حميد خطيب: كاميرا تخرج من ركام الموت لتوثق الحرية والدمار


24 كانون الأول 2013

"لا يوجد حميد المصوّر بدون الثورة, ربما بعد أن تنتهي الثورة سيبقى حميد المصور". هذا ما يقوله المصوّر الذي ولد أكثر من مرة في ظل الانتفاضة التي انخرط فيها منذ "الشهر العاشر من عام 2011 حيث بدأت بالتظاهر كأغلب السوريين المطالبين بالحرية بعد اتمام خدمتي الإلزامية في الجيش السوري. تظاهرت بين حلب وريف لمدة ستة أشهر" كما يقول لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold"، ليكون شاهدا على حكاية جيل شاب فاجأ نفسه قبل أن يفاجأ الكهول بقدرته على اجتراح المعجزات والحب والأمل.

 كيف لا يكون ذلك حين يجتمع الحب والثورة والصداقة لمواجهة الموت القادم من الطائرات والاستبداد؟

كثر هم السوريون الذين يعتبرون أن الانتفاضة كانت بمثابة ميلاد جديد لهم، إلا أن هذا الوصف ينطبق تماما على "حميد" الذي تحوّل "من تصوير الفيديو إلى التصوير الفوتوغرافي التوثيقي عن طريق أصدقاء مصورين لي" ليحوز جائزة أفضل صورة لعام 2013 من قبل وكالة "رويترز" التي بدأ العمل معها في عام 2013 في رحلة طويلة لامست حدود الموت والحب والشغف.

يقول حميد عن الصورة التي التقطت في أحد "الأماكن المحررة" في حلب، و التي تصوّر طفلا يعمل مع والده في معمل لتصنيع السلاح تابع للمعارضة، حيث رفض والده تصوير نفسه، أن الصورة التقطت "أثناء عملي عن توثيق آثار الحروب على الأطفال. لقد كانت قصة عيسى واحدة من عدة قصص أريد تصويرها عن الأطفال والسلاح في ظل الحروب, لكني عدلت عن تفكيري بعد ردة الفعل الي صاحبت قصة عيسى. هذه الصورة تعني لي كثيرا على المستوى الشخصي. ولقد علقت عليها فيما سبق بأني عندما التقطت هذه الصورة لم أكن أعرف بأني سأرى فيها كيف تجبر الحروب طفل صغير على العمل في مصنع تصنيع السلاح بجانب والده عشرة ساعات في اليوم , ستة أيام في الأسبوع".

حميد وزوجته نور كلزي أثناء التصوير في حلب. المصدر: الصفحة الرسمية للمصوّر على الفيسبوك
حميد وزوجته نور كلزي أثناء التصوير في حلب. المصدر: الصفحة الرسمية للمصوّر على الفيسبوك

بدأ حميد المولود في مدينة حلب (1990) عمله الميداني مع الانتفاضة كناشط إعلامي تزامنا مع انتقال الانتفاضة إلى السلاح، إذ عاد من الإمارات التي غادرها في عام 2011 للعمل، إلى حلب بطريقة غير شرعية لأنه  "يجب أن يعلم العالم أجمع ما يحصل من قتل وتدمير وتهجير و إرهاب ممنهج يقوم به النظام السوري بحق من قام وناصر الثورة السورية"، لتبدأ رحلة جديدة لامست حدود الموت الذي أنقذه منه الأمل والحب، حين تعرّف على زوجته "نور كلزي" التي كانت أول مصورة لوكالة رويتزر في سوريا، فهي " تعمل مع الوكالة قبلي بستة أشهر في مكتب يساعد الصحفيين الأجانب بحلب".

هذا الحب الذي يظلل العاشقين لم يكن بعيدا عن التراجيديا التي تعيشها سوريا اليوم، لأنه حبّ نما على ضفاف الموت، حيث تعرّض العاشقان لخطر الموت بالمعنى المباشر للكلمة وأصيبت "نور" بشكل مباشر، ففي " جبهة الشيخ سعيد, كنت أرافق نور أثناء عملها. وعندما انتهينا من تصوير الجبهة، وفي طريق عودتنا للبيت, التقينا بصديق لي , وأخبرني بأنه يوجد معركة على وشك البدء, فعدنا معه لمتابعة المعركة من بدايتها. نور قوية جداً ولا تهاب شي. قبل إصابتها بثواني كنت أقف في مكان إصابتها فأخبرتني أن أغيّر موقعي لأنها ستقف فيه وتلتقط بعض الصور, وبمجرد ما وقفت سقطت القذيفة, وامتلئ الهواء بالدخان والغبار. لم أكن أستطيع فعل شيء. أوّل من تبادر لعقلي هو نور. من بين الدخان فاجأني سؤال : هل من المعقول أن نقف هنا؟ ونحن لم نعرف بعض إلا لفترة قصيرة وعلاقتنا كانت في بدايتها. فوراً صرخت نور و ردت علي وركضت إليها حملتها وأخذتها للسيارة وفوراً إلى المشفى الميداني. كانت مصابة بكسرين في القدم اليسرى وبعض الشظايا في يدها".

الفنان حميد بكاميرا نور كلزي. المصدر: الصفحة الرسمية للمصوّر على الفيسبوك
الفنان حميد بكاميرا نور كلزي. المصدر: الصفحة الرسمية للمصوّر على الفيسبوك

لم تكن تلك المرة الوحيدة التي ينجو فيها الحب من براثن الموت، ففي بستان القصر "لم أكن أعرف نور حينها. كنت كأغلب الناشطين موجود بالمظاهرة للتظاهر والتوثيق. عندما انتهت المظاهرة وفرغ الشارع تقريباً, سقطت القذائف وكنا نقف أنا وأصدقائي لمناقشة بعض الأمور الثورية. كنت أقرب شخص للقذيفة ولم أصب بها. الكل أصيب ما عداي, والشخص الذي يقف في وسط المجموعة استشهد".

وإذا كان الموت في المرتين السابقتين جاء على شكل قذائف وقصف، فإنه في المرة الثالثة جاء على شكل مجزرة، حين كان يزور حميد مدينته (اعزاز) بعد غياب ثلاث سنوات، ففي 15/ 8/2012 قرر أن يزور المدينة التي نزح إليها أهله المقيمين مع " خمس عوائل من أقاربنا في منزل مؤلف من طابقين فالنساء ينامون بالطابق السفلي والرجال بالطابق العلوي" لتفاجئه الصواريخ وهو نائم، إذ "استيقطت والنافذة وزجاجها فوقي. أول ما تبادر لمخيلتي أن الضربة في المنزل ركضت فوراً لأطمئن على عائلتي فوجدت كل النساء والأطفال يبكون علينا متوقعين بأننا استشهدنا في الطابق العلوي .. عندها جددت الطائرة غارتها الثانية على المدينة وسقطت بقية الصواريخ في جراج المدينة ولم يصب أحد في الضربة الثانية. .. الأولى خلفت 150 شهيد وأربعين منزل مدمر. يكفي عزاز واهلها هذا القدر".

إحدى الصور التي التقطها حميد في مدينة الرقة. المصدر: الصفحة الرسمية للمصوّر على الفيسبوك
إحدى الصور التي التقطها حميد في مدينة الرقة. المصدر: الصفحة الرسمية للمصوّر على الفيسبوك

أما كيف تولد الصورة التي يلتقطها حميد وسط هذا الموت، فهو أمر أقرب إلى الوحي، أمر لا يكاد حميد نفسه يعرفه، إلى درجة أنّه توّحد والصورة في لعبة موت/ حياة، فما " أنا متيقن منه تماما بأنه لولا الحدث لما وجدت الصورة. مهمتي الحالية تقتصر على أن هنالك أحداث يومية يجب علي تغطيتها, وهذا ما أقوم به ولكن بطريقة مختلفة فكما تعرف لكل مصور عين يرى فيه بمنظور مختلف. التصوير في سوريا حالياً ,خارج عن إرداة المصور, إذ  كما تشاء الأوضاع أن يمشي المصور سيمشي. أنا شخصياً أقوم بتصوير الأحداث اليومية, ولكني أفضل تصوير وتوثيق الآثار الجانبية على البشر في ظل الحروب".

وإن كان الموت كريما مع حميد ومرّ بجانبه وكأنّه يمازحه، فلم يكن كذلك مع صديقه "ملهم بركات" الذي أخذه الموت وهو يصوّر الأحداث في حلب، ليبقى حميد يوّثق أصدقائه صورة وحدثا، وكأنه ولد ليحمل كاهل الأموات/ الشهداء الذين يرحلون كرمى لهذه المرأة اللعوب: الحرية. وهو ما دفعه لأن يقول: "لا يوجد سوريا بدون الثورة. وما أحلم به هو طموحات من استشهد في سبيل الثورة في سبيل سوريا" لذا يستمر "حميد" في امتشاق كاميرته ليدافع عن حبه بيد، ويواصل مسيرة "ملهم" بيد، حاملا بروحه سوريا كما يحب أن يراها، وهي تنهض كعنقاء رغم كل هذا الدمار واليأس.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد