خمسةٌ وأربعون مثقَّفاً وناشطاً وحقوقياً وسياسياً سوريا، بدؤوا مشروع "اليوم التالي" مطلع العام 2012، وذلك عندما اجتمعوا في برلين في اجتماعات دوريَّةٍ على مدى ستَّة أشهر، وذلك بمعدَّل اجتماعٍ كلّ أربعة أو خمسة أيام، لوضع تصور عن المرحلة الانتقالية التي ستأتي في سوريا من أجل الانتقال إلى الديمقراطية، وقد قسَّم المشاركون أنفسهم إلى ستة مجموعات هي بالترتيب: حكم القانون، العدالة الانتقالية، إصلاح القطاع الأمني، إصلاح النظم الانتخابية، كتابة الدستور، والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. في نهاية الفترة صاغت كل مجموعة فكرتها وتكفَّل فريق من المحررين بصياغة المشروع النهائي الذي نشر في شهر تموز 2012، تحت عنوان: "مشروع اليوم التالي: دعم الانتقال الديمقراطي للسلطة في سوريا".
وقد تأسَّست منظمة "اليوم التالي" بعد ذلك لمحاولة تطبيق بعض أفكار ومبادئ وتوصيات المشروع في سوريا، واليوم يقود المنظَّمة مجلس إدارة يضمُّ تسعة أشخاص سوريين متميزين كلُّ في مجاله، من باحثين وناشطين وأكاديميين وقادة في المعارضة السورية.
المشروع تشكَّل كحاجةٍ طبيعية يفرضها الحدث السوري، إذْ أنَّه بعد قيام الانتفاضة السوريَّة، بدا واضحاً أنَّ عملية نقاش واسعة سوف تجري حول إعادة تشكيل سوريا جديدة بمؤسّساتها وهيكليّاتها الجديدة، وكانت وراء فكرة مشروع "اليوم التالي" هو جمع ممثّلين عن معظم أطياف المُعارضة السياسيَّة والمجتمع المدني ليضعوا تصوراً شاملاً من مختلف النواحي حول المرحلة الانتقاليَّة التي ستمرُّ بها البلاد، وأيضاً حول ضرورة حماية المواطنين والمنشَآت وعدم الدخول في مرحلة فوضى.
يعملُ فريق "اليوم التالي" على تحقيق جُملة من البرامج التي تهدف إلى تطبيق بعض توصيات تقرير "اليوم التالي" على الأرض في المناطق التي لا تخضع لسلطة النظام، والعملُ في الوقت نفسه على تخفيف حدة الصراعات المحتملة في المستقبل، والتقليل من فرص حصول فوضى في البلاد، من هذه البرامج مثلا برنامج للحفاظ على السجلات المدنية وسجلات الملكيات العقارية، ويقول المدير التنفيذي، وائل السواح، لموقعنا سيريا أنتولد Syrian untold:" بدأنا بالفعل مشروعا لتوثيق بعض السجلات العقارية، (عن طريق الحصول على نسخة رقمية منها) في بعض المناطق كمقدمة بتوثيق أشمل لهذه السجلات تشمل أكبر عدد ممكن من المناطق السورية، خشية إتلافها من قبل قوات النظام أو القوى الظلامية الراديكالية. ومن الواضح أن هذا أمر أساسي من أجل الحفاظ على حقوق المواطنين، إلى ذلك، فإنَّنا نحاول التحضيرات الضرورية في المرحلة الراهنة والتي من شأنها مساعدة السوريين من أجل معرفة حقيقة ما جرى، وتحميل المرتكبين مسؤولية أعمالهم، ومساعدة السوريين على تجاوز هذه المرحلة. أحد هذه المشاريع مثلا هو تشكيل لجنة مستقلة للتنسيق بين كافة المجموعات التي تعمل في مجال العدالة الانتقالية، تتألف أساسا من ممثلين عن المعارضة والمجتمع المدني والمحامين والقضاة، ومشاريع أخرى تتعلق بنشر توصيات تقرير اليوم التالي عن طريق التلفزيون والوسائل المطبوعة والندوات داخل الأراضي السورية، وثمَّة مشروعان كبيران نأمل أن نبدأ بهما السنة المقبلة، أحدهما يعمل للبدء بإصلاح القطاع الأمني في سوريا؛ والأخر يعمل على حماية التراث الثقافي السوري".
يحاول أعضاء الفريق تعزيز دور مؤسَّسات المجتمع المدني، من خلال بناء قدراتها وتعريفها بأهمية العمل المدني ومبدأ المواطنة ونشر فكرة السلم الأهلي وممارسته ومبادئ العدالة الانتقالية. و"نحاول أن نعزز فكرة القانون الوطني في مقابل القوانين الدخيلة (القانون العربي الموحد) كالأعراف الاجتماعية والشريعة الدينيَّة وغيرها من القوانين التي تحاول بعض الجهات اعتمادها بديلاً عن القانون السوري". إلى ذلك تأخذ منظمة "اليوم التالي" دائما جانب المعارضة السياسيّة الديمقراطيّة في مواجهة القوى المتطرفة والراديكالية، وتحاول عبر الحوار مع قوى المعارضة التأكيد على فكرة سيادة القانون والحريات السياسيّة ومبدأ المواطنة والمساواة التامة بين الأفراد والمكونات المجتمعية في سوريا.
ولأنَّ المرحلة الانتقاليَّة في أي بلد من البلدان ليست فترة قصيرة وتعد بالأشهر، بل تأخذ وقتا يستمر سنوات أحيانا. مثل المرحلة الانتقالية في إسبانيا مثلاً بعد وفاة فرانكو أو في جنوب أفريقيا أو البوسنة، جميعها استمرت سنوات عديدة، قبل صياغة الدستور النهائي والانتقال الدائم إلى الديمقراطية. لذلك فإنَّ عمل "اليوم التالي" سوف يستمر مع استمرار المرحلة الانتقالية، وبعدها يمكن أن يغير بالطبع أولويات عمله ومهامه ليتناسب مع المرحلة الجديدة.
يعتمدُ الناشطونُ في فريق "اليوم التالي" على مصادر متعددة في التمويل، من بينها الدانمرك والولايات المتحدة وسويسرا، "ونحاول دوماً تعدُّد مصادر التمويل كيلا تصطبغ منظمتنا بأيّة صبغة، أمَّا طريقةُ التمويل فتتمُّ من خلال مشاريع نقترحها ونقدمها نحن إلى المانحين، فيوافقون عليها أو لا يوافقون، ولم يسبق لأي منهم أن حاول فرض أجندة خاصة على مشاريعنا، وأعتقد أن منظمة بسمعة "اليوم التالي" سيكون من الصعب التأثير سلبا عليها عن طريق المال السياسي، وخاصة بوجود مجلس الإدارة المتفاهم والحريص على استقلالية المؤسسة واتجاهها السوري الخالص، بالطبع هنالك حوار دائم بين المانحين والمنظمة، ونحن نرحب دوماً بالإجابة عن تساؤلاتهم، وغالبا ما يقتنعون بما نراه، لأننا سوريون ولنا الأولوية طبعا في فهم ما يجري في بلادنا".
ككل السوريين الديمقراطيين يطمح فريق "اليوم التالي" إلى سوريا مدنيَّة، ديمقراطية، تعددية، تحافظ على حقوق الإنسان والحريات السياسية، وتعتمد مبدأ المواطنة والمساواة التامة بين كل السورييين بغض النظر عن انتمائهم الجندري أو الديني أو المذهبي أو القومي أو الثقافي، وتحمي الحريات الفردية وتحافظ على التنوع الثقافي وترفض التمييز بين مكونات الأمة السورية.