أول ما أخبرناه بنيتنا إجراء حوار معه تردد وخاف، ليس خوفا على نفسه بل على عائلته التي لا تزال في الداخل، إلا أن "بعض الأصدقاء عارض فكرتي وأنا الآن أكتب"، رغم أن عائلته "مهددة في كل لحظة بقذيفة هنا أو هناك".
حال المصمم "فادي زيادة" كحال الكثير من المبدعين السوريين الذين كانت الانتفاضة مفجّرة لطاقاتهم المخبوءة، تحت ضغط الواجب بأن عليه أن يقدم شيئا للبلد، وهو الذي غادر مدينته إدلب مع بداية الانتفاضة السورية، حيث عاش "أول المظاهرات وراقبت الكثير من الأحداث ولم تكن مشاركتي ذات قيمة وكنت خائفاً دائماً من الاعتقال، لأني على وشك السفر، وأبحث عن مستقبل يحميني من ظلم هذا البلد". فقرر السفر قبل أن يكمل دراسته.
مع تفجر الانتفاضة وازدياد الضغط المعنوي بضرورة فعل شيء، قرر الاستفادة من الدورات التي فعلها في مجال التصميم، "كنت أراقب الأحداث وأحاول المساعدة في التصميم ليس أكثر"، لأني رأيت أنه "بإمكاني أن أرسم لوحة عبر الفوتوشوب ليس أكثر، فقمت ببعض التصاميم ولم يكن لدي متابعين حتى. وكانت مشاركتي بدون اسم وعبر الصفحات ولكني كنت متابعاً لكل حدث" كما يقول لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
يعترف زيادة بتواضع بأنه ليس فنان بل مصمّم صور عبر "استخدم الفوتوشوب والالستيريتور(اليستريتر).ربما كلمة فنان جاءت من نشر الأعمال عبر الصفحات. أنا أتابع الأحداث وأقوم بما أقوم به، وما أستطيع ولعلي أحدث فرقاً إعلامياً لأوصل الرسالة ليس أكثر".
المجازر هي أكثر ما يؤثر بابن مدينة إدلب التي تتعرض يوميا لمدافع النظام وقذائف طائراته وصواريخه، إذ مع كل مجرزة " كنت أنفجر غضباً وأسرع لعمل أي شيء. أحاول المساعدة من بعيد. أنا أعيش مع المجزرة، ولا أستطيع مداواة أحد" يقول من قلب مجروح.
ورغم أن التصميم كان خطوته الأولى نحو الفن، إلا أن التصميم والغضب المتفجر في داخله بعد كل لوحة أوصله إلى "اللوحة المرسومة" التي عرضت في "معارض في إيطاليا وسويسرا"، حيث تأخذ لوحته مادتها الخام من الحدث أو الواقع أو الخبر التلفزيوني أو الحكاية، لتتطوّر إلى عمل فني باستخدام التصميم والفوتوشوب، أي أنها ترتقي بالحدث من مصاف الزمني الآني إلى مصاف الخالد، مثبّتة اللحظة/ المجزرة في عمل فني ليكون شاهدا على همجية نظام قاومه السوريون بكل ما أوتوا من ضعف وكرامة. وكأن الفنان يريد من لوحته أن تكون تآريخا للضعفاء والمهزومين بوجه تاريخ الطغاة والقتلة.
يهتم الفنان في لوحاته كثيرا بأطفال سوريا، ويحلم بذات الوقت أن ينتهي به المطاف في "جمعية صادقة ترعى الأطفال، لأن هناك الملايين من الأطفال المشردين والمحتاجين. وهناك الكثير والكثير لنتحدث عنه". لوحته تعبّر خير تعبير عن هذه الهواجس، فهاهو القناص في أحد لوحاته يصوّب باتجاه طفلة تحلم ببوالين عيد وبيدها دريئة لعدسة القناص، وأخرى تطير ببوالين حمراء رغم كل الدمار في الدلالة على أمل يولد من هذا الركام، وهي اللوحة التي رسمها ليوم الطفل العالمي، متهكما بأنه غدا "يوم الطفل السوري المنسي من هذا العالم".
وجوه الأطفال وضحكهم البريئ يكاد يشكل العنوان الأبرز لأغلب الأعمال الفنية لزيادة، ففي شارع مهدّم تقف طفلة تستصرخ الضمير الميت، و في آخرى طفل باكي بين فوهتي بندقية، و في ثالثة طفلة تتأرجح على شجرة لها شكل خريطة سوريا المفقودة، لتكون لوحته خير تعبير عن واقع الطفل السوري الذي كبر قبل أوانه.
إلا أنه من قلب هذا اليأس تولد غريزة الحياة، ففي لوحة له ثمة شارع مهدّم بكامل تفاصيله وفيه طفلان يعانقان بعضهما البعض وسط هذا الدمار ويمشيان باتجاه المستقبل حيث يبزغ سلّم طويل يتجه نحو السماء، دون أن نعرف إن كانت السماء هنا هي المستقبل كدليل على الموت الذي يذهب إليه أطفال سوريا باسمين، أم أنه المستقبل الذي يبزغ دون شك من شمس ستسطع من هذه السماء مهما طال ليل المستبد.