حين اضطرت "حرائر داريا" للخروج من المدينة بعد انهيار المقاومة المدينة فيها بفعل دخول قوات النظام وإبقائها تحت الحصار، لم يركنّ لليأس والانتظار بل صمّمن على التحدي ورفض الهزيمة و بادرن للبحث عن البديل، الذي يمكنهن من استغلال خبرتهن التي اكتسبنها طيلة بقائهن في مدينة العنب ( داريا)، ألا هو مجال المقاومة المدنية والدعم النفسي "لأطفال الشهداء والمعتقلين في داريا"، حيث "خضعنا لتدريب نفسي من قبل معالجة نفسية تختص بحالات مماثلة وعلاج صدمة للأطفال عن طريق اللعب، وهي أحد نشاطات قامت بها الحرائر في كانون الثاني (2012)". كما تقول "حنان" التي شاركت بتأسيس مجموعة "شبكة حراس" التي يقف "سيريا أنتولد Syria untold" اليوم لرواية حكايتها، التي تمثلت أسطورة العنقاء الناهضة من رماد الموت، مؤكدة أن إرادة الشعوب هي الأبقى.
بعد الخروج من داريا إلى التيه السوري، بقيت حوالي عشرين صبية من اللواتي تدربن معا لمدة ثلاثة أشهر يتواصلن بانتظام، ليقررن الرد على الشتات بعمل مثمر بعد تجاوز صدمة الخروج، إذ "فكرنا بأنّه علينا الاستمرار ضمن إطار منظمة، بسبب فقداننا لمكاننا الجغرافي. فتواصلنا مع "الحراك السلمي السوري" الذي قام بتدريبنا على حماية الطفل، والذي كان يقوم بمشاريع كثيرة مع الأطفال في الأماكن المحررة".
بعد عدّة نشاطات مع الأطفال في مدن سورية مختلفة ( ريف حلب، ريف إدلب..) قررت المجموعات التي عملت مع بعضها البعض من تجمعي "حرائر داريا" و "الحراك السلمي السوري" تشكيل شبكة لدعم الأطفال و" اخترنا اسم (حراس الشبكة) لتدل على مجموعة مجموعات تدعم بعضها بعضاً. والاسم جاء من "الأحرف الأولى لحماية ورعاية أطفال سوريا".
تتوزع الجغرافيا التي يعمل بها "الحراس" في جميع المدن والمناطق السورية، وإن تركّزت أكثر في "المناطق المحررة في ريف إدلب وريف حلب والغوطة الشرقية والغربية في ريف دمشق" ليصل إلى مراكز تواجد النظام في دمشق العاصمة وغيرها، حيث يعملون "في مراكز الإيواء وبشكل سري .. أي بدون ذكر اسم حراس الشبكة" كما تقول حنان، خشية من انتقام النظام.
تتميز "حراس الشبكة" عن غيرها من المجموعات العاملة في مجال تقديم الدعم النفسي للأطفال وتمكين المجتمع السوري من الصمود بوجه العنف المسلّط عليه، باهتمامها بالجانب القانوني، فهم يعتبرون أنفسهم " حراس على حقوق الطفل السوري" ولذا يضمّنون عملهم "رفع تقارير للمنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الطفل عن كافة الانتهاكات التي حدثت بحق الأطفال في سوريا، بالإضافة إلى وجود حراس لدينا يقومون بتنبيه أي منظمة (إغاثية مثلاً) تقوم باستغلال صورة طفل لطلب المال، ونعلمهم باستعدادنا لمساعدتهم في حال حاجتهم لمدربين، أو أيّ معلومات تتعلق بالطفل لنقدمها لهم"، وهذا ما يجعلهم هدفا دائما للنظام، عدا عن تعرّضهم لسهام من يسلّطون ضوء النقد على عمله، الأمر الذي يجعلهم أحيانا في مرمى مطرقتين يصعب الخروج من براثنهما.
وفي مجال الدعم النفسي لا يقتصر عملهم على تقديم الدعم المباشر لمستحقيه من الأطفال، بل يعملون على تدريب الناشطين الذين يملكون طاقة العمل وينقصهم المهارة والخبرة، "فقمنا بمساعدتهم وتدريبهم ونقوم حالياً بالإشراف على 8 نقاط تعليمية. مثلاً قمنا بتدريب مجموعة من الشباب في مدرسة في ريف حلب، حيث قام عدد من المتطوعين بتشكيل مدرسة للأطفال بعد خروج المدرسين منها بسبب الحرب، فقام أحد حراس الشبكة بتدريبهم، وأصبحوا مؤهلين لملئ استمارة الحالة. وهي عبارة عن استمارة تخبرنا عن حالة كل طفل وكيف نتعامل معه"، إضافة إلى تدريب الأمهات على "التعامل مع الطفل في حالات الطوارئ، وكيفية حمايته وتقديم الدعم النفسي لهم، وتعريف الأمهات بكيفية اكتشاف وجود صدمة عند الطفل" ليصبحن "قادرات على تشخيص حالة أطفالهن"، و ليتخطى عملهم مجال الطفولة والاهتمام بها إلى دعم المجتمع ومقاومته المدنية ككل.
يبقى الأطفال الميدان الأهم لعمل الحراس، حيث يتعاملون مع ثلاث فئات: أولهم "الذين يكونون بحاجة لأبسط حقوقهم من تعليم وأمان"، والثانية " أطفال خرجوا من الحرب ويحتاجون للقليل من الدعم النفسي"، والثالثة " فئة الأطفال اللذين يعانون من مشاكل نفسية، وهي حالة صعبة. ولكن نسبتهم قليلة" حيث يتم توفير معالج مختص لكل حالة.
ويضاف لما سبق حالات خاصة تتعلق بأطفال معرضين للخطر، نتيجة فقدان المعيل فيذهب للعمل بعمر صغير، حيث " نقوم بالبحث عن جهات قد تساعده على إكمال تعليمه". وهناك "الطفل الذي يتعرض للأذى نتيجة سكنه عند عائلة من أقربائه، إذ نحاول التشبيك مع منظمات أو عن طريق أشخاص يقومون بدعمه ليحصل على رعاية أو منزل منفصل مع والدته، ويكمل تعليمه".
و إيمانا من "حراس الشبكة" بأهمية الوعي والثقافة في تشكيل الطفل أطلقوا مجلة "طيارة ورق" الموّجهة للأطفال، والتي تصدر بالتعاون مع جريدة "عنب بلدي" التي تعتبرها "حنان" "المشرف الفني لطيارة ورق والتي تصدر مع (عنب بلدي) كل 15يوم"، إضافة إلى التعاون مع "مجلة زيتون وزيتونة التي تقوم بنشر مواد لطيارة ورق"، مؤكدين ترحيبهم للتعاون "مع أيّ مجموعة سورية تعمل للطفل وفي نفس مجال عملنا أو تعمل في مجال السلم الأهلي".
نشطاء "حراس الشبكة" يحلمون بيوم سوري يحصل فيه "الطفل السوري على أبسط حقوقه ويتمتع بطفولة سعيدة"، هادفين لـ"بناء جيل يسعى نحو السلام والمحبة ونغرس فيه قيم التسامح"، لتكون حكايتهم حكاية جيل عنيد، متمسك بالحرية حتى آخر رمق، مصمّم على عدم الركون للهزيمة، و لعل ولادتهم وهم الخارجون من رحم داريا المدمرة، أفضل دليل على أنهم عنقاء حرية تجدد ولادتها مهما كان مستوى الدمار وحجمه.