر الحق ويطفيها بنورو"، تلك العبارة التي بات فريق العمل يسمعها كثيرا من "أفواه الكثير من السوريين عندما يتم سؤالهم هل أنت مع الثورة أم مع النظام؟ فيجيب بالعبارة السابقة بدافع الخوف ربما أو لدوافع أخرى" لنكون أمام لوحات مسرحية تستمد موضوعها من الواقع المؤلم للسوريين لتأخذه بعيدا عن واقعيته باتجاه المسرحة والفن، "حيث سيقوم شاب بأخذ دور عنصر من النظام يضع السكين على رقبة طفل صغير. وهذا الطفل يحمل لافتة يستنجد فيها بأبيه الذي يكون واقفا وهو يدير ظهره لهذا المشهد ويحمل لافتة مكتوب عليها هذه العبارة".
رغم العوائق التي تعترض فريق العمل على الصعيد المادي من جهة، وعلى صعيد صعوبة الواقع وخطورة تقديم عمل في ظروف أمنية غير آمنة، فإن "الحلم العربي" يصر على أخذ مادته الخام من الشارع، لينغمس فيه عرضا ومسرحة، بمواجهة النظام وداعش وكل أعداء الحرية، وكأننا أمام مظاهرة/ مقاومة تتجدد في أثواب كثيرة، فكلما قتل الاستبداد ليمونة الحرية، تولد آلاف الليمونات.
كل ليمونة ستنجب طفلا ومحال أن ينتهي الليمون!