ليس مستغربا أن تكون مفردة "مندسون" هي العبارة التي اختارها للفنان السوري "منيف عجاج" لتكون عنوانا لأول معرض فني أقامه في دبي بعد اندلاع انتفاضة الكرامة (آذار 2011)، وهو الفنان المثقل بالهم السياسي مذ بدأت يداه ترسم، مما جعل أغلب معارضه تقام خارج البلد، وكأنه باختياره الاسم ( مندسون) يعلن انتماءه لانتفاضة شعبه ضد السلطة التي وسمت المتظاهرين بالمخربين والمندسين والإرهابيين.
ابن مدينة دير الزور الذي ولد في عام 1967 كانت لوحته منذ البداية ترصد انعكاس السياسي على الإنسان، لذا لم يجد صعوبة في الانتقال إلى رصد معالم الاستبداد في لوحته حين بدأت الانتفاضة السورية، حيث ضمّ معرضه الأول "عملية البخ على الجدران وصوّرت عنف الجيش للمتظاهرين، الشبيحة، وإصرار المتظاهرين" على خوض غمار الدرب الطويل نحو الحرية. وهو أمر يمكن رصده في لوحاته التي تصوّر "الشبيحة" ببذاتهم العسكرية و ذقونهم الطويلة وهم يحملون صورة الدكتاتور، وفي لوحة ترصد لحظة دوس الجندي على رأس المتظاهر وهو يقول له "كس أختك حرية"، وأخرى ترصد إذلال المواطن على الحاجز الذي تحوّل أداة تخويف وإذلال يومي للمواطن السوري.
ترك الفنان في سوريا قبيل مغادرته "لوحات لم تعرض ولم تصوّر إلى الآن وهي موجودة بسورية، لأنه لم نكن نتجرأ على نشرها عندما كنت بسورية، وهي لوحات تصور الشبيحة وأخرى تصور بشار الأسد"، آملا أن يتمكن يوما من استرجاعها.
الفنان الذي درس في الأكاديمية البيلوروسية للفن وفي معاهد دمشق الفنية الحكومية حمل معرضه الذي أقامه في عمان عام 2009 اسم "لحظات ما قبل الفجيعة"، وهو "يصوّر أشخاص مهانين بقص شواربهم، وآخرين يصرخون من العذاب وآخرين فقدوا الحياة" كما يقول لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
وفي معرضه الذي أقامه الفنان في مرسمه في دمشق عام 2010 احتلت اللوحات مشاهد "الإهانة والعنف والنفاق ولوحات تمثل الجيش بزيها الممّوه"، وهي التيمة التي ستبقى في لوحات الفنان، وسنشاهدها في أغلب لوحاته اللاحقة التي ترسم الكثير من البدلات الخاكية، وكأنما تسعى للتبرؤ منها وطردها على طريقة زوربا في التعامل مع الكرز، حيث الحضور المكثف للبدلة الخاكية في اللوحة يضمر سعي محموم للتخلّص منها باتجاه دولة مدنية لا مكان للعسكر فيها.
للدكتاتور نصيب كبير من الحضور في لوحات الفنان، فهو يحضر بوجهه الصريح العاكس لروح الطاغية القاتل، وحتى حين يغيب فهو حاضر في ممارسات جلاديه وشبيحته أو صور الطغاة الآخرين، ففي لوحة تمثل الطغاة الراحلون ( زين العابدين بن علي، حسني مبارك، القذافي، علي عبد الله صالح) مرفقة بعبارة "كنا مفكرينكم على نفس الدرجة من الجنون....سامحونا" في إشارة واضحة إلى جنون الدكتاتور السوري الذي فاقهم تدميرا وجنونا.
الفنان الذي تمكّن من الوصول إلى فرنسا عام 2012 نشط مع مجموعة من الفنانين والنشطاء لإيصال صوت الانتفاضة السورية حيث "كل أعمالي مكرّسة للثورة" كما يقول، سواء من خلال المشاركة في نشاطات السوريين في المنفى أو من خلال المعارض المشتركة مع فنانين سوريين مثل أحمد العلي و وليد المصري وولاء دكاك و تمام عزام ومحمد عمران، أو من خلال معارض فردية كمعرضه الفردي بمدينة سان جونيان بفرنسا .
لوحة منيف عجاج قبل الانتفاضة تعكس الخوف المزمن للسوريين من الاستبداد، وانعكاس هذا الخوف عليهم في شواربهم المقصوصة التي تدل على الخنوع والقنوط، لتعود وتعكس بعض الانتفاضة آمل السوريين وانتفاضتهم على خوفهم وسعيهم لاسترداد كرامتهم وشواربهم المقصوصة، لنكون أمام لوحة تعكس بما قبل الانتفاضة وما بعدها تحولات السوريين بين زمنين: زمن الاستبداد وزمن الحرية.