إذا كان ماراثون بوسطن (15 نيسان 2013) دخل التاريخ من بوابة العنف بحصول تفجيرين قبل خط النهاية، فإن "ماراثون السلام" في مدينة القامشلي استبق حدوث العنف، مستفيدا من درس بوسطن بالعمل على نزع فتيل العنف من المجتمع لزرع السلام مكانه، ولمنع التفتت والقتال الذي يحوّم في الأفق السوري من الوصول إلى المدينة التي لم تزل تعيش " حالة وئام وهدوء لدرجة جيدة" ساعية للوقوف "بكل حزم أمام مجمل السياسات المتبعة من قبل النظام القائم في إحداث فتن بين أبناء المدينة"، ليحاول الناشطون حماية مدينتهم وتسويرها بالسلام بدل العنف، مع الحفاظ بنفس الوقت "على هدوء وسلمية الثورة منذ آذار/ مارس 2011، رغم الكثير من المحاولات التي كانت تسعى لجر المدينة إلى نزاعات عسكرية" كما يقول "ولات احمه" لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold"، فما هي الحكاية؟
أدرك ناشطو مدينة القامشلي أنّ التمني والانتظار وحده لا يكفي "للحد من بروز النعرات"، فرغم أن المدينة "حتى الآن تعيش حالة صحية ومدنية، لكن ما يحدث في باقي المحافظات والمدن من نزاعات وعدم استقرار، واتساع رقعتها لتقترب إلى محافظة الحسكة، كان دافعا لتفعيل العمل على هكذا فعاليات للوقوف مسبقاً أمام أي نعرات أو جماعات تحاول زعزعة أمن المدينة" لذا "ولدت فكرة ماراثون السلام في قامشلو، لكن بالتأكيد بدون تفجيرات" حيث "تم دراسة الفعالية بكل عناية ودراية من ناحية الفئة المستهدفة، الاستفادة من حالة التجمهر على جانبي طريق الماراثون لايصال الغاية والهدف إليهم، اختيار بقعة جغرافية متنوعة بمكوّن المدينة، مشاركة فعاليات مدنية وشعبية ورياضية، إلى جانب شخصيات اجتماعية وثقافية وسياسية، مع الدعوة المفتوحة لكل أبناء المدينة على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم".
حدوث تفجير قبل أسبوع قريب من مكان انطلاق الماراثون (حديقة الكندي – شارع القوتلي)، لم يمنع القائمون على الماراثون من التصميم على القيام به، مُتَحَدّين العنف وآخذين بعين الاعتبار مدى المخاطر، ومصممين على كسرها عبر ثقافة السلام التي تجلت من خلال مناشير وقصاصات ورقية وزعت على المتجمهرين و المشاركين يوم انطلاق المهرجان في تمام الساعة العاشرة صباحا من أمام حديقة الكندي بشارع القوتلي، ليمر خط سير الماراثون عبر مناطق ذات طبيعة سكانية متنوعة، قطع فيها المشاركون مسافة 3 كم قبل الوصول إلى خط النهاية في دوار منير حبيب، تحت شعار "خطوة خطوة نحو السلام"، لتشاركهم في ذلك "حمامات سلام حامت في سماء المدينة".
رغم أن الماراثون ليس الفعالية الأولى لائتلاف شباب الثورة، إذ سبقته فعاليات من نوع "مهرجان الربيع الأول، سينما باص"، إلا أن هذه الفعالية تختلف عما سبق من كونها تستهدف فئة أوسع باعتبار أن "الرياضة لغة الجميع. مختلف الشرائح باستطاعتهم التحدث والعمل بها" حيث تم اختيار خط سير الماراثون في "بقعة جغرافية ملونة بطيفها السكاني..لاستهداف حالة التجمهر العفوية من قبل أبناء المدينة" من أجل الوصول إلى "مجمل الطبقات والشرائح الاجتماعية، ومكونات المدينة من كرد - عرب - آثور، مسلمين - مسيحيين، وفق حملة إعلامية من ملصقات ومناشير ورقية في عموم المدينة، بالإضافة إلى دعوات رسمية للفعاليات المدنية والرياضية والسياسية".
القائمون على الفعالية يعتبرون أنهم حققوا "غاية النشاط بدرجة نجاح" مستدلين على ذلك بـ "تفاعل جميل من قبل الأطر والشرائح المشاركة، والرغبة من قبلهم في متابعة هكذا فعاليات" وبتحقق غاية الحملة بالحد "من بروز النعرات، و حتى الآن المدينة تعيش حالة صحية ومدنية، والكثير من التفاعلية بين مكونها" دون أن تغفل أعينهم بذات الوقت عن "القليل من الفتور بين مكوّن المدينة، العائد بطبيعته لجملة أسباب واضحة متعلّقة بالوضع المعيشي والأمني والعسكري والسياسي في عموم سوريا، إلى جانب عدم وجود منفذ ونهاية واضحة لما يحدث، المتزامن مع فوضى عارمة في الكثير من أجزاء البلاد".
"ماراثون السلام" هو رسالة مباشرة "لعموم فصائل المعارضة وسلطة النظام" بقدرة الناشطين على "الحفاظ على فسيفساء المدينة من كل ما هو غير سوي، وبعيد عن ثقافة المدينة" عبر استمرار النضال السلمي المدني ضد النظام ، وضد "محاولة الكتائب الإسلامية، والبعض من كتائب الجيش الحر جر المنطقة إلى نزاع عسكري لا يخدم البتة أهداف الثورة"، متهمين فصائل المعارضة بسلوك "سياسة التعامي والتجاهل مع عموم المنطقة ذات الأغلبية الكردية على مختلف الأصعدة، فلم تتخذ موقف سياسي تنفيذي واضح حيال الهجمات المتكررة على مدينة سرى كانيه/ رأس العين، وكذلك مؤخراً أحداث مدينة تل أبيض على سبيل الذكر لا الحصر، مع تعامي مفرط في عدم دعم المنطقة إغاثياً، المنطقة التي أصبحت حاضنة لآلاف النازحين عن ديارهم من مدن الداخل"، واصفين العلاقة بين الفصائل العربية المعارضة ( مجلس وطني، إئتلاف) والمعارضة الكردية بـ " الزواج القسري سياسياً، دون أي مواقف جدية تنفيذية" بهدف تجميل "واجهة المعارضة خارجياً أمام استحقاقات خارجية كالضربة الأمريكية مثلاً"، متنبئين بأن "الطلاق وارد في أي لحظة نتيجة للزواج القسري".
يواصل اليوم ناشطو "ائتلاف شباب سوا" عملهم الميداني من خلال "نشاطات توجيهية توعوية تعزز ثقافة المساواة والتسامح والتعايش" لمنع انزلاق مدينتهم إلى العنف، مؤمنين أن إشعال شمعة وسط هذا الظلام خير من مجرد الاكتفاء بلعن الدكتاتورية و العنف الرابضين على عنق البلاد.